محمد سلماوى: فوجئت بالثورة على الرغم من روايتى "أجنحة الفراشة"

الإثنين، 16 مارس 2015 12:10 م
محمد سلماوى: فوجئت بالثورة على الرغم من روايتى "أجنحة الفراشة" الكاتب محمد سلماوى
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال الكاتب الكبير محمد سلماوى، رئيس اتحاد كتاب مصر، كثيرًا ما قال لى الزملاء الصحفيون عند حديثهم معى حول رواية "أجنحة الفراشة": لابد أنك لم تفاجأ بثورة يناير لأنك تنبأت بتفاصيلها فى روايتك، لكنى كنت أقول إننى من أكثر من فوجئوا بالثورة، فأن يكتب الإنسان عملاً أدبيًّا نابعًا من خياله شىء، وأن يراه فجأة وقد تحقق أمامه فى ميدان التحرير شىء آخر.

وقال محمد سلماوى، خلال مشاركته مساء أمس بشهادة ضمن برنامج شهادات ملتقى الرواية العربية، فى دورته السادسة، فى المجلس الأعلى للثقافة، لكن الحقيقة أن صفة التنبؤ بالثورة التصقت بالرواية فى معظم ما كتب عنها، وأذكر أن الكاتب الصحفى عبد الرحمن الراشد كتب فى عموده اليومى بجريدة "الشرق الأوسط" وكانت الثورة ما زالت فى بدايتها: لو أن السلطات فى مصر كانت تقرأ الروايات بدلاً من التقارير الأمنية لوفرت على نفسها الكثير مما حدث لها فى ميدان التحرير، وقد كان من نتيجة ذلك أن وضع الناشر على غلاف الطبعات التالية من "أجنحة الفراشة "عبارة" الرواية التى تنبأت بثورة 25 يناير.

وتابع محمد سلماوى: فما قصة التنبؤ هذه؟ وهل صحيح أن الأدب يتنبأ بما هو آت؟ ثم ما علاقة الأدب بالثورة أصلاً؟ أن الأدب يعبر عن أرقى المشاعر والأحاسيس الإنسانية، بينما تستدعى الثورة قدرًا من العنف – قد يزيد أو ينقص – من أجل إحداث تغيير جذرى فى المجتمع.

وأضاف محمد سلماوى: الحقيقة هى أن الأدب والثورة متلازمان، فالأدب ما هو إلا ثورة على الواقع، وما من أديب يكتب كى يقول إنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وإنما هو يكتب من موقع الثورة على ما هو قائم، وهو يكتب كى يحدث ذلك التغيير الجذرى الذى تطمح إليه الثورات، وإذا كانت الثورات قد غيرت المجتمعات، فكم من الكتب غيرت وجه الحياة، بل إن الأدب عادة ما يستبق الثورة، فالأدب هو وقود الثورة، وبدونه قد يصعب قيام الثورة، لأنه ينقد الحاضر مستشرفًا المستقبل الذى تسعى الثورة بعد ذلك إلى تحقيقه، لأن المرء لا يعيش مكتفيًا بحاضره وإنما هو يسعى طوال الوقت من أجل المستقبل، وهذا يتطلب أن يشحذ الإنسان عقله ليحاول تبين طبيعة هذا المستقبل المجهول، والإنجازات الفكرية الكبرى على مدى تاريخ الإنسان كانت تلك التى لا تنظر فقط إلى موقع الأقدام ما بين الخطوة الحالية وتلك التى تليها وإنما تلك التى حاولت استشراف العالم الذى سنلقاه فى نهاية الطريق، وهى بذلك إنما تساهم بقدر أو بآخر فى صنع هذا العالم الجديد.

ورأى محمد سلماوى: أن محاولة استشراف المستقبل كان دائمًا الشغل الشاغل للفكر الإنسانى سواء كان ذلك فى الأدب أو فى السياسة أو فى العلم، ففى الفكر السياسى مثلاً نجد كارل ماركس يتحدث فى القرن الـ19 عن مجتمع المستقبل فيقول بأن الثورة الاشتراكية ستكون هى النتيجة الحتمية للرأسمالية وإن الطبقات العاملة ستثور فى أكثر الدول الصناعية تقدمًا لتقلبها إلى الشيوعية.

وأشار محمد سلماوى، ولقد أجرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC فى بداية هذا العقد استطلاعًا فكريًّا خلصت منه إلى أن كارل ماركس هو المفكر الذى سيطرت أفكاره أكثر من غيره على القرن العشرين، وقد خابت آمال كارل ماركس بسقوط الماركسية اللينينية فى العالم وانتصار الرأسمالية، لكن هيئة الإذاعة البريطانية مع ذلك كانت على حق، فقد طغى تأثير أفكار كارل ماركس الاشتراكية على الفكر السياسى فى العالم أكثر من غيره فتأثرت به كل النظم السياسية.

وأضاف محمد سلماوى: ولقد توارى كتاب كارل ماركس الشهير "رأس المال" Das Kapital فى السنوات الأخيرة كمرجع أساسى وراء كتابات أخرى تتحدث الآن عن الطريق الثالث، وعما أصبح يعرف باسم اقتصاد السوق الاجتماعى Social Market Economy، لكنى أجد فى ذلك الكتاب مقولة ثاقبة لكارل ماركس لا علاقة لها بالسياسة أو الاقتصاد وإنما تتصل اتصالاً مباشرًا بحديثى اليوم عن "الأدب والثورة" لأنها تتعلق بالخيال الإنسانى الذى هو الأساس الذى يعتمد عليه الأديب فى استشرافه للمستقبل.

وأضاف محمد سلماوى: ففى "رأس المال" يقول كارل ماركس: "إن العنكبوت تقوم بأعمال تشبه ما يقوم به النساجون، والنحلة فى بنائها لخليتها قد تخجل الكثير من المعماريين، لكن ما يميز أسوأ معمارى عن أفضل أنواع النحل هو أن المعمارى يشيد معماره فى الخيال قبل أن يقيمه فى الواقع".

ورأى محمد سلماوى: أن خيال الإنسان هو الذى يمكنه من تخيل نهاية الطريق وهو ما زال فى أوله، وهو الذى يمكنه من التنبؤ بالمستقبل قبل أن يحل، فإذا أخذنا مسألة الثورة التى هى موضوع حديثنا اليوم، نكاد نقول إنه ما من ثورة قامت فى العالم إلا ومهد لها المفكرون والأدباء بكتاباتهم، بل قد نقول إنه لولا تلك الكتابات التى نشرت أفكار الثورة من الحرية والعدل والإخاء إلى الديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ما قامت الثورات الكبرى فى العالم.

وأضاف محمد سلماوى: ولسنا بحاجة إلى التدليل على ذلك بالثورة الفرنسية على سبيل المثال، والتى كان وقودها هو كتابات التنويريين الفرنسيين الذين بشروا بقيم الحرية والمساواة والإخاء، ولم يكن وقودها الظلم والطغيان وحدهما، فقد دام كل من الظلم والطغيان عقودًا طويلة لكن فقط حين انتشرت كتابات فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو وديدرو أصبحت الثورة ممكنة.

وتابع محمد سلماوى: كما أن لنا فى ثورة يوليو 1952 العربية مثالاً آخر حيث أكد قائدها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أن رائعة توفيق الحكيم الروائية "عودة الروح" كانت أحد أهم العوامل التى ألهمته القيام بالثورة.

وقال محمد سلماوى: ولما كان الأدب أكثر الأنشطة الفكرية اعتمادًا على الخيال، مقارنة بالكتابة السياسية أو العلمية مثلاً، فقد كان الأدب على مر العصور وسيلة العقل البشرى فى التنبؤ بالمجتمعات القادمة مثلما وجدنا مثلاً فى روايات البريطانى إريك آرثر بلير، والذى عرف باسمه المستعار جورج أورويل، ففى روايتى "مزرعة الحيوانات" و"1984"، على سبيل المثال يصور لنا أورويل مجتمعات المستقبل التى تسيطر عليها الميكنة ويسيرها الفكر المادى، كما نجد نفس الشىء فى رواية أولدوس هكسلى الشهيرة Brave New World أو "العالم الجديد الجرىء"، ولكن إذا كان أورويل قد ركز نقده على المجتمعات البولشفية الستالينية التى أوجدتها الأيديولوجية الماركسية اللينينية، فإننا نجد هكسلى ينتقد المجتمع الاشتراكى والرأسمالى معًا واللذين يرى أنهما سائران إلى المادية والميكنة التى تلغى العنصر الإنسانى بنفس القدر فى الحالتين، وهو ما تحقق إلى حد كبير حيث لم يقتصر الفكر المادى على المجتمعات الاشتراكية وحدها.

وأضاف محمد سلماوى: على أن الأدب يتخطى تخيل نتائج الاتجاهات الفكرية العامة التى تسيطر على المجتمع، وقد يصل إلى التنبؤ بالاختراعات العلمية، والتى لم تكن تدور بخلد العلماء أنفسهم مثل الغواصة والتليفزيون ورحلات الفضاء والتى ورد ذكرها كلها فى كتابات الروائى الفرنسى جول فيرن "رحلة إلى باطن الأرض" و"من الأرض إلى القمر" و"20 ألف فرسخ تحت البحر"، أو فى كتابات نظيره البريطانى هـ. ج. ويلز "حرب العوالم" و"آلة الزمن" و"الرجل الخفى".

ورأى محمد سلماوى: أن الأدب هو الرصيد الوجدانى للإنسان والممتد عبر العصور، لذلك نجد أن الاختراعات والاكتشافات العلمية ذاتها تقتفى أثر ذلك الرصيد الإنسانى الثرى، فحين توصل سيجموند فرويد، أبو علم النفس الحديث، إلى نظرياته فى علم النفس استعان بذلك التراث الأدبى فى توصيف السلوك الإنسانى، فكانت الدراما الإغريقية هى أول من تحدث عن عقدة أوديب أو عقدة إلكترا، أو غير ذلك من الانحرافات السيكولوجية التى دلل عليها فرويد بالأدب الكلاسيكى.

وتابع محمد سلماوى: وإن رواية "أجنحة الفراشة" التى صدرت فى بداية شهر يناير 2011 تنتمى إلى هذا التقليد الأدبى الذى تنبأ بما هو آت، وهو ما لم أكن أعرفه وقت كتابتى للرواية، لكنى اكتشفته بعد قيام ثورة 25 يناير فى مصر، فالرواية كتبت عام 2010 وسلمت فى سبتمبر من ذلك العام للناشر الذى قرر إصدارها مع معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى كان مقررًا إقامته فى يناير 2011.

وأضاف محمد سلماوى: وهى رواية تصور الحياة السياسية التى كانت سائدة فى مصر قبل الثورة، والتى كانت تعج بالمظاهرات والاعتصامات وشهدت مصر خلالها قيام حركات سياسية احتجاجية متعددة مثل "كفاية" و"6 أبريل" و"الجمعية الوطنية للتغيير" وغيرهم، وهى تقوم على مجموعة من الشخصيات التى تبحث عن تحقيق ذواتها فى هذا المجتمع الذى يبدو فى حالة فوران وهو يبحث أيضًا عن تحقيق ذاته.

وتابع محمد سلماوى: ولقد قادنى هذا الموقف الروائى فى تسلسله من خلال الأحداث الروائية إلى قيام ثورة عارمة تندلع فى ميدان التحرير ثم تنتقل إلى سائر المدن المصرية من السويس إلى أسوان، يفجرها الشباب الثائر مستخدمًا وسائل الاتصال الحديثة من الإنترنت إلى الهواتف النقالة، ومع تأزم الأمور يرفض الجيش تنفيذ الأوامر الصادرة إليه بالتصدى للثورة إلى أن يسقط الحكم.

وأشار محمد سلماوى: ولقد بدت نهاية "أجنحة الفراشة" قبل الثورة صادمة لمن قرأها، وأذكر أن الصديق الشاعر والروائى الأردنى المقيم فى لندن أمجد ناصر قد قرأ النص قبل اندلاع الثورة فقال لى إنه يأخذ على الرواية نهايتها الخيالية التى وصفها بلغة النقد بأنها كانت إرادية أكثر من اللازم، لكنى كنت أشعر أن تلك هى النتيجة الحتمية التى أوصلتنى إليها أحداث الرواية.

وتابع محمد سلماوى: وما هى إلا أيام وتحققت نبوءة "أجنحة الفراشة" وحين ذكرت هذه الملاحظة لأحد الأصدقاء اللبنانيين ونحن فى ميدان التحرير قال ضاحكًا: تلك هى مصر القادرة دائمًا على تحويل الخيال إلى واقع.

وأنهى محمد سلماوى حديثه قائلاً: ذلك هو الأدب الذى يستشرف المستقبل فيقدم لنا مجتمع الغد سواء من الناحية السياسية أو العلمية أو غير ذلك، وربما كان هذا ما قصده الكاتب الأيرلندى الشهير أوسكار وايلد حين قال: الفن لا يحاكى الحياة، وإنما الحياة هى التى تحاكى الفن.

- قصر ثقافة الشاطبى يتجمل فى افتتاح معرض الثقافة للكتاب












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة