يصدر قريبا، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب جديد بعنوان "خيال الضرورة ومرجعياته.. قراءات فى شعر العامية"، للشاعر والناقد الكبير محمود الحلوانى، حيث يقدم الكتاب، قراءات حاولت رصد ما أنتجه شعر العامية من تصورات للعالم، وما أضافه من جماليات تخصه وتحسب له وتميزه.
ومن أجواء الكتاب نقرأ: فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى تقريبا، أو بعده بقليل، قرر عدد من شعراء العامية المصرية التنازل- بمحض إرادتهم- عن ميراثهم من تركة الآباء والأجداد، قالوا: لم تعد تناسبنا، كما أن انشغالاتكم لم تعد تخصنا، ثم إننا لسنا أنبياء. الرسالات التي آمنتم وبشرتم بها ربما كانت تناسب زمنكم الأبيض والأسود، بمربعاته الشطرنجية شديدة الوضوح، الخير هنا والشر هناك، الحبيب والعدو، ولا ينقص غير أن تصوبوا أقلامكم لإحقاق الحق، وقد اخترتم الانحياز للشعب، ولغة الشعب، وقضايا الشعب، من أجل إنجاز ذلك الدور، بل واعتبرتموه "ضرورة". ورفعتم الاهتمام بهذه الضرورة فوق حاجتكم للتعبير عن ذواتكم، أما نحن، فلم نعد نؤمن بما آمنتم به، أو على الأقل، سيحاول كل واحد منا أن يتأكد، بطريقته، وأن يعيد النظر في كل المسلمات والمعارف والانتماءات المسبقة، بعد أن يختبرها بوعيه الذاتي، وعبر جسده الخاص. لن نترك حياتنا وتصوراتنا تُصنع في مصانع الآخر، إنه الموت بعينه وسوف نقوم بتفكيكه.
