بأعلام ترفرف وصافرات يرنو صوتها فى الأرجاء، تتحول سماء مدينة المنصورة فى ساعة العصاري، للوحة فنية ساحرة ترسمها أسراب الحمام التى تحلق لتنثر بهديلها معانى الحرية والمحبة والسلام.
منذ ما يقرب من 30 عاما اعتاد محمد فيصل الشهير بفيصل القيصر، أحد هواة وعشاق تربية الحمام، على قضاء وقته مع الحمام، مستمتعا بتربيتهم وتدريبهم والاعتناء بهم، فى مزرعته الكبيرة التى تنعم بأكثر من 600 حمامة، والمصنوعة بتصميم جميل وألوان زاهية، أعلى سطح منزله بشارع محمد فتحى، ممسكا بعلمه، مطلقا صافراته فى وقت العصاري، ليمنح الحرية والحياة لطائر السلام؛ ليعتلى السماء ويجوب الأرجاء فى أسراب تكاد تخطف الأنظار لشدة جمالها ودلالها إلى أن تغرب شمس النهار.
وقال محمد فيصل لـ"اليوم السابع"، إنه يعشق تربية الحمام منذ أن كان فى الثامنة من عمره، وحلم منذ طفولته باقتناء مزرعة تضم أكثر من 100 نوع من الحمام لأفضل السلالات المصرية، وحمام الزينة، اقتداء بأصدقائه الذى اعتاد على رؤيتهم وهم يربون ويطيرون أنواع مختلفة من الحمام، مشيرا إلى أنه بدأ يربى الحمام فى عشة صغيرة ومن ثم غية صغيرة، وبعدها تطور الأمر لبرج حمام كبير، حتى نجح فى إنشاء إحدى أكبر مزارع الحمام فى مدينة المنصورة والتى تضم أكثر من 800 حمامة.
وأشار إلى أنه نجح فى اقتناء سلالات مختلفة من الحمام وتحديدا سلالة الغزار المصرى التى تعد من أفضل سلالات الحمام التى تفضل الطيران فى مجموعات، ويسهل تربيتها وإنتاج سلالات جيدة منها، وتميزها ومهارتها العالية فى الطيران والنش، كونها قادرة على إغراء الحمام الغريب الذى يقوم بمرافقته أثناء الطيران لمدة طويلة للهبوط معه فى غيته، فضلا عن امتلاكها لمواصفات شكلية تميزها عن غيرها من السلالات الأخرى، كامتلاكها لجسد طويل، وصدر عريض، ورقبة طويلة، ورأس صغير، وعيون واسعة وجفون رقيقة، ومنقار قصير وغليظ (مكلتم)، وأرجل خالية من الريش، فضلا عن وقفتها المميزة.
وأوضح أنه يمتلك أنواع مختلفة من الغزار المصرى كالأبلق، والصافى، والأحمر غزار، والعنبرى الأسود، والقطقاطى القشر سمك، والأصفر ورق، فضلا عن أنواع أخرى من حمام الزينة كالشقلباظ، والأوزبك الروسى، والكلر هد، والقراباش، مضيفا أنه يمتلك أكثر أنواع الحمام تميزا وهو حمام التحاضين، كالزاجل بألوانه، والذى يقوم باحتضان أغلى أنواع الحمام؛ لذلك يعتنى به اعتناءا خاصا ويوليه الرعاية الكاملة ليحافظ له على الزغاليل المميزة وعالية الثمن.
فيصل-القيصر
وقال إن للحمام الأبلق أنواع عديدة، فمنه أبلق قشر بندق، وأبلق فحمي، وأبلق أخضر، وأبلق سكروتة، وأبلق أحمر، وأبلق أبيض، وأبلق بنفسجي، مضيفا أن مواصفاته القياسية تتمثل فى امتلاكه لجسم طويل وقوي، ورأس مستقيمة من الأعلى ومرتفعة من الأمام، ومنقار قصير وسميك يخرج مع امتداد الرأس، وعيون واسعة ومستديرة يقترب لونها للون الزيتي، وجفون رقيقة بيضاء، وريش طويل وعريض، وتوسط وريشة مزدوجة الذيل، وأرجل قصيرة خالية من الريش، مشيرا إلى أن لون جسمه أبيض ما عدا الخدود والكتفين، فتختلف ألوانهم وفقا لنوع الأبلق، فالأبلق الأخضر يكون لون خدوده رمادى غامق ولون كتفيه أزرق سماوي، والأبلق السكروتة يمتلك خدود بنية اللون وكتفين بنية تميل للذهبي، بينما الأبلق قشر البندق فيتميز بخدوده الكحلية اللامعة وكتفيه البنية كقشر البندق.
وأضاف أن أحد أكثر أنواع سلالة الغزار المصرى تميزا، هو الحمام الأحمر الغزار، الذى يتميز أفضل تقليب منه بلونه الأحمر الداكن الزاهي، وقوة بنيانه وشدة تحمله، فضلا عن امتلاكه لجسم طويل، ورأس مستديرة، وصدر عريض ومنقار أبيض قصير وعريض وغليظ، وعينين واسعتين وجفون سميكة بيضاء، ورقبة متوسطة الطول مائلة قليلا للأمام، وأرجل قصيرة وغليظة، وريش أحمر كثيف.
واستطرد أن أشهر أنواع الغزار المصرى، هو الحمام القطقاطي، الذى يفضل تربيته عدد كبير من الهواة؛ لقدرته الفائقة على الطيران، وجمال شكله وتناسق جسمه، وتنوع أنواعه بين المحلاوي، والقطقاطى قشر السمك، والقطقاطى الصابوني، مشيرا إلى أنه يمتلك باختلاف نوعه جسما طويل وقوى رأس مستديرة، مسحوبة من الأمام ومنزلقة من الأسفل، ومنقار أبيض مشوب بالسواد قصير وسميك، وأنف غليظ، وأرجل خشنة.
مراحل-نش-الحمام_1
وأشار إلى أن الحمام الأصفر ورق، يعد من أجمل وأغلى أنواع حمام الغزار المصري، ومنه ثلاثة أنواع يختلفوا باختلاف لون العين ولون الجسم، فمنه الحمام الأصفر ورق الأشقر، الذى يتمتع بجسم أبيض ورقبة حمراء، والحمام السكرى الذى يمتلك جسم أبيض سكرى ورقبة صفراء، والحمام الأصفر ورق الماوردى الذى يتميز بلون جسمه الأصفر ورقبته الذهبية، والخوانكي، الذى يتمتع بجسم ذهبى اللون وذيل رصاصى مائل للأسود، والحمام الأصفر ورق الحجري، الذى يختلف عن باقى الأنواع بجسمه الأبيض الخالص وعينه البكماء، موضحا أن الحمام الأصفر ورق يتمتع بخفة وزن، ورأس صغيرة وعريضة، وعيون واسعة ومستديرة، ومنقار أبيض صغير، وريش كثيف وعريض، وأجنحة طويلة، والمثالى منه الذى يمتلك مواصفات قياسية تزيد جماله وسعره لابد وأن يمتلك قطع صغير أو شارم أعلى أنفه الصغير، ولغد أسفل المنقار، وريش صغير يشبه الشعر يغطى جسمه.
وأوضح أن "النش"، هو أساس غية الحمام، وهو عبارة عن لعبة وتنافس فى الهواء بين مجاميع كل غاوى حمام فى المجال، فأساسها إطلاق الحمام للطيران بقصد التسلية وليس بقصد مسك حمام الغير، حيث يبدأ كل غاوى فى إطلاق ما يمتلكه من حمام فى وقت التماسى والذى يبدأ من الساعة الرابعة عصرا حتى غروب الشمس، ممسكا بالعلم الذى يمثل إشارة بدء الطيران للحمام، وتصل اللعبة لأعلى مراحل اشتباكها ومتعتها عندما تتداخل كل مجاميع الحمام مع بعضها البعض فى شكل أسراب، وينجح الغاوى فى مسك فرد حمام لغاوى آخر، مضيفا أن صعوبة النش تكمن فى قدرة الغاوى على تكوين مجموعة من الحمام ذات مواصفات قياسية ولياقة بدنية عالية وتدريب جيد وتجانس مع بعضها البعض، فضلا عن قدرته على التحكم فى سربه لينفذ أوامره فى الطيران لمسافات طويلة وارتفاعات شاهقة.
وقال إن حمام الغزار المصرى هو أفضل سلالة للنش، حيث يميل دوما للتحليق بتموج لمسافات بعيدة وارتفاعات شاهقة، ويحرص على الانضمام إلى أى حمام آخر أثناء النش، خاصة أنواعه من الصافى والأبلق والمسود، يليهم فى القدرة على الطيران، العنبري، والقطقاطى، والأسود غزار، والأحمر غزار، والمرقع، ومن ثم أنواع أخرى كالشوام، والكشكات، مضيفا أنه يعد من أكثر السلالات المميزة والأعلى سعرا على الإطلاق، فقد يتخطى سعر الفرد الواحد منها الـ17 ألف جنيه، ولذلك تمنع من السفر خارج مصر؛ لندرتها، وامتلاكها لمواصفات شكلية قياسية، ومهارتها العالية فى الطيران لمسافات بعيدة وارتفاعات شاهقة.
وأشار إلى أن الهواة، يقوموا ببناء الغية من قطع الخشب أعلى أسطح منازلهم، وتكون مقسمة لأكثر من دور، وفقا للإمكانيات المادية المتاحة لكل غاوي، كل دور يقوم الحمام الذى يحتويه بوظيفة محددة، فمثلا الدور الأول يسمى "السلاكة"، وهو الدور الذى يتم فيه تفريخ وتحضين الزغاليل المميزة والغالية، ويضم أنواع معينة من الحمام تقوم بتلك الوظيفة، أما الدور الثانى فيسمى بـ"الرف"، وتحتوى الغية على صناديق صغيرة يسكنها الحمام، وهو المكان الذى يقضى فيه الحمام معظم وقته، ويظل قابعا فيه حتى يحل وقت العصارى، وهو وقت النش الذى تطلق فيه الصافرات، ليبدأ الغاوى بإطلاق الحمام للطيران حتى غروب الشمس، ويتم ترتيب الحمام فيها وفقا للون، بحيث يكون الألوان الفاتحة فى الصناديق العليا يليها الأغمق فالأغمق، كل واحد أو اثنين منهم فى غرفة صغيرة خاصة به.
وقال إن عملية النش تبدأ بتدريب ذكور زغاليل حمام الغزار، على عملية الطيران، والتى تتميز بقدرتها على الطيران بعكس الإناث، فيبدأ النش بمرحلة التدشير التى يتعرف فيها الزغلول على مكان الداير، حيث يتم وضع كل زغلول فى صندوقه "غرفته" بالداير، حتى يتعرف عليه جيدا لأيام معدودة، تكلف خلالها فى مواعيد ثابتة فى ظل غلق شبكة الوسط، ومن ثم يتم فتح الشبكة لتترك الزغاليل تتنقل على العرق كيفما تشاء ثم عند الغروب يقوم الغاوى بحبسها فى صناديقها، ومع تكرار تلك المرحلة يوميا بمواعيد ثابتة للكلفة والفتح والتحبيس، يبدأ كل زغلول يحفظ بابه وصندوقه ويعرف بيته جيدا، ويبدأ فى تنفيذ أوامر صاحبه.
وأوضح أن المرحلة التى تلى مرحلة التدشير، هى مرحلة التدريب على الطيران، فيقوم فيها الغاوى بفتح أبواب جميع الزغاليل ظهرا، حتى تخرج جميع الزغاليل من أبوابها لتعتلى العرق وتستقر عليه، يقف الغاوى فى وسط الغية ممسكا بعلم أو راية مميزة، يقوم بتوجيهه للزغاليل، التى تفزع بدورها بمجرد رؤيتها للعلم وسماع صوت التصفير، ليكون رد فعلها هو الطيران فى الجو فى شكل غير منتظم، وفى ظل فترة الطيران غير المنتظمة للحمام يظل الغاوى رافعا علمه لمدة دقيقة، وبعدها يقوم بإنزال العلم والتى تمثل إشارة أو أمر للحمام بالنزول على العرق مجددا بشكل غير منتظم، والوقوف عليه لمدة تقترب من الساعة، ومن ثم يتم حبس الحمام فى صناديقه، وتكرر تلك العملية يوميا لفترة قد تتجاوز الأسبوعين، ومع استمرار تكرارها يقلل الغاوى خلالها من فزع زغاليل الحمام للطيران ومن فترة وقوفها على العرق، حتى تبدأ عملية الطيران تتحسن عند كثير من الزغاليل، وينجحوا فى الطيران بشكل دائرى مائل ومنظم.
وأشار إلى أن عملية النش لعبة لها قواعدها وأصولها التى تضمن لها النجاح، فقبل كل شيء تحتاج لغاوى يمتلك من العلم والمهارة الكافية التى تجعله يمارس هوايته بفن وتميز، فضلا عن تحليه بالصبر والهدوء وقوة الملاحظة، وبروح أخلاقية عالية تجعله يلعب اللعبة بشرف وأمانة، فيجب عليه ألا يحاول مسك أى فرد حمام إلا حمام النش فقط الذى اجتمع مع حمامه داخل المجال ولا يحاول مسك حمام الفرخ أو الزغاليل، وألا يقوم بإنهاء عملية النش قبل إنهاء عملية التدريب، فالغاوى النجاح هو من يتميز عن غيره بقدرته على تدريب الحمام الخاص به، بأن يسترجع جميع أفراد سربه بعد انتهاء رحلة الطيران، موضحا أن عملية النش اختلفت كثيرا عن الماضي، فتحولت تربية الحمام من هواية وتسلية ومتعة، لتجارة وصيد بالإكراه واحتكار للحمام الطائر بمواصفاته وتقليبه المميز وحبسه فى أقفاص، فلم يعد أحد يحترم قواعد اللعبة.
مراحل-نش-الحمام
مزرعة-حمام
نش-الحمام
نش-الحمام_1
هاوي-تربية-حمام
هاوي-تربية-حمام_1
هبوط-الحمام-للغية
هواية-تربية-الحمام
