منتصر الزيات

معارك المثقفين المصريين واتحاد كتابهم

الأربعاء، 26 يونيو 2013 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن البيان الذى أصدره اتحاد كتاب مصر الجمعة الماضية يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة وسحب الثقة من الرئيس الدكتور محمد مرسى مفاجئا، فى غمرة المعركة الحادة التى تجرى فصولها ربما الأخيرة داخل أروقة وزارة الثقافة منذ تعيين الدكتور علاء عبدالعزيز وزيرا للثقافة، فهو موقف يعبر عن حقيقة التوجه الذى يهيمن على عقيدة رموز هذا الاتحاد المستغربة لهوية الأمة.

فهؤلاء الكتاب الذين لم نسمع لهم همسا طيلة ثلاثين عاما قضاها الطاغية المخلوع حسنى مبارك فى الحكم، لم يؤثر فى عواطفهم حكمه طوال ثلاثة عقود بالطوارئ يسلطه على خصومه، وهم لا ريب ليسوا خصوما له، لم يشجبوا تعديه على حقوق المصريين، سواء حقهم فى الرأى والتعبير، أو حقهم فى الاستمتاع بثروة بلادهم، أو فى حياة كريمة.

كنا نشاهد «النخبة» من الكتاب والمفكرين والأدباء يلتفون حول مبارك فى يناير من كل عام بمناسبة معرض الكتاب الدولى يتبادلون معه النكات والضحكات والقفشات دون أن تكون لديهم القدرة ولا المكنة على أن يوجهوا إليه سهام النقد أو التوجيه أو حتى النصح!!
المهم منذ صدرت حركة التعديل الوزارى الأخيرة التى حملت خبر تعيين الوزير الجديد وتبين أنه ذو خلفية إسلامية منهجية - ليس إخوانيا - وارتفعت الأصوات احتجاجا من داخل الوزارة، أولا الذين أشاروا إلى تخوفهم من سعى الوزير «للإطاحة بعدد كبير من قيادات وزارة الثقافة فى المرحلة المقبلة»!!

واعتبر محمد العدل الأمين العام لجبهة الإبداع المصرية التى تضم عشرات الكتاب والفنانين والصحفيين المعارضين أن تعيين عبدالعزيز وزيرا للثقافة «يأتى استكمالا لخطة الإخوان المسلمين لأخونة وزارة الثقافة والإطاحة بالقيادات الكفوءة بالوزارة».

ورصد تحركات الكتاب المهيمنين على مقاليد وزارة الثقافة منذ عشرات السنين، وعلى هوامشها فى اتحاد الكتاب ومهرجان السينما وهلم جرا من النوافذ المفتوحة من خلال خزينة الوزارة يبين أن استقراءهم للمعركة كونها تعنى بالإصلاح داخل تلك الوزارة المهمة فى التعبير عن هوية الشعب المصرى، وقد بدا ذلك جليا من أول قرار اتخذه الوزير الجديد بإقالة أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد كان خطاب الوزير الجديد واضحا بكونه وزير ثقافة الشعب المصرى، وليس وزيرا للنخبة لأن عصر النخبة قد انتهى.

حاولت أن أفهم منطق المعترضين على تولى الوزير الوزارة ومعلوم أن الوزير دائما ما يكون منسقا لأعمال وزارته ويشترك فى رسم سياساتها مع كبار موظفيه، فإذا بهم يقولون نريد وزيرا قامة يحسن تمثيل وزارة الثقافة!!

وتعجبت فهل كان فاروق حسنى قامة ثقافية أم رساما؟ ونظرت فى سيرة الوزير الجديد فوجدته شابا، ومصر تحتاج اليوم إلى إحلال وتبديل، ووجدته مؤهلا فى مثل نوعية ما تم استوزاره فيه حاصلا على بكالوريوس المعهد العالى للسينما، يعنى ليس دعيا غريبا، واستمر فى مشواره العلمى التخصصى، وحصل على ماجستير فى فلسفة الفنون، وأخيرا دكتوراه فى فنون السينما، ما الذى ينقمه عليه المثقفون المصريون؟! أنه ليس علمانيا ليبراليا فهم وحدهم الذين يفهمون ويتثقفون ويبدعون!! أما الإسلاميون فالبون بينهم وبين الإبداع واسع، أنظر إلى مؤهلات الرجل فأجد بضاعته كلها وليدة بيئته الثقافية لم يتمرد عليها أو يتبرأ منها فعمل مونتيرا سينمائيا ومخرجا منفذا وناقدا سينمائيا وعضو جمعية نقاد السينما المصريين، وله فى هذا الصدد مؤلفات ومصنفات فنية وسياسية.

ربما تساءل بعضهم هذا الرجل لا يقرع الخمر ولا يقر بمشروعية الشذوذ وزواج المثلين!! كيف يقود قطاع الثقافة وهو لا يؤمن بمكونات الثقافة الغربية أو الغريبة عن شريعتنا، لذلك أعلنوا الحرب عليه.

أظن أن قطاعا واسعا ممن يوسمون بأنهم «مثقفون مصريون» يرون أن إبداعات الفكر فى إطار العلوم والفنون لا تتوفر إلا لدى «المدنيين» أو «العلمانيين» أو «الليبرالليين»، وأن الحداثة إنما تنحصر فيما استحدثته الحضارة الغربية، ويتغافل هؤلاء عن إبداعات الحضارة الإسلامية فى الفنون والآداب، سواء فى فنون العمارة والزخرفة، أو فى الموسيقى، وقد اهتم المسلمون بالموسيقى والنغم والإيقاع وازدهرت هذه الفنون خاصة فى العهد العباسى، حيث اخترع الفارابى آلة القانون وأشهر الموسيقيين إسحاق الموصلى، الأصفهانى وزرياب، اعتمدت هذه الموسيقى على القانون والكمان والعود وتسمى الموسيقى الأندلسية، وكذا فى علوم الفلسفة والطب والفلك وهناك تفصيلات واسعة فى هذا الخصوص.

نسى مثقفونا المعاصرون أنهم فى الوقت الذى لم يقدموا فيه إبداعات يتبناها الأوروبيون وإنما بقوا فى مقاعد التبعية المقيتة، حسبما أوضح الدكتور أحمد شلبى فى بحثه عن تأثير النواحى العلمية والفلسفية فى العالم الإسلامى على التفكير الأوروبى.

ونريد هنا أن نذكر أن أوروبا عندما أنشأت الجامعات استفادت استفادة كبيرة بالجامعات الإسلامية التى كانت قد سبقتها بعدة قرون، فقد أنشئ الأزهر فى القرن العاشر الميلادى ثم ابتدأت أوروبا فى إنشاء الجامعات فى القرن الثالث عشر أى بعد عصر النهضة الذى استفاد من علوم الشرق ونهضته.

وعندما نشأت الجامعات الغربية اقتبست الكثير من النظم الإسلامية التى كانت متبعة فى جامعات الشرق، كالزى الجامعى، ونقابة المعلمين، وحلقات التعليم، والأروقة والنظم الداخلية للطلاب، والأوقاف على التعليم، ونظام المعيدين.

ويقول الفريد جيوم، إن طبيعة الدراسة المنظمة والعلاقة بين الأستاذ وتلميذه، والهبات المالية التى عاشت عليها الجامعات، وشتى نواحى النشاط فى الحياة الجامعية، كانت بدون شك متشابهة فى الشرق والغرب.

الرجل وأعنى وزير الثقافة من داخل المجال ليس دخيلا كما يصورون، ربما لم يكن يوما من «الجوقة» التى تخدم على بعضها، كلنا يعلم ما كانت تفعله «الجوقة» داخل وزارة الثقافة وهيئاتها ومهرجاناتها كيف توزع الغنائم، كيف تهدى الجوائز وكلها داخل مربع العلمنة والتغريب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة