اقرأ مع محمد حسين هيكل.. "شرق وغرب" حكايات فى أدب الرحلات فى العالم

الإثنين، 22 يونيو 2020 12:00 ص
اقرأ مع محمد حسين هيكل.. "شرق وغرب" حكايات فى أدب الرحلات فى العالم غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل قراءة مشروع الكاتب الكبير محمد حسين هيكل (1888 – 1956) الذى قدم عددا من الكتب المهمة أثرت فى الثقافة العربية والمصرية، ونتوقف اليوم مع كتاب "شرق وغرب"، يتميز أدب الرحلات عند الدكتور محمد حسين هيكل عن غيره من المهتمين بذات النوع من الأدب، أنه أدب يتجاوز مجرد كونه رصدا باردا للأماكن أو وصفا أجوفا للطبيعة، إذ ينصرف اهتمامه إلى الموقع السياسى والاجتماعى والثقافى للأمم. 
 
شرق وغرب
 

يقول الكتاب تحت عنوان "فى وطن شكسبير":

لست أقصد وطنه إنجلترا، وإنما أقصد وطنه فيها، أقصد مدينة سترانفورد القائمة على نهر إيفون إن صح أن يُسمى هذا البلد الصغير مدينة، وأقصد ما يحيط بها من طبيعة هى أول ما تفتحت عليه إنسانية الشاعر النابغة الخالد خلودًا لا سبيل إلى أن يجنى عليه الزمان، فقد زُرت هذه المدينة، أو هذا البلد، أثناء مقامى وزملائى الصحفيين بإنجلترا، وقد أقمنا به يومين كاملين تجولنا أثناءهما فيه وفيما حوله، وأُتيح لى أن أضرب أنا وزميلى الشاب الأستاذ عبد اللطيف صادق فيما يتصل به من أحراش وزرع وطبيعة نضرة، وفى هذه الجولات القصيرة استطعت أن أفهم من شكسبير أضعاف ما كنت أفهم منه من قبل، وأن أنفذ إلى روحه من خلال هذه الطبيعة التى خلعت على شعره وعلى عبقريته من إلهامها ما يُثير فى النفس النشوة التى تسحرها، أكثر مما تُثير فيها الإعجاب، والتى تُشيع فى جوانب الفؤاد من الطرب ما يبعث إلى الحياة بسمة النعمة فى أشد مواقف الحياة عبوسًا وبأسًا.
 
زرت سترانفورد فى أوائل أيام الخريف، فلم أكد أراها حتى وقفت دهشًا مأخوذًا، إذا كان هذا جمالها فى الخريف فما عسى يكون جمالها فى الربيع؟ وإذا كانت بسامة الخضرة فى أخريات سبتمبر مثل هذا الابتسام، فما عسى يكون زهرها وأريجه الفياح وألوانه البديعة فى شهر مايو، إذ يتنفس الشجر عن أوراقه الزاهية المزهرة بعد عبوس الشتاء القمطرير، لقد بلغ من أثر هذا الجمال فى نفسى أن توجهت إلى الله بصلاتى موليا وجهى شطر النافذة التى كشفت فى بكرة الصبح عن هذا السحر الرائع من خلق الله جاعلًا منها قبلتى، لأننى لم أعرف اتجاه البيت الحرام لأولى وجهى شطره، وذكرت، إذ وقفت للصلاة قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ، تعاليت ربى سبحانك، إن فى كل شىء لك أية تدل على عظمتك وعلى جلالك، وعلى أنك أبدعت من خلقك ما يوحى لمن وهبتهم أسباب النبوغ خير ما يخلد على الأجيال، ليكون للإنسانية غذاؤها النفسى الذى يعاونها على إدراك الحقيقة من أمر هذا الكون.
 
إذا كان هذا جمال سترانفورد فى الخريف، فماذا عسى يكون جمالها فى الربيع؟ لم أكن بحاجة إلى ما قصه لى أهل المنطقة لأتصور هذا الجمال وفتنته، فقد خلده شكسبير فى شعره حين حديثه عن شهر الجمال والحب، مايو، خلده فى أنغام لا تزال أصداؤها الشحية تتجاوب فى سمعى على طول العهد بينى وبين قراءة شكسبير، أنغام ساحرة تقفك عندها وتدعوك أن تستعيدها، وتبقى فى ذهنك زمنًا طويلًا بعد تلاوتك إياها، وهى تبقى أنغامًا أكثر منها كلامًا، وصورًا أكثر منها ألفاظًا، بل هى تبقى صورة كاملة لهذه الطبيعة البديعة التى أراها اليوم فى زينة الخريف، وقد كستها صورة الشاعر زخرف الربيع وبهاءه، وكأنما نفثت فيها من روحه الحياة التى يخلعها الربيع على الطبيعة فى أبهى ألوانها، فإذا هذه الحياة استحالت أنغامًا لا يجنى عليها الخريف، ولا يخفت صوتها الشتاء، بل تبقى ربيعية ضاحكة رغم تعاقب الفصول وما له فى الطبيعة من أثر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة