سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 أبريل 1938.. مولد الشاعر عبدالرحمن الأبنودى فى أيام «الحسومات» وأبوه يقول لأمه: «لا تتعلقى به.. دعيه يموت بهدوء وشدى حيلك وهاتى غيره»

الخميس، 11 أبريل 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 أبريل 1938.. مولد الشاعر عبدالرحمن الأبنودى فى أيام «الحسومات» وأبوه يقول لأمه: «لا تتعلقى به.. دعيه يموت بهدوء وشدى حيلك وهاتى غيره» الشاعر عبدالرحمن الأبنودى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما إن خطت فاطنة قنديل لتعبر عتبة البيت، قدم خارجة وقدم داخلة حتى انزلق منها وليدها «عبدالرحمن»، فزغردت النسوة وهلل الرجال وانصرفوا متعجبين، حسبما يصف الشاعر عبدالرحمن الأبنودى مشهد ولادته فى سيرته «أيامى الحلوة»، مضيفا: «هكذا جئت إلى الدنيا، قدم داخل الدار مستعدة للعيش مائة سنة، وقدم أخرى على الطريق مستعدة للفرار من هذه الحياة قبل أن ينتبه إلى ذلك أحد».


ولد عبدالرحمن الأبنودى فى قرية أبنود بمحافظة قنا، جنوب مصر، فى صعيدها الأعلى، ويتعجب من عدم قدرة الأيام على قتله على الرغم من كل التسهيلات التى قدمها لها أهله، وعن هذه التسهيلات، يذكر: «حين أتخيل تلك العلاجات وطقوس المداواة، أكاد أموت رعبا، وإذا ما كان لك عدو تحاول التخلص منه، فلن تزيد على أن تكبس فمه أو عينيه بما انكبس فى أجوافنا وعيوننا طوال أيام وليالى طفولتنا الطويلة الجميلة، أو تمارس عليه وبه طقوس العلاج التى أعجب أننا ما زلنا بعدها أحياء».


يؤكد: «كنت ضعيفا نحيفا وعليلا مزمنا، ضئيل البدن، أصفر الوجه، لدرجة أن أمى كانت- وأنا طفل لا أعى- تربط ركبتى المنحلتين بأشرطة من القماش تمسك الساقين اللتين تشبهان أعواد البوص كى لا تنفرطا».


هكذا كانت فاطنة قنديل تفعل ما عليها، وتقاتل من أجل أن تبقى وليدها على قيد الحياة، يحكى «عبدالرحمن»: «ولدتنى فى الحسومات، و«الحسومات » حسب التقويم القبطى الذى ما زال أهلنا هناك جميعا يتبعونه، أيام تسعة تأتى فى وقت معين من السنة القبطية، من يولد فيها من النادر أن يعيش، إنسانا كان أو حيوانا، وإذا عاش فإنه يعيش مثلى معلولا مكلولا محلولا سحلولا، إذا ما وقف سرعان ما يقعد مجبرا، وإذا مشى سرعان ما يسقط مرغما ».


حاول الأب الذى كان معلما للغة العربية أن يهيئ الأم لفقد الابن عملا بفأل «الحسومات» فقال لها: «دعيه يموت فى هدوء، لا تتعلقى به، اعتبرى أنك لم تنجبيه، شدى حيلك وهاتى غيره، ليس له عمر»، لكن قلب الأم لم ييأس، وحسب «عبدالرحمن »: «كانت تنتظر بزوغ الهلال الجديد بصبر فريد، لأنه يعنى أن عمر ابنها الميت زاد شهرا، تماما كما كانت ناعسة مع أيوب، وكما رحلت إيزيس خلف رجلها وطفلها، كانت تصعد بعد أن يتشرب الغروب اسمراره المعتق لتلمع نجوم السماء تحت عيون الرب فتضىء جسدها الذى يصعد منه الدعاء، تكشف رأسها تناجى وتدعو وتتوسل وتعاتب كى يستجيب الرب، ناهيك عن تجميعها النسوة حول جسدى الميت البالى وإشعال البخور، وكان الدعاء ينطق فى جماعية رهيبة مهيبة كما لاحظت بعد ذلك بسنوات:
يا عين يا عنية «يا من أعنيكى»/ يا خاينة يا ردية «يا رديئة»/ اطلعى من عبدالرحمن
واد فاطنة. من عشية/ بقول الله/ وعزايم الله القوية/ اخرجى/ زى ما خرج الميت من ع الحصير/ زى ما خرجت الشعرة من العجين/ زى ما خرج الصوف من الخروف/ زى ما خرج النجيل من الجروف/ بقول الله وعزايم الله القوية/ اخرجى ».


يعلق «الأبنودى »: «إن ما ناحت به فاطنة قنديل للرب فيض من الأدعية وأطنان من الطقوس مارستها بجنون، خاطبت الرب فى الصباح والمساء، خلعت ملابسها وتطهرت وخرجت إليه فى قلب الليل وعند استقبال الفجر تتوسل إليه أن أحيا وأن أعيش، وقد استجابت لها السماء وعشت».


عاش «عبدالرحمن » فى أبنود، عالم الطفولة الفقيرة شديد الخصوصية والخصوبة، صعب وقاس ومرير، غنى بأحواله مدقع فى أشيائه، فى المرعى عرفت لعب الطفولة الشاق المهلك الذى تتخرج منه رجلا بعد سويعات. إن لعبة مثل ضربونا يابونا ربما لا تزال آثار سياطها الليفية مرتسمة على ظهرى وضلوعى».
عمل راعيا للغنم، ويصفها: «يا تطلع منها نبى يا تطلع شاعر، لكثرة ما فيها من تأمل للطبيعة والناس »، يذكر: «فى المرعى ارتبطت بالطبيعة ارتباطا وثيقا لا فكاك منه لتدخل منه مفردات مكوناتها وما وهبته للإنسان فى عمق تلافيف معارفى وضميرى السرى، لم تعد هناك نبتة على وجه الأرض لم أعرفها، لست أنا المتميز، أو الذى كنت أتفرد بهذه الخاصية العبقرية، بل ربما كنت أخيبهم، لكن المعارف تنتقل هناك بالتلقين ممن يعرفون لمن لا يعرفون، الوعى إجبارى لأن عدم الوعى بما على ظهر الأرض من نبات- على سبيل المثال- قد يؤدى إلى كارثة».










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة