بيشوى رمزى

الأبعاد التنافسية بين الحلفاء.. الأزمة الأوكرانية نموذجا

الأحد، 27 مارس 2022 04:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الأزمة الروسية الأوكرانية ربما فتحت الباب أمام الحديث عن تحالفات جديدة، أو إمكانية تعزيز تحالفات قائمة، في ظل تراجع يبدو واضحا في معسكر الناتو، أو كما يطلق عليه "المعسكر الغربي" من جانب، وبزوغ تحالف جديد في الشرق يجمع بين قوتين صاعدتين نحو مزاحمة الولايات المتحدة على عرش النظام الدولي، وهما روسيا والصين، ومعهما عددا من الدول الموالية لهم، سواء في آسيا أو أوروبا الشرقية، بينما يبقى هناك تحالف ثالث يتبنى موقفا محايدا من الصراع القائم، ولا يرغب في الانغماس فيه، في ظل المصالح المشتركة التي تجمع دوله مع طرفي الصراع الرئيسي، والدائر على الأراضى الأوكرانية من جانب، وربما سعيا للقيام بدور أكبر على المستوى الدولي، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية من جانب آخر.

ولعل التحالفات الثلاثة المشار إليها، ليست جديدة تماما في المشهد الدولي، فهي تمثل تكرارا للساحة العالمية في حقبة الحرب الباردة، بين المعسكرين المتصارعين، وهما الغرب بقيادة الولايات المتحدة، والشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي، بينما آثر فريقا ثالثا الحياد، حيث تبنى كل فريق طابعا مؤسساتيا، تجلى في حلف "الناتو" و"وارسو"، ليكونا بمثابة ذراعان عسكريان للمعسكرين الغربي والشرقي، على الترتيب، في حين كان المعسكر الثالث ممثلا في منظمة "عدم الانحياز"، والتي ولدت بمبادرة مصرية، من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ودعمتها الهند ويوغوسلافيا، وكانت تهدف إلى الابتعاد عن السياسات التي نتجت عن الحرب الباردة بين المعسكرين المتصارعين، بينما ساهم توحد أعضائها في تحقيق العديد من المصالح المشتركة، وأبرزها إنهاء الحقبة الاستعمارية، والحصول على السيادة الكاملة على أراضيهم.

إلا أن ثمة تغييرات كبيرة في شكل التحالفات الجديدة، في ظل معطيات تبدو مختلفة، أبرزها الانقسام داخل المعسكر الغربي، إثر انعدام الثقة الأوروبية في القيادة الأمريكية، وهو ما يختلف جذريا عن الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية في ظل الدوران الأوروبي المطلق في الفلك الأمريكى من جانب، بينما يبقى الغموض مهيمنا على التحالف الوليد في الشرق، في ظل وجود قوتان رئيسيتان، وهما روسيا والصين، يجمعهما تحالفا استراتيجيا، ولكن لا يخلو في الوقت نفسه من الطبيعة الصراعية، التي تبدو السمة الرئيسية للعلاقات الدولية، باعتبارها تقوم في الأساس على البعد المصلحي، وهو ما يختلف جذريا عن حقبة الحرب الباردة، والتي ارتبط فيها المعسكر الشرقي بحالة "الاتحاد" في الكتلة السوفيتية، وهو ما ساهم في تفخيخها من الداخل، عبر دعم المتمردين بين دول الاتحاد، في حين أن المعسكر الثالث مازال في إطار التكوين، مع بروز مواقف عربية موحدة، تقوم في الأساس على تحقيق المصلحة الجمعية والوطنية فيما يتعلق بقضايا المنطقة، في حين مازالت دولا أخرى في مناطق متفرقة من العالم لم تحسم مواقفها من الانضمام لأي من المعسكرين، في ظل ارتباط مصالحهم مباشرة بأطراف الصراع.

وهنا يمكننا القول بأن التحالفات التي سوف تسيطر على المرحلة الحالية، تبدو ذات طبيعة "خشنة"، حيث يبقى "التنافس" بين أعضاء التحالف الواحد أحد سماتها الرئيسية، نظرا لتعدد القوى القادرة على القيادة داخل كل تحالف، وهو ما يضفي بعدا مهما للتحالفات الدولية الجديدة، والتي ترتبط بالمصالح المشتركة، في حين أن النجاح يبقى مرهونا بالقدرة على تعظيم تلك المصالح، على حساب الجانب التنافسي.

فلو نظرنا إلى المعسكر الروسي، نجد أن تواجد الصين، ربما يضفي قوة كبيرة للجانب الشرقي، إلا أنه لا يخلو من صراع ضمني، حول القيادة، بين موسكو وبكين، وهو ما يبدو في موقف الصين، التي آثرت الاعتدال، عبر عدم الانجراف نحو التأييد المطلق لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، في الوقت الذي لم تتركها فريسة لعقوبات الغرب، بينما لم يخلو المعسكر الغربي من الجانب التنافسي، في ظل تراجع الدعم بين الأوروبيين للقيادة الأمريكية المطلقة، وهو ما انعكس في الانقسام حول العقوبات المفروضة على روسيا، وكذلك إمكانية الاستغناء عن الغاز القادم من موسكو، طبقا للمصالح والأولويات لدى كل دولة، وهو ما يعني عدم الرضوخ المطلق للرغبات الأمريكية.

تلك الحالة "الخشنة" التي تبدو عليها التحالفات الجديدة، ربما تمثل حالة عامة، في النظام الدولي الجديد، مع تعدد القوى الدولية، الطامحة في الوصول إلى القمة، على عكس الحقب السابقة، حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى هما القوتان الوحيدتان المؤهلتان للقيادة الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالتالي اتسمت تحالفاتهما بقدر كبير من "النعومة"، القائمة على فرض الأمر الواقع، بسبب الدمار الذي حل بأوروبا إثرها، بينما لم تجد واشنطن منافسا مع انهيار الكتلة الشرقية، وبالتالي لم يكن هناك خيارا أخر سوى الدوران في الفلك الأمريكي أمام الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع الدولي، وبالتالى اتسمت التحالفات مع "القوى العظمى" بنعومتها

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة