حازم حسين

آمال الدولة وأحلام المعارضة.. نظرة لسباق الرئاسة كفرصة بناء لا لحظة صدام

الأربعاء، 27 سبتمبر 2023 03:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بانت معالم السباق الرئاسى فى مداه الزمنى، وصار معلومًا أننا على طريقٍ واضحة، تنتهى إلى فائزٍ بحلول 18 ديسمبر، أو 16 يناير على أقصى تقدير. الأهم الآن كيف تُدار العملية الانتخابية فى المستويين السياسى والشعبى، والوصفة المثالية التى تجعلها مُثمرةً لأقصى حدٍّ مُمكن؛ لصالح الأحزاب والحياة السياسية، كما لفائدة الدولة وتماسك عناصر قوّتها فى المرحلة المقبلة، بعدما مهَّد الحوار الوطنى بيئةً صالحة للشراكة والتوافق، وإرساء توازنات ديناميكية بين مكوّنات تحالف 30 يونيو، وفتح قنواتٍ كانت مُعطّلةً فى التواصل والتلاقح الفكرى وصياغة رؤى جامعة. ما يتعيَّن على «الدولة/ المُؤسّسات» يبدأ وينتهى عند إنجاز مُمارسة عادلة وشفّافة؛ ولعل ذلك مضمون بولاية الهيئة الوطنية ورجال القضاء على الانتخابات؛ لكن المطلوب من القوى السياسية لا يقل أهمية عن المُحدِّدات المُؤسَّسية، وأوّله أن تنظر للمرحلة من زاوية أنها فرصة لتعزيز النزعة الإصلاحية، وتعلية البناء الذى وُضِعت أساساته طوال الشهور الماضية؛ حتى لا تخرج الأحزاب من الموسم كما دخلته، أو تفقد رافعةً شعبيّة ودعائيةً صلبة، يُمكن أن تُؤسِّس مُستقبلاً أكثر عافيةً واستدامة فى وصولها للشارع، واشتباكها مع المجال العام.
 
فارقٌ كبير بين إدارة النزاع فى مُتّسعٍ من الوقت والعناوين؛ وأن يصير ذلك مرهونًا باستحقاقٍ جاد وبرنامجٍ زمنى معلوم. بحسب خطّة الهيئة؛ فإن الترشيح بين 5 و14 أكتوبر المقبل، والقائمة الأوّلية للمُتنافسين 16 أكتوبر، والنهائية وبدء الحملات 9 نوفمبر، والصمت الدعائى 29 نوفمبر بالخارج و8 ديسمبر بالداخل، والتصويت 3 أيام: تبدأ 1 ديسمبر بالخارج و10 من الشهر نفسه بالداخل، والنتيجة 18 ديسمبر، بينما تصويت الإعادة بالداخل والخارج فى أول أسابيع يناير، والنتيجة النهائية يوم 16. يتطلّب ذلك برنامجًا واضحًا لدى المُرشَّحين وقواعدهم التنظيمية والجماهيرية، وقدرةً على التنسيق وبناء التحالفات وتثبيتها سريعًا، وفاعليّة فى العمل على الأرض؛ لجمع نماذج التأييد وإنجاز مهام الاتّصال وأنشطة الدعاية والمُؤتمرات. وتأخذ الحالة طابعًا فنيًّا وحركيًّا تحكمه متانة الهياكل الحزبية، وكفاية القدرات اللوجستية، وتخفُت فيها فُرص المُزايدة أو التذرُّع بالتضييق والحصار، ما يعنى أن كل التيَّارات مدعوَّةٌ إلى شحذ طاقاتها، ووضع العملية فى سياقها التنافسى الطبيعى، بعيدًا من خطابات الكَيد والمُغالاة، أو الابتزاز وادّعاء المظلومية.
 
تقتضى الموضوعية والصراحة إقرارًا صافيًا بأن السباق كبير وصعب، ولعلَّه يفوق قدرات كثير من القوى السياسية وبعض راغبى الترشُّح. الدستور يصون حقَّ كل شخص فى أن يخوض غمار التجربة، وهيكلة الإشراف على المسارات الإجرائية مُلزمةٌ بالوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، وتأمين تكافؤ الفرص بين الجميع، على صعيد حرّية الحركة، وتجريد المعايير، وتكافؤ المزايا والأعباء؛ لكن على كل فصيلٍ أن يُجيد قراءة المشهد، وأن يكون واعيًا بنطاق انتشاره وشعبية خطابه وكوادره؛ حتى لا ينزلق إلى اختزال الحالة فى التلاسُن واختلاق الشجارات الصغيرة، أو يتورّط فى تقديرٍ مُبالغٍ فيه للذات من جانب الإمكانات والآمال والتوقُّعات. إنّه سباقٌ على مقعدٍ واحد، يُمكن أن ينجح آحاد أو عشرات الراغبين فى تأمين عتبة التزكيات المطلوبة، شعبيًّا أو برلمانيًّا، وزرع أسمائهم وصورهم فى ورقة الاقتراع؛ لكن لن يُغيِّر ذلك فى حصيلة النتيجة و«بطاقتها الوحيدة». كلّما زاد عدد المُترشِّحين زادت قائمة الخاسرين؛ هكذا يقضى المنطق، ويجب أن يُوطِّن المُتنافسون نفوسهم على أنها تجربةُ بناءٍ وتراكم، لا لحظة شقاق وصدامٍ ومُكاسرةٍ فى الأهداف والإرادات.
 
المُخطَّط الزمنى يُدير الوقت بحصافةٍ وإحكام. كان من مطالب الحوار الوطنى والقوى السياسية تمديد الإشراف القضائى على الانتخابات، والسقف الذى يُحدِّده الدستور ينتهى عند 17 يناير. صحيحٌ أن ذلك من المزايا والضمانات، ويُمكن نظريًّا القول بإمكانية تعميمها خارج المُهلة الدستورية المُحدَّدة بعشر سنوات، إذ تتحدّث «المادة 210» عن الإلزام المُؤقّت لا عن الإنهاء بحلول الموعد؛ إلا أن فى المدِّ ما يعوق ولاية هيئة الانتخابات بهياكلها وفريق عملها كما تقضى النصوص؛ لذا فالأسلم أن تُدار العملية بكاملها فى النطاق المسموح، لحين دراسة البُعد القانونى ومدى الحاجة لتعديل دستورى باستفاضة. أمام تلك الاعتبارات كان مطلوبًا تقسيم خمسة عشر أسبوعًا باقية على موعد انتهاء صيغة «قاضٍ لكل صندوق»، بما يسمح بعمليةٍ انتخابية مُريحة. اليوم تتبقَّى 10 أيام على فتح الباب، ومثلها للترشُّح، وقُرابة أربعة أسابيع للطعون والإجراءات والرموز، ونحو شهرٍ للدعاية، وشهر آخر لمرحلة الإعادة. هذا التسلسل يُوزِّع الفسحة الزمنية باعتدالٍ لا يضع ضغطًا على مرحلة لصالح مرحلة، ولا يُقوِّض فُرصة أى مُرشَّحٍ طَموح، وجاهز للمنافسة على المنصب الأرفع، فى تفعيل أدواته واستجلاء طاقته الكاملة. ثلاثةُ أسابيع كاملة لجمع عشرين تزكيةً برلمانية، أو خمسة وعشرين ألف تأييد شعبى، هذا امتحانٌ سهل لمن يُريد الرئاسة، والإخفاق فيه قد يكون دليلاً فى ذاته على عدم الصلاحية للمُنافسة، وكذلك الدعاية؛ فإن عجَز المُتقدِّم للحُكم عن شرح برنامجه وإقناع الناس فى شهرٍ كامل؛ فقد يكون أَولى به أن يُراجع حضوره كاملاً فى المشهد العام، ويُحاسب نفسَه ويشدّ عليها، لقاء السنوات الطويلة التى أضاعها دون التحضُّر لأمورٍ يُفترَض أنها فى صُلب أهداف السياسيِّين، وأبرز ما يُميّز الأحزاب عن غيرها من هياكل المجتمع المدنى.. انتخابات الرئاسة، وكل انتخابات بالضرورة، حصادٌ لجهد سنوات؛ وليست موسمًا لزراعة الأرض البُور.
 
الأحزاب الداعمة للدولة / الفلسفة ونظام الحُكم، حسمت أمرها وحصرته فى تأييد الرئيس السيسى، وبغضّ النظر عن الظهير البرلمانى الذى تُوفّره؛ فإنه يملك شعبيةً كافية لتأمين أضعاف كُتلة التأييد الشعبى المطلوبة، والمسألة سهلة أيضًا لبعض المرشحين، مثل: رئيس «الوفد» بهيئته البرلمانية وقاعدة عضويّات الحزب بالمحافظات، ورئيس «الشعب الجمهورى» ولديه نحو 50 مقعدًا فى مجلس النواب. أمّا بقيّة الذين أبدوا نيّتهم فى دخول السباق فأمامهم حساباتٌ عديدة مُتداخلة: أوَّلها البحث عن التوافق داخل تيَّاراتهم، ثمّ السعى لاستمالة النواب لأجل إكمال العشرين توقيعًا المطلوبة لبعضهم، أو جمعها من الصفر لآخرين، وأخيرًا اللجوء للشارع، مع صعوبات ذلك فى ظلّ ضعف القواعد وأمانات الأحزاب، وربما بسبب تنافسهم على خزَّانٍ واحدٍ من الجمهور؛ باعتبار أن أغلبهم من بيئةٍ أيديولوجية واحدة، أو يتشاركون ائتلافًا، قد لا تكفى ملاءته المحدودة لتلبية الطلب المُتعدِّد من بضعة مُرشَّحين.
 
قبل أيامٍ عقدت الحركة المدنية اجتماعًا تنسيقيًّا بين عدد من الكوادر ورؤساء الأحزاب. حتى الآن أعلن ثلاثةٌ عن خوض السباق، ولا يزال رابعهم يُفكِّر ويبحث قراره النهائى. بحسب المُتاح من كواليس اللقاء؛ فإن اثنين يُمثّلان حزبين رئيسيِّين بالائتلاف رفضا فكرة الانسحاب لصالح مُنافسٍ ثالث، وقيل إن أحد الساعين للمُنافسة أعلن قراره من طرفٍ واحد، دون تنسيقٍ أو تشاور، سعيًا لفرضِ واقعٍ على بقيَّة الأطراف. لو كانت تلك المواقف مبدئيّةً لا فى إطار المُناورة والتفاوض؛ فالأرجح أن يسعى الجميع لعبور عتبة الشروط بالتوازى، ربما تحت لافتة التحسُّب للمفاجآت، وعدم تفويت الفُرصة، وانتظار «صاحب الحظ الأوفر» لدعمه لاحقًا. قد يُفضى ذلك إلى إخفاقِ واحدٍ أو أكثر، ولو نجح الثلاثة، وما قد يُستجَد إلى جوارهم من أسماء، فرُبّما تقف الطموحات الحزبية حائلاً أمام احتماليّة التنسيق. 
 
الخُلاصة، أن فرص التوافق بين الواقفين على يسار الحُكم تبدو ضئيلة: اليوم بدفعٍ من السعى لإثبات الحضور والجدارة، وغدًا بأثر التشاحُن أو آمال الوجاهة الشخصية ومنفعة كل حزب. الانتخابات لأنها تعدُّدية تحتمل ذلك، وتُرحِّب به، ومن تمام انفتاحها وحيويَّتها تُحبّ أن يزيد عدد المُرشَّحين؛ إنما التحالفات الظرفية، التى نشأت تحت أسقف تكتيكية مُنخفضة، قد لا تصمد طويلاً، ويجب أن يعى أطرافها أن ذلك لأسبابٍ داخلية فى المقام الأول، ومن ثمَّ لن يكون من الذكاء أو الكياسة السياسية أن تُعاد صياغة النزاعات لاحقًا لاختصام المُنافسين، أو ادّعاء وقائع ومُثيرات من خارج التتابع الحقيقى للأحداث وتفاعلات المشهد داخل حديقة المُعارضة.
 
سيفوز شخصٌ واحد بالرئاسة؛ لكن الجميع فائزون بالمشاركة. الانتخابات ورشةٌ سياسية رفيعة، لا تكشف عن عُمق الفكر ورجاحة الخطاب وكفاءة الاتصال بالناس فقط؛ إنما تُرتّب بيئةً حيويّة وملعبًا مفتوحًا لفرز الكوادر، وتدريب القواعد وتعديل الأوزان. السباق الرئاسى اليوم قد يُثمر مكاسب مُستقبليّة فى الانتخابات التشريعية بعد أقل من سنتين، والبرلمان سينعكس على المحلّيات، والأخيرة ستتكفّل ببناء الركائز وترفيع القُدرة وصَقل الخبرات، فيما يُشبه حاضنةً تربوية ومُنتدى سياسيًّا، يُعيد تعبئة ذخيرة الأحزاب والقوى المدنية. مهما كان إيمانك الأيديولوجى واستقامة خطابك واتّساقه مع المُمارسات العمليّة، ومهما حملتَ من وعودٍ للجمهور وعبَّرت عن انحيازك الجذرى له؛ لا يمكن أن تبنى جسورًا بين مواقعك السياسية ومقاعد السلطة دون نقاطِ اتصالٍ قوية، وفعّالة فى التشبيك، وتلك مهمَّة الصفوف القاعدية التى ذبلت أو تبخَّرت فى أروقة الأحزاب، ولن يُعاد رصُّها وتقويتها إلّا بمزيدٍ من الورش والمُنتديات، المُمثَّلة بالدرجة الأولى فى معارك الانتخابات، وسباقات الشعبية والتصويت.
 
أهمُّ من كلِّ ما سبق، أن تصفو الغايات، وتُرسَم وسائل تحصيلها بدرجة الصفاء نفسها. المعنى بإيجازٍ وشفافية؛ أن انتخابات الرئاسة المُقبلة، كسوابقها من الاستحقاقات فى قمَّة هرم السُّلطة أو فى جناحها التشريعى، تجرى تحت سقف الميثاقية المُنضبطة بقيم «30 يونيو»، وتحالفها المدنى فى مُواجهة الرجعيّة الدينية الخشنة، ولا يصحّ أن تُتَّخذ أدوات الديمقراطية المُتمِّمة لفاعليّة الثورة منفذًا لتسريب الإخوان من شقوق المشهد مُجدّدًا، أو الاستقواء بهم على الدولة المُتضرِّرة من إرهابهم، أو ضد البيئة الاجتماعية والسياسية الرافضة لإعادة إدماجهم. يتردَّد أن أحد اجتماعات المُعارضة أُثيرت فيه مسألة دعم الجماعة لأحد المُرشَّحين، وردَّ بأنه غير مسؤولٍ عن مواقف من يُعلنون تأييده. ربما يبدو ذلك منطقيًّا لو جرى الأمر من دون طلبٍ؛ لا سيما أن عادة «تنظيم البنّا» مُحاولة حَشر نفسه فى كل عنوانٍ ومُناسبة وطنية؛ لكن ما جرى على التحديد أن السياسى المذكور اتَّصل بالجماعة مُباشرةً عبر أحد خُدَّأمها ومُرتزقتها، وجمعه به لقاء فى إحدى العواصم العربية. هكذا لا يكون الدعم إسفينًا لتطييره أو اتّخاذه تَكئةً لمُقاربة الأجواء بتدرُّجٍ ومُناورة؛ إنما هو أقرب لتحالفٍ مقصود. لا يجب أن ينزل السياسيِّون عن ثوابت البلد الذى يسعون للمُنافسة على قيادته؛ لأن فى ذلك انتهازيّةً حارقةً أمام الشارع والمُؤسَّسات، وخاصمةً من براءة الأيديولوجيا، ومن جدارة أيَّة تجارة بشعارات المدنية والاعتدال وأمانة القيام على المصالح الوطنية العُليا.
 
إن كان امتحان الانتخابات الرئاسية عسيرًا على البعض اليوم؛ فإن الاقتراب منه ومُذاكرة تحدّياته قد يكونان مدخلاً للإنجاز مُستقبلاً. وعلى الطامحين، من الأحزاب والأفراد، النظر للمسألة من ناحية الحاجة والالتزام وواجب العودة للمشهد، ونفض غُبار القطيعة والانزواء؛ مهما كانت الأسباب ورواسب الماضى. إن المجال العام يتنفّس هواءً جديدًا، وأبدت الدولة جدّيةً فى إعادة ترسيم الساحة بمفاعيل تواصليّة أكثر اتساعًا وشمولاً؛ ما يجعل المرحلة التالية للسباق أهمّ من النتيجة، ومن الاستحقاق نفسه.. كان مجلس أمناء الحوار الوطنى قد وعد باستكمال محاوره بعد الموسم الرئاسى، وبعض التطلُّعات تنحو لأن يكون «الحوار» حالةً مُستمرّة أو مُؤسَّسة دائمة، بما لا يتغوَّل بالطبع على سلطة التشريع أو المحلّيات المُرتقبة، وجوهر الفكرة أن تستثمر المُعارضة والموالاة معًا فى تخضير وإنضاج البيئة السياسية، والاستفادة من النوايا الطيبة والإجراءات المُبشّرة طوال المرحلة الماضية؛ لتعزيز مناخ التشابك الرضائى والتصارع السلمى برزانةٍ وموضوعيّة. لا يُمكن أن تهبَ الفعاليات الشعبية ذيوعًا لمن لم يجتهد فى بناء صورته وحضوره، ولا أن تأخذ التيّارات من ضمورها ومعاركها الصغيرة صعودًا إلى واجهة السلطة؛ كل ما يُمكن أن تمنحه للمُنخرطين فيها فُسحة الأمل وفرصة تجربة نفسها، واستكشاف قدراتها، من أجل تقويتها والبناء عليها والتجهُّز لمحطّات ومواعيد جديدة مع الطموح، ويجب ألّا تُهدِر الأحزاب ذلك؛ كما اعتادت طوال خمسة عقود.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة