بيشوى رمزى

"عالم ما بعد بريكست".. نهاية زمن "المنظمات الدولية"

الأحد، 02 فبراير 2020 11:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"عالم ما بعد بريكست".. عنوان جديد يمكننا أن نطلقه على المرحلة المقبلة، والتى تأتى فى مرحلة يرسى فيها النظام الدولى قواعد جديدة، لا تقتصر فى نطاقها على الجانب السياسى، وإنما تمتد إلى العديد من الأبعاد الأخرى، اقتصادية واجتماعية وغيرها، فى الوقت الذى تتغير فيه الخريطة الدولية لتصبح أكثر اتساعا لقيادات دولية عديدة، بحيث لا تقتصر على الولايات المتحدة، كما هو عليه الحال منذ نهاية الحرب الباردة، وبداية حقبة الهيمنة الأمريكية على العالم، بينما يصبح الدور الذى تلعبه المنظمات الدولية على المحك فى المستقبل القريب.

ولعل حالة الزخم التى تصاحب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، لا ترتبط بدخول "بريكست" حيز النفاذ، يوم 31 يناير الماضى، وإنما بدأت منذ الاستفتاء التاريخى، فى عام 2016، والذى وافق فيه البريطانيون على "الطلاق" من أوروبا الموحدة، حيث لاحقته تغييرات جذرية، بدءً من صعود التيارات الشعبوية إلى السلطة فى العديد من بلدان العالم، بالإضافة إلى عودة الإجراءات الحمائية إلى مشهد الاقتصاد الدولى بعدما قوضتها حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك تراجع دور المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية.

وهنا تبدو الحاجة الملحة إلى نظام جديد بأدوات جديدة، بعيدا عن تلك الأدوات التقليدية، والتى اعتمدها النظام العالمى، فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عبر الأمم المتحدة، والمنظمات الأخرى التابعة لها، وهو الأمر الذى أعرب عنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، صراحة، عندما قلل من أهمية تلك المؤسسات، فى تصريحاته، منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية الأمريكية، بينما يسعى إلى تهميشها فى العديد من القضايا الدولية، عبر فرض الرؤية الأمريكية، بعيدا عن قراراتها.

فلو نظرنا إلى الموقف الأمريكى الساعى إلى استبدال الاتفاق النووى الإيرانى باتفاق جديد، والذى يهدف فى الأساس إلى فرض مزيد من القيود على قدرات التسليح لدى طهران، نجد أنه يحمل فى طياته تهميشا صريحا للأمم المتحدة، وهو ما يبدو واضحا فى دعوته لتوسيع نطاق المشاركة فى الاتفاق الجديد، فى رفض صريح لصيغة (5+1)، والتى تعنى مشاركة الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى، بالإضافة إلى ألمانيا باعتبارها قائد الاتحاد الأوروبى، وهو ما يعكس رغبة أمريكية صريحة فى تجاوز زمن المنظمات الدولية، التى طالما اعتبرها العالم "مصدر الشرعية الدولية".

وعلى الرغم من أن مواقف المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، دائما ما كانت تخضع لرؤى القوى الدولية المهيمنة على العالم (الولايات المتحدة)، لتضفى صبغة شرعية على توجهاتها، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية آثرت مواجهتها وتقويضها، خاصة وأن صعود قوى أخرى لمزاحمتها على قمة النظام الدولى، ساهم فى تقوية شوكتها، وهو ما قد يؤدى فى المستقبل لخفوت دور واشنطن "المتراجع" لصالح منافسيها الصاعدين على الساحة الدولية، وهو ما يبدو على سبيل المثال فى مواقف روسيا والصين فى مجلس الأمن الدولى، وهى دول تتمتع بحق "الفيتو"، تجاه القرارات الأمريكية، فى العديد من الملفات.

يبدو أن "بريكست" لا يمثل فقط بداية انفراط عقد الاتحاد الأوروبى، وإنما تمتد تداعياته إلى كونه يفتح الباب إلى نهاية عصر "المنظمات الدولية"، أو بمعنى أكثر صراحة نهاية زمن الأمم المتحدة، والمنظمات التابعة لها، فى ظل انهيار قراراتها، من جانب، وتوارى دورها وتأثيرها من جانب آخر، بالإضافة إلى المساعى الدولية لتهميشها فى العديد من القضايا المحورية، من جانب ثالث، وهو ما يبدو واضحا فى المشهد الدولى، فى العديد من القضايا فى الآونة الأخيرة، ليجد العالم نفسه أمام مفهوم جديد لـ"الشرعية الدولية"، يقوم على مبدأ القوة، ولكن بصورة أكثر فجاجة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة