قرأت لك.. "الفاشية" نظام سياسى لـ كل شىء وعكسه

الخميس، 16 أبريل 2020 07:00 ص
قرأت لك..  "الفاشية" نظام سياسى لـ كل شىء وعكسه غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقرأ معا كتاب "الفاشية: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف كيفن باسمور، ترجمة رحاب صلاح الدين، ومراجعة ضياء ورَّاد، وصدر عن مؤسسة هنداوي،  والذي يؤكد بداية أنه ليس من السهل  وضع تعريف للفاشية، لأنها متناقضة، ويسأل الكتاب:  كيف يتأتى لنا استيعاب أيديولوجية ينجذب إليها مقاتلو الشوارع والمفكرون على حد سواء؟ أيديولوجية ذكورية بوضوح، لكنها مع ذلك تجذب كثيرًا من النساء؟ أيديولوجية تدعو إلى العودة إلى التراث، وفي الحين نفسه تفتنها التكنولوجيا؟ أيديولوجية تحرض على العنف باسم خلق مجتمع منظَّم؟

الفاشية

يكشف كيفن باسمور في الكتاب عن التناقضات التي تكتنف إحدى أهم الظواهر في عالمنا الحديث، مقتفيًا أثر أصولها في الأزمات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي شهدتها نهايات القرن التاسع عشر، والحركات والأنظمة الفاشية في إيطاليا وألمانيا، وما آل إليه مصير الحركات الفاشية «الفاشلة» في أوروبا الشرقية وإسبانيا والأمريكتين.

كما يبدي لنا مدى الأهمية التي مثلتها القومية العنصرية للفاشية، ويتحرى جاذبيتها في عيون الرجال والنساء، والعمال والرأسماليين، ويختتم الكتاب بنظرة على انبعاث اليمين المتطرف من جديد في أوروبا حديثًا.

استخدم موسوليني مصطلح «الفاشية» لأول مرة لوصف حركة سياسية جمعت بين التعصب القومي والعداء لكلٍّ من اليسارية والسياسة المحافظة عام ١٩١٩. وبعد ثلاث سنوات، تولى موسوليني مقاليد السلطة على رأس ائتلاف مدعوم من المحافظين، وفي عام ١٩٢٦ بدأ يؤسس ديكتاتورية واسعة النطاق. وبحلول هذا الوقت، باتت الفاشية محط إعجاب عدد كبير من الشخصيات السياسية والأدبية البارزة في بقاع كثيرة خارج إيطاليا، لم تكن كلها تنتمي للتيار اليميني. ثم ضربت النازية ضربتها إبان فترة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بدأت عام ١٩٢٩، وصعدت إلى السلطة في يناير عام ١٩٣٣. وفي الوقت الذي بدأ فيه موسوليني يؤسس مجتمعًا «شموليًّا»، شرع هتلر في بناء «يوتوبيا» عنصرية، وهو الحلم الذي استتبع إقصاء اليهود من ألمانيا والغزو العسكري لأوروبا الشرقية. في الوقت نفسه، ظهرت حركات فاشية كبيرة في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى وفي البرازيل أيضًا.

صار الصراع بين الفاشية ومعارضيها يهيمن أكثر فأكثر على المشهد السياسي؛ إذ فازت الجبهات الشعبية المناهضة للفاشية بالسلطة في فرنسا وإسبانيا. حتى في البلدان التي كانت الفاشية بين مواطنيها فيها ضعيفة — مثل السويد — طرحت الحكومات اليسارية سياسات مبتكرة لدعم الرفاه الاجتماعية وأسعار السلع الزراعية كي تدرأ تهديد الفاشية المحتمل. لكن سياسة التوسعية التي تبناها موسوليني وهتلر نشرت الصراع بين الفاشية ومعاداة الفاشية في ميدان العلاقات الدولية أيضًا، الأمر الذي فرض خروج حتى الاتحاد السوفييتي المنبوذ من عزلته الدبلوماسية. وبدءًا من عام ١٩٣٩، كان غزو النازيين جزءًا كبيرًا من أوروبا فرصة لتولي الفاشيين مناصب لفترة وجيزة في حكومات البلدان التي كانوا سيشغلون فيها موقع المعارضة لولا غزو النازيين، لا سيما في كرواتيا ورومانيا. لكن رغبة الفاشيين والنازيين الشرهة في الغزو أوجدت تحالفًا دوليًّا نجح في نهاية المطاف في سحق الفاشية، لكن على حساب الملايين من القتلى والجرحى والمشردين.

بعد عام ١٩٤٥، ما انفك إرث الفاشية يشكل المشهد السياسي؛ فقد استمد القادة السياسيون لدول الحلفاء الشرعية من دورهم في هزيمة الفاشية، في حين زعمت حكومتا إيطاليا وألمانيا انبثاقهما من الحركة المناهضة للفاشية. واتَّهم اليسار مناهضي الشيوعية المحافظين بأنهم فاشيون، في حين ساوى اليمين بين الشيوعية والفاشية. وبالنظر إلى أن الفاشية تحولت إلى مصطلح دارج للإساءة على اختلاف أشكالها، ليس من المستغرب أن من يحاكون الفاشية لم يتحولوا حتى يومنا هذا إلى حركات فاشية حقيقية من الناحية السياسية، بل حركات تحمل طابع الفاشية — لا سيما تبنيها للقومية وللعنصرية — حققت ما يشبه الطفرة خلال أواخر التسعينيات من القرن العشرين.

إن الفاشية، شأنها شأن الليبرالية والشيوعية والاشتراكية والديمقراطية، إحدى الأيديولوجيات السياسية المهمة التي شكَّلت القرن العشرين.

وربما يكون الاهتمام بتاريخ الفاشية وجرائمها في القرن الحادي والعشرين أكبر من أي وقت مضى. لكن كيف لنا أن نفهم أيديولوجية جذبت المتطرفين والمثقفين؟ أيديولوجية تندد بالبرجوازية وفي الوقت ذاته تشكِّل تحالفات مع المحافظين؟ أيديولوجية تتبنى نمطًا ذكوريًّا ومع ذلك تروق لعدد كبير من النساء؟ أيديولوجية تدعو للعودة إلى التقاليد وفي الوقت نفسه مفتونة بالتكنولوجيا؟ أيديولوجية تعظِّم من الشعب وفي الوقت عينه تحتقر الجماهير؟ أيديولوجية تدعو للعنف باسم النظام؟ إنها الفاشية! كما وصفها أورتيجا جاسيت: دائمًا "الشيء ونقيضه".










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة