بيشوى رمزى

"رأس الحكمة".. نموذج "التنمية في زمن الأزمات"

الأحد، 25 فبراير 2024 01:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعد مشروع "رأس الحكمة" بمثابة خطوة جديدة، اتخذتها الدولة المصرية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، في لحظة تبدو حساسة للغاية، في ضوء ظروف عالمية غير مسبوقة، تحاصرها الأزمات، بينما يبقى الإقليم مشتعلا، جراء الحرب الدائرة في قطاع غزة، لتثير المخاوف حول مستقبل المنطقة بأسرها، خاصة مع التداعيات الكبيرة للعدوان الإسرائيلي، وتأثيراته على العديد من القطاعات الحيوية، وهو ما يعكس المرونة الكبيرة التي تتسم بها الجمهورية الجديدة، في التعاطي مع الأزمات المحيطة بها، وقدرتها على التعامل معها، ليس فقط عبر سياسات من شأنها حماية المواطن، من التأثيرات الكبيرة الناجمة عنها، وإنما أيضا من خلال مواصلة البناء، من أجل مستقبل أفضل، يعكس إيمانا قويا بالقدرة على تجاوز الأزمات المحيطة، سواء محليا، أو عبر قيادة الإقليم نحو العبور من حالة عدم الاستقرار نحو التنمية.
 
وإن كان مفهوم "الحماية" ارتبط بالأساس في تقديم الدعم اللازم للمواطن، خاصة من الفئات محدودة الدخل، لمساعدتهم على تجاوز الحالة اللحظية الناجمة عن الأزمات المحيطة، وهو ما بدا في حزمة القرارات التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي في الآونة الأخيرة، فإن "البناء"، يبدو مرتبطا بالمستقبل، عبر مواصلة العملية التنموية، من أجل حياة أفضل لملايين المصريين خلال السنوات المقبلة، بينما يبقى التزامن بينهما في ذاته بمثابة إرساءً لمفهوم ثالث يعتمد نهج "المقاومة"، وهو الأمر الذي تجلى في مواقف سابقة، ربما أبرزها خلال حقبة الوباء، والتي تمكنت خلالها الدولة من مواصلة مسيرتها، لتحقق أرقاما تنموية إيجابية، في الوقت الذي شهدت فيه معدلات النمو الاقتصادي معدلات سلبية في أعتى دول العالم وأكثر تقدما.
 
ولعل الحديث عن مشروع "رأس الحكمة"، والذي يمثل خطوة فارقة وعملاقة في مستقبل الاستثمار في مصر، وهو في واقع الأمر "لبنة" جديدة، على طريق "البناء"، لا ينبغي أن يقتصر على العوائد الكبيرة الناجمة عنها، أو مجرد كونها شهادة مهمة، حول قوة الاقتصاد المصري، وبالتالي يمكنها أن تفتح الباب أمام العديد من الاستثمارات الأخرى، وإنما يمتد إلى التوقيت، في ضوء العديد من الأزمات العالمية والإقليمية، بدءً من أوكرانيا، وما تركته من تداعيات كبيرة على قطاعات الطاقة، والغذاء، وحتى غزة، والتي باتت تمثل تهديدا صريحا بحرب إقليمية شاملة، بينما فاقمت الأزمات التي يواجهها العالم عبر التهديد الذي باتت تمثله على ممرات الملاحة، ناهيك عن أزمات أخرى، ربما توارت خلف الصراعات السياسية، أبرزها التغير المناخي، وتداعياته الكارثية على العالم.
 
توقيت انطلاقة "رأس الحكمة"، المتزامن مع حزمة من الأزمات العالمية، وفي القلب منها المستجدات الإقليمية، يمثل نموذجا لحالة يمكننا تسميتها بـ"الإصلاح الإقليمي" الجمعي، خاصة وأن المشروع هو ثمرة لشراكة بين مصر ودولة الإمارات العربية، وهو ما يعكس نجاعة النهج الذي اعتمدته الدولة المصرية، منذ ميلاد الجمهورية الجديدة، والقائم على فكرة العمل على تعزيز المصالح المشتركة، بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد الأخرى، ربما كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أحد أحدث حلقاتها، ناهيك عن العديد من المصالحات الإقليمية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في تعزيز الجبهة الإقليمية نوعا ما، بعد سنوات من الهشاشة، التي تجلت في أبهى صورها إبان العقد الماضي، جراء التفرغ لحالة من الصراع اللانهائي، أثمرت في نهاية المطاف عن دائرة مفرغة من الفوضى، دفعت العديد من الدول نحو السقوط في مستنقع الفوضى.
 
والشراكة بين مصر والإمارات، تمثل نقطة محورية في المشروع، خاصة وأنها تفتح المجال أمام شراكات أخرى، من شأنها تعزيز العلاقات والمصالح المشتركة بين القوى المؤثرة، وبالتالي تعضيد حالة المقاومة في مواجهة المحاولات التي تسعى إلى إثارة الخلافات البينية، أولا، ثم التحول نحو تحقيق توافقات حول القضايا الخلافية، من شأنها تبني مواقف متوازنة تجاه القضايا الإقليمية.
 
ومن جانب آخر، فإن تعزيز هذه الشراكات تمثل نموذجا ملهما، لما يمكننا تسميته بـ"التنمية في زمن الحروب"، والتي تعكس قدرة الإقليم على التعافي والمواجهة، بعيدا عن الاستسلام للمخططات التي تحاك له، دون حراك، خاصة وأن مثل هذه المشروعات تتسم بقدرتها الكبيرة على استيعاب المزيد من الشركاء، بينما يمكن كذلك استنساخها في دول أخرى، من أجل التحول نحو حالة تنموية إقليمية ممتدة، من شأنها تقديم "الحماية" للإقليم، بينما تساهم في عملية "البناء" للمستقبل، في حين أنها تعزز مفهوم "المقاومة" بحيث يمكنه مواجهة المستجدات الطارئة، سواء كانت كوارث أو أزمات، أو صراعات.
 
وهنا يمكننا القول بأن أهمية مشروع "رأس الحكمة"، تتجاوز في حقيقة الأمر مجرد كونه خطوة عملاقة في الداخل، وإنما يمثل خطوة على طريق التنمية الإقليمية، من شأنها تعزيز العلاقات بين القوى المؤثرة في المنطقة، في حين أنها تقوى حالة المقاومة لدى المنطقة على المستوى الجمعي في مواجهة الأزمات.
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة