أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

الأزمات الدولية الطارئة.. تراجع "أممي" وصعود "إقليمي"

الخميس، 10 مارس 2022 03:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة الأوكرانية، في الأيام الأخيرة، ربما أضفت المزيد من علامات الاستفهام، حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة، في المرحلة الراهنة، لتحقيق الهدف الذي خلقت من أجله، وهو حفظ السلم والأمن الدوليين، في ظل تحرك موسكو، الذي أثار مخاوف كبيرة من احتمالات اندلاع حرب عالمية جديدة، سوف تقوض، إن حدثت، المنظمة الدولية الأكبر في العالم، على غرار ما شهدته "عصبة الأمم" قبل عقود، والتي انتهى دورها فعليا بعد نشوب الحرب العالمية الثانية في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، بينما تم حلها بعد نهايتها مباشرة، إثر عجزها عن منع الصراع الدامي الذى استمر لخمس سنوات كاملة، ليأكل معه الأخضر واليابس.

ولعل الموقف الأممي، في المرحلة الراهنة، أكثر خطورة إذا ما قورن بالوضع الذى كانت عليه "عصبة الأمم"، مع تراكم الأزمات، والتي لم تقتصر على الحرب الحالية، وإنما امتدت إلى الفشل الكبير من قبل المجتمع الدولي، في التعامل مع الأزمات الطارئة، وعلى رأسها وباء كورونا، وحالة الصراع مع الطبيعة، والتي تتجلى في قضية التغيرات المناخية، وهو ما يضع الكوكب بأسره في دائرة الخطر الداهم، والتي قد تدفعه نحو الفناء، إذا ما لم يكن هناك دور قوي من قبل المنظمة الدولية الأكبر لتوحيد كلمة كافة الدول حول العالم، نحو تحقيق الاستقرار، والأمن والسلم الدولي، وهي المفاهيم التي لم تعد تقتصر في نطاقها على مجرد العمل على احتواء صراعات تقليدية، سواء بين الدول أو في صورتها الأهلية، وإنما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك.

الحديث عن التراجع الأممي، ربما ليس وليد اللحظة، فقد بدأ منذ نهاية الحرب الباردة، مع بروز دعوات الإصلاح، والتي أطلقها لأول مرة الدبلوماسي المصري المخضرم، دكتور بطرس غالي، عندما كان أمينا عام للمنظمة الدولية، في التسعينات من القرن الماضي، ولكن دون جدوى في ظل رغبة القوى الدولية الحاكمة في السيطرة على زمام الأمور، وتوطيد سيطرتها الأحادية على العالم، بينما تجلى بصورة أكثر وضوحا مع الغزو الأمريكي للعراق، رغم رفض الأمم المتحدة، لتشكل واشنطن تحالفا يبدو شكليا، مع كلا من فرنسا وبريطانيا، لإيجاد بديلا دوليا للشرعية الأممية، عبر ما أسميته في مقال سابق بـ"شرعية التحالفات"، لتكون الخطوة الأمريكية في العراق، بمثابة أحد المراحل المفصلية في تاريخ التراجع المتواتر الذى يشهده الدور الأممي، بينما كانت مواقف واشنطن في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي اتسمت بعدائية شديدة، تجاهها، أحد الإرهاصات الهامة في هذا الإطار.

وهنا تبقى الحاجة ملحة إلى بروز الدور الذي تلعبه المنظمات الإقليمية، من أجل تحقيق الاستقرار في كل منطقة، ومن ثم مجابهة التحديات الكبيرة المترتبة على الأزمات الدولية الكبرى، سواء كانت صراعات، حتى وإن خرجت عن نطاقها الإقليمي والجغرافي، أو في صورتها الجديدة، كالأوبئة أو حالة "الصراع مع الطبيعة"، وهو ما يعنى اتساع نطاق الدور الذي تقوم به تلك المنظمات، لتتخطى مساحة جغرافية محدودة، إلى مناطق أكبر، في ظل الارتباط بتلك الأزمات، سواء من حيث التداعيات السلبية المترتبة عليها، أو حتى ما إذا كان بإمكانها خلق مساحة أكبر من المناورة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لأعضائها في المستقبل.

ولعل النموذج الأبرز في هذا الإطار، يتجسد في جامعة الدول العربية، والتي تمثل الأزمة الراهنة بالنسبة لها، بمثابة "نقطة تحول" مهمة، من حيث الدور، في ظل ارتباط منطقتها بالحرب الدائرة حاليا بصورة غير مباشرة، نتيجة تداعياتها الاقتصادية من جانب، ناهيك عن ارتباطها اللصيق بمسألة الطاقة وأسعارها، والتي ترتبط بصورة مباشرة بأسواق النفط في العديد من الدول الأعضاء، من جانب أخر، بالإضافة إلى حاجة الدول أطراف الصراع، إلى الدعم الدولي، وهو ما يضفي المزيد من القوة إلى الموقف العربي، حالة التوصل إلى توافق بشأن الأزمة الراهنة.

الأهمية الكبيرة للأزمة الحالية في أوكرانيا، دفعت "بيت العرب" إلى التركيز عليها بصورة كبيرة عبر اجتماع غير عادي لمناقشة الأزمة، قبل عدة أيام، بناء على طلب تقدمت به مصر، بالإضافة إلى هيمنتها على أعمال مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، في دورته العادية، حيث تجلى الموقف العربي في تأكيد الأمين العام أحمد أبو الغيط، على أهمية المصلحة الوطنية العربية، لتكون محددا رئيسيا للموقف من الأزمة، في رسالة واضحة للتأكيد على ثقل الموقف العربي، والذي يرجع في جزء كبير منه إلى خروج دائرة الصراع من النطاق الجغرافي للمنظمة الإقليمية لأول مرة منذ عقود طويلة من الزمن، حيث كانت منطقة الشرق الأوسط، بمثابة "بؤرة" الحروب بالوكالة، والتي أثارت صراعات بينية وأهلية، مازالت قائمة حتى الآن.

وهنا يمكننا القول بأن الأزمة الأوكرانية، تمثل بجلاء فرصة مهمة لحشد الدعم الدولي للقضايا العربية، سواء عبر جهود الدول الرئيسية في المنطقة، التي تحظى بنفوذ كبير على المستوى الدولي، أو عبر المظلة الإقليمية، المتمثلة في "بيت العرب" لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في المرحلة المقبلة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة