ناهد صلاح

مهرجان الداخلة السينمائي.. الرهان على الصحراء وأفريقيا

الإثنين، 10 يونيو 2024 04:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا يسعني سوى أن أقول: "سلام على الداخلة.. لؤلؤة الجنوب المغربي، سلام يتسع لجغرافيا أكبر من التقاء المحيط بالصحراء في جنوب المغرب، ويمتد لفلسطين التي تدفع الفاتورة وحدها، والسودان الذي يتكرر فيه الوجع والمعاناة، وأفريقيا على مدد الشوف والنظر والسينما.

في مهرجان الداخلة الدولي للفيلم شاهدت سينما تدعم الإنسانية وتتماهى مع بلاد على أهبة النيران، سينما تربي الأمل.. أسعدني الحظ أن أشارك في فعاليات المهرجان عبر ندواته ونقاشاته شديدة الثراء وأن أتسلم جائزة لجنة التحكيم للفيلم السوداني "وداعا جوليا" الذي حصل أيضا على جائزة أحسن ممثلة لبطلتيه: سيران رياك وإيمان يوسف، كما أسعدني الحظ بصحبة الفنانة والصديقة العزيزة الغالية سلوى محمد علي والكاتب الرائع دكتور مدحت العدل، وجمع غفير من السينمائيين المغاربة الأعزاء: مخرجون وكتاب وممثلون ومنتجون، فضلًا عن نخبة من السينمائيين الأفارقة والأوروبيين.

من زاويتي رأيت أنه ثمة ثلاثة علامات لافتة في الدورة الثانية عشرة لمهرجان الداخلة الدولي للفيلم في المغرب التي انتهت فعالياتها مساء يوم الجمعة الماضي، العلامة الأولى وتأتي في إطار تطوير المهرجان لأهدافه وتطلعاته، وتعد خطوة جديدة ونقطة قوة يدفع بها المهرجان لدعم السينما وهي إطلاق منصة دعم مشاريع الأفلام "الداخلة بروجكت" والتي تقدم المنح المادية والتكوينية لمشاريع سيناريوهات لأفلام طويلة قيد الإعداد، سواء كانت روائية أو وثائقية للسينمائيين المقيمين في المنطقة العربية أو الأفريقية أو الدياسبورا، تنافست عليها عشرة مشاريع أفلام من السنغال وكوت ديفوار وكندا والمغرب وتونس ومصر، بينما فازت بها المشاريع الثلاثة: المنحة الأولى وقيمتها 50000 درهم لمشروع ـ"ندت يالا"، "آخر ملكة والو" من السنغال لألمادا نداي، المنحة الثانية وقيمتها 30000 درهم: لمشروع "سوليما" من المغرب لكنزة تازي، المنحة الثالثة وقيمتها 20000 درهم: لمشروع "الرأس المقطوع" من المغرب لمحمد عالى الصغراوى، وهو ما قررته لجنة دولية مختصة مكونة من المخرجة المغربية فريدة بليزيد من المغرب، الكاتب والسيناريست المصري مدحت العدل، مندوب مهرجان واغادوغو أليكس موسى سواديغو من بوركينا فاسو، المخرج الستغالي موسى توري.

إنها خطوة ضرورية وملحة ترفع من شأن المهرجان الدؤوب في فتح أبواب جديدة تشرع على صناعة السينما، وتدعم السينمائيين خصوصًا  في عالمنا العربي وكذلك الإفريقي المُصاب بإحباطات وانهيارات وانكسارات وأزمات عدة، كذلك فإنها تصير متنفسًا لسينما تبحث عن نافذة  للإطلالة، بما يقلل من مساحات الانغلاق والانعزال والتقوقع ويؤثر إيجابًا في تحقيق أفلامًا قد يصبح لها حضور عميق ومؤثر.

العلامة الثانية الساطعة هي الانفتاح على السينما الإفريقية في هذه الدورة التي رفعت شعار "الداخلة بوابة أفريقيا"، مؤكدة على إكتراث المهرجان المعهود بهويته الإفريقية، وعلى أساسه خطط لبرنامج ثقافي وسينمائي ضخم باذخ، إعتمد على ما تنتجه وتبدعه القارة من أفلام تعكس حيويتها وأصالتها، سواء في شقها جنوب الصحراء، وفي شقها العربي، ومنفتحة في ذات الوقت على باقي الدول العربية وباقي دول العالم، حسبما صرح زين العابدين شرف الدين رئيس المهرجان، وهو ما بدا جليًا في برمجة الأفلام ويُفسر الحماسة للسينما الإفريقية: أفلامًا وسينمائيين ونجومًا، الحماسة هنا مفهومة وترسخ لأهداف المهرجان الذي تنظمه جمعية التنشيط الثقافي والفني بالأقاليم الجنوبية، سنويًا منذ نحو 16 سنة، باستثناء التوقف الإجباري في فترة كوفيد، وتصبو ليكون وجهة ثقافية منفتحة على القارة الأم وكذا الشرق الأوسط والسينما العالمية، كحدث فني وثقافي متاح يلتقي فيه أهل الداخلة بصناع السينما المغاربة والأفارقة ومن العالم ككل.

العلامة الثالثة وهي في نظري الأقوى والأكثر تأثيرًا تتعلق بخلق جيل جديد من السينمائيين في الصحراء المغربية، حيث واصل تنظيمه لقاءات فنية وورشات تكوينية لفائدة الشباب من أبناء الأقاليم الجنوبية في المغرب وليس لأبناء الداخلة فقط، ومن خلالها يتم التواصل مع أجيال جديدة تتطلع إلى السينما بشغف، فضلًا عن إكتشاف الكوادر المستقبلية التي يمكن أن تسهم في الصناعة، وهو أمر أشبه بإخراج الكنوز من جغرافيا عريقة، ولعل المهرجان كرس لهذه الخطوة منذ انطلاقه الأول في العام 2008 ، ربما كان حينذاك الأمر صعبًا ، فالصحراء عمومًا معروفة باهتمامها بالشعر والحكي والموسيقى والطرب، أما الصورة والصنيع البصري فكان وجوده نادرًا، لكن الأمر أصبح مختلفًا الآن بوجود المهرجان وظهر جيل يهتم بالسينما ويصنع أفلامًا تعبر عن بيئته خصوصًا الوثائقية التي تتوغل في تضاريس المكان وطباعه المحلية والثقافية، وفي هذا الإطار قام المهرجان بتكريم أربعة فنانات من الأقاليم الجنوبية للمملكة تقديرًا لعطاءاتهن ولأعمالهن التي قدموها سواء على خشبة المسرح أو على شاشات التلفزيون والسينما: فاطمة الغالية الشرادي، ميالة بوعمود، علية طوير، فضيلة الهامل.
إذًا. يحاول المهرجان تفعيل دوره بدأب ومثابرة دورة بعد الأخرى ويسعى إلى استقطاب أكبر عددٍ ممكن من أبناء المنطقة، وتحويل المنطقة إلى حيّز أكثر إنفتاحًا، وهذا أمر ضروري ويجعله نموذجًا فاعلًا دائمًا، يُشهَد له ويستدعي مزيدًا من المتابعة والتنبّه للجغرافيا والتاريخ، وأيضًا للمزيد من النقاش النقدي والتنقيب الثقافي في أحوال المنطقة، في اجتماعيًا واقتصاديًا وحتى سياحيًا، بحيث يصبح المهرجان صورة تعكس أحوال المكان وتقدم قراءة  في مساراته المتنوعة، وهو ما يعينه على المواصلة والاستمرار والتفاعل والتأثير الإيجابي، وما نأمله له دومًا.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة