- 5 ملايين موظف مدنى فى شركات الجيش والمشروعات الكبرى تنفذها شركات خاصة.. والشركات تخضع للرقابة والاتجاه لطرحها فى البورصة تأكيد للإفصاح والشفافية
- عوائد المشروعات تنفق على التحديث.. والجيش المصرى يحتل مكانة متقدمة عالميا وإقليميا بموازنة أقل من جيوش تليه بمراحل فى الترتيب
- الجيش الأمريكى يستثمر 44 مليار دولار والصينى يمتلك 30 ألف شركة والتركى 60 شركة والإيطالى ينتج الدواء.. والتساؤلات تقف عن الجيش المصرى فقط
هناك قضايا يتم طرحها كل فترة، وتتجدد فى فترات متباعدة ومن هذه القضايا، دخول القوات المسلحة فى النشاط الاقتصادى، وهو موضوع يطرحه البعض بحسن نية وبهدف المعرفة، أو يطرحه آخرون بسوء نية وبنوع من التربص، وهى قضية حيوية، ومن المهم أن يتم مناقشتها علنا ومن دون حساسيات باعتبارها موضوعا يخص المصريين جميعا، فضلا عن أن القوات المسلحة تعمل فى العلن، ولا يوجد ما هو سرى فى نشاطها، وهناك نية لطرح هذه الشركات فى البورصة وهى خطوة مهمة فيما يتعلق بالإفصاح والشفافية.
مع الأخذ فى الاعتبار أن وجود منتجات من المصانع الحربية فى الحياة المدنية كانت أحد علامات الفخر المصرية فى وقت كانت مصر تتجه فيه نحو التصنيع، وكانت بوتاجازات المصانع الحربية والمراوح والثلاجات منتجات مطلوبة حتى السبعينيات، بل إنها كانت المصانع الحربية تحاول توفير سلع كانت قاصرة على الاستيراد من الخارج ولفئات معينة، وهناك بالطبع الجودة والمنافسة، حيث إن المستهلك لا يمكن أن يجبر على شراء سلعة أقل جودة أو أعلى سعرا، ونفس الأمر فيما يتعلق بالمشروعات الكبرى التى يتركز دور الهيئة الهندسية وجهاز الخدمة فى الإشراف عليها، بينما تنفذها شركات خاصة.
وفى الثمانينيات عندما شارك جهاز الخدمة الوطنية فى إنشاء كبارى معدنية الواحد خلال 30 يوما، أو قام بتوصيل كابلات الاتصالات الحديثة فى أنحاء مصر بسرعة وكفاءة، أو ظهرت أفران العيش الآلى التى ساهمت فى حل أزمة الخبز، وقتها لم يكن أحد يعترض بل كان هناك ترحيب بأنشطة القوات المسلحة التى تحل أزمات مرور أو شوارع وتوفر سلعا أرخص أو غيرها.
وعليه فلم يكن نشاط الإنتاج الحربى أو مساهمة القوات المسلحة فى الاقتصاد أمرا غريبا، لكن هذه التساؤلات أو التقارير أصبحت تظهر مؤخرا ويتم طرحها، سواء من منصات بالخارج تطرحها بنوع من الاستنكار والتربص، أو يطرحها البعض فى الداخل من باب المعرفة والبحث عن إجابات.
والواقع أن التساؤل عن هذا ظهر خلال افتتاح مصنع الغازات الطبية الأسبوع قبل الماضى، كانت الحديث عن شركة النصر للصناعات الوسيطة وكون المصنع يمد أكثر من 100 مستشفى و30 ألف أسطوانة من الأكسجين لهيئة الإسعاف. والثانى ينتج فوق أكسيد النيتروجين المطلوب لصناعة المنسوجات والورق والأدوية باحتياجاتها، حيث كان يتم استيراد 15 ألف طن من غاز فوق أوكسيد النيتروجين من الخارج.
وقال رئيس شركة النصر للكيماويات الوسيطة: إن الشركة تمتلك 4 مصانع لإنتاج الكلور، و4 مصانع لإنتاج المبديات والمخصبات الزراعية السائلة للتربة، و4 مصانع لإنتاج المبيدات الحشرية، 4 مصانع لإنتاج الغازات الطبية والصناعية، ومصنعين لإنتاج الشبة السائلة والصلبة، و12 مصنعا لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية المركبة لخدمة قطاع الزراعة بمصر، 4 مصانع لإنتاج حامض الكبرتيك المركز، ومصنع لإنتاج الفايبرجلاس، و 2 مصنع للغازات الطبية والصناعية رقم 3 لتغطية احتياجات القطاع الطبى، وإنتاج النيتروجين والأرجون اللازمين للأعمال الصناعية.
جدد افتتاح المصنع الحديث دور القوات المسلحة فى الاقتصاد، وخلال الفترات الأخيرة وكان أحد المثقفين ممن يحملون تقديرا للدولة يطرح أسئلة بمناسبة تقارير ودراسات فى مراكز أبحاث أجنبية عن توغل الجيش فى الاقتصاد والدخول فى أنشطة مختلفة تنافس القطاع الخاص وتمنع الاستثمارات الخاصة.
وأن القوات المسلحة تدخل فى مشروعات كبرى للطرق والكبارى والإسكان الخاص لنقل سكان العشوائيات، وقلت لمحدثى ان القطاع الخاص من الصعب ان يستثمر فى انشطة لاتعود بالربح المباشر والسريع، مثل مشروعات نقل العشوائيات والدولة هى التى تتصدى لهذه المشروعات، ونفس الأمر فيما يتعلق بالصناعات الوسيطة أو الصوبات أو غيرها والتى تمثل قواعد مهمة للإنتاج والاكتفاء الذاتى، وطرحت على محدثى سؤالا: ماذا كان يمكن أن يحدث لو لم تساهم القوات المسلحة فى إقامة 3 مراحل بمدينة الأسمرات على مساحة 185 فدانا تم تسكين المرحلتين الأولى والثانية، وجارٍ التسكين فى المرحلة الثالثة بإجمالى 18420 وحدة سكنية لكل المشروع، وبتكلفة حوالى 3 مليارات جنيه، بخلاف القيمة الفعلية لثمن الأرض وبتمويل من صندوق «تحيا مصر».
.jpg "p--(19)")
كانت العشوائيات تبدو نوعا من الواقع المفروض الذى يستحيل تغييره لكن تم تغيير ونقل سكان تل العقارب بالسيدة وتحويلها إلى منطقة حضارية، وفى غيط العنب فى الإسكندرية، ومن الصعب فى حال عدم تدخل الهيئة الهندسية وصندوق تحيا مصر أن يتم هذا خلال الفترة الحالية وفى الأنشطة لا يمكن تجاهل دور القوات المسلحة، مع الأخذ فى الاعتبار أن الشركات التى تعمل هى شركات مقاولات مدنية وعمال وفنيين ومهندسين مدنيين ودور الهيئة الهندسية هو التأكد من مطابقة المواصفات والجودة.
ومن المهم ونحن نتناول هذه القضية أن نفرق بين آراء يطرحها البعض بهدف المعرفة وبين آراء تصدر من جهات أو منصات معروفة بعدائها لمصر، لدرجة أن بعض المنصات يتم إطلاقها خصيصا لنشر هذه التقارير التى تصاغ بطريقة لا تخلو من تربص وتتضمن تلاعبا بالألفاظ، وهناك خلط بين كون الهيئة الهندسية تشرف على المشروعات والجودة والتسليم والتوقيت وأن كل أو أغلب هذه الشركات المقاولات هى شركات مدنية مصرية، وأن هذه المشروعات ما كان يمكن إنجازها فى هذه الفترة الزمنية خلال أربع سنوات فقط.
هناك تقارير لا تتحدث عن دور تقوم به القوات المسلحة ضمن أنشطة لا يمكن أن يعمل فيها القطاع الخاص، وبلا عوائد، ولكن هذه التقارير تتحدث مباشرة عن أن الجيش يسيطر على اقتصاد البلاد وأن أنشطته تمتد لقطاعات الإنشاءات والمواد الغذائية والطرق والجسور وتصنيع مكيفات الهواء وتوريد الأدوية أو أن «القوات المسلحة تسيطر على ما بين الـ50-60% من الاقتصاد المصرى، بينما أكثر التقارير الدولية مبالغة قدرت مساهمة الجيش بأقل من 3% من الاقتصاد، مع الأخذ فى الاعتبار أن عوائد اقتصادية لمشروعات الجيش تنفق على انشطة تحديث القوات، ثم إن النشاط الاقتصادى لا يؤثر على مستوى القوات، بل إن ترتيب الجيش المصرى يتقدم ليتحل الترتيب متقدم دوليا وأول أفريقيا وعربيا، بينما موازنته أقل من جيوش كثيرة تليه فى الترتيب.
ومن هنا فإن مزاعم «خنق الشركات الاقتصادية المدنية وتقليل فرص نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة»، مردود عليها أن أغلب العاملين فى المشروعات الكبرى شركات مدنية، ونفس الأمر فيما يتعلق بالقول إن هذه الشركات والأنشطة لا تخضع للرقابة أو تدفع ضرائب أو جمارك، حيث تم الرد على هذه الاتهامات أكثر من مرة سواء على لسان الرئيس أو الجهات الرقابية، بل إن الرئيس السيسى أعلن خلال افتتاح شركة الغازات الطبية أن هناك نية لطرح شركات القوات المسلحة فى البورصة، وهى نقلة مهمة فيما يتعلق بالإفصاح والشفافية، فضلا عن أنها سوف تجعل المصريين شركاء فى هذه الشركات ناهيك عما يتعلق بتفاصيل موازناتها وأسهمها، بل إن هذه الخطوة ربما تكون محاولة لاستعادة الشركات المساهمة المصرية التى انتهت صيغتها، فضلا عما تم فى إنهاء الكثير من الشركات العامة ضمن ارتباكات برامج الخصخصة.
والحقيقة أن مناقشة أنشطة القوات المسلحة الاقتصادية أمر مشروع للمصريين، وهذه الأنشطة علنية، ولا تتم فى السر وبعضها من الصعب على القطاع الخاص الاستثمار فيها، فهل يمكن للقطاع الخاص أن ينفق على إقامة الطرق التى تتجاوز آلاف الكيلومترات شهريا، وكيف يمكن أن يوفر القطاع الخاص تمويلا للإنفاق أو الصناعات الثقيلة، ولدينا تجربة مع القطاع العام الذى تعرض خلال عقود بسبب ارتباك أنظمة الخصخصة إلى تراجع بعض هذه الشركات والصناعات عن العمل.
وهناك أنواع من الصناعات الوسيطة تقوم عليها الصناعات الكيماوية أو غيرها خرجت الشركات من السوق خلال سنوات، ومنها أنشطة مثل الملح والصودا والكلور، ومنتجات أصبحنا نستوردها لكونها لم تكمن تغرى القطاع الخاص بالدخول فيها، وهنا تأتى أهمية أن يدخل جهاز الخدمة الوطنية فى مثل هذه الأنشطة لينتج قاعدة تقوم عليها مئات الصناعات المختلفة.
اللافت للنظر أن من يطرحون فكرة مساهمة القوات المسلحة فى الأنشطة الاقتصادية يتجاهلون أن اعتماد الجيش على نفسه فى إنتاج مستلزماته هى أمر ضمن استراتيجية أى جيش، فى العالم لا يمكن أن يعتمد الجيش فى الغذاء أو الملابس أو غيره على الاستيراد ليصبح رهينة للخارج أو الموردين.
ونعرف أن جهاز الخدمة الوطنية فى القوات المسلحة قام منذ الثمانينيات فى عهد تولى المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة لوزارة الدفاع، ونتذكر أن الجهاز نجح وقتها فى حل مشكلات كثيرة تعلق بالمرور والاتصالات، حيث أقام الجهاز عشرات الكبارى المعدنية فى القاهرة والجيزة ساهمت فى إنهاء حالة الاختناق، وكانت هذه الكبارى تتم فى 30 يوما فقط، وكان التوقيت مهما حتى لا تغلق الطرقات.
ونفس الأمر عندما كانت مصر تواجه أزمات فى الخبز وأنشأ جهاز الخدمة الوطنية أفرانا تنتج عشرات الآلاف من الأرغفة لم تكن الأفران تنافس الأفران الموجودة، والخبز لم يكن كافيا ولا بجودة عالية ونجحت أفران القوات المسلحة فى حل الأزمة بشكل كبير.
فى الواقع أن النشاط الاقتصادى فى إنتاج احتياجات القوات المسلحة من الخبز واللحوم والدواجن أمر مهم فى الاكتفاء الذاتى، ومع نجاح التجربة كان التفكير فى أن يساهم بالفائض للسوق، ليقلل من أزمات السوق ويضبط العرض والطلب ،وإذا جئنا إلى نسبة نشاط القوات المسلحة الاقتصادى أقل من 3% حسب التقارير الدولية، وليست نصف النشاط الاقتصادى كما تزعم تقارير مغسولة، ثم إن الحديث عن تجارب الأنشطة الاقتصادية للجيوش فى الاقتصاد أصبح مكررا، لكون المؤسسات العسكرية تقوم بأنشطة اقتصادية عبر العالم والجيش الأمريكى، له استثمارات بـ44 مليار دولار فى مجال الإنشاءات وتشييد الطرق واستباق الكوارث، وتشييد عدد من السدود والجسور على طول أنهار الولايات المتحدة، واستثمر برنامج الإنشاءات المدنية للجيش الأمريكى، نحو 44 مليار دولار فى الفترة من 2006 وحتى 2013، فى مجال الصناعات لتغطية احتياجاته الخاصة، ويمتلك الجيش الصينى 30 ألف شركة فى جميع المجالات، منها إنتاح الأغذية والمواصلات والمعدات والزراعات، فضلا عن الإنتاج العسكرى والجيش الإيطالى، شارك فى تأمين الصناعات الدوائية والجيش الهندى، يمتلك متاجر التجزئة الأكبر والأكثر ربحية على مستوى الهند، هى متاجر «كانتين Canteen Stores Department»، ونفس الأمر بالنسبة للجيش التركى يسهم فى 60 شركة تعمل بكل المجالات.
وعليه فإن مناقشة أنشطة الجيش الاقتصادية مشروع للمصريين، وهناك الكثير من المعلومات متاحة بشكل كبير لكن تقارير متربصة تنتزع بعضها من السياق، أو تتعامل بتربص وتجاهل للردود ومن حق المواطنين أن يطلعوا على المعلومات بشكل شفاف، حتى نعرف ما يخصنا من مصادره بعيدا عن فبركة وتزييف.
