غادة جابر

يونيو في مِصر قدسية وتاريخ

الثلاثاء، 06 يونيو 2023 02:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحتفل الكنيسة المصرية في الأول من يونيو بذكرى دخول المسيح ووالدته العذراء مريم، ويوسف النجار إلى أرض مصر، فمصر أول بلد خطتها قدما السيد المسيح، فتعلم السير فى مصر، وأول ما أكل السيد المسيح من طعام، كان من مزروعات وأطعمة مصر، وأول ماء شربه السيد المسيح، كان ماء نهر النيل، فعند دخوله مصر كان محمولاً على ذراعي السيدة مريم العذراء، محتمياً بأرضها مع أمه ويوسف النجار.

يذكر الإنجيل أنه "ظهر ملاك الرب يوسف في حلم قائلاً: قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلي مصر. وكن هناك حتى أقول لك. فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وأنصرف إلى مصر" وأشار بعض المفسرين إلى تلك الرحلة المباركة في تفسيرهم لقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ".

ويعتبر أبو إسحاق الثعلبي من أبرز من روى قصة رحلة العائلة المقدسة، إلى مصر فى التراث الإسلامي، وذلك فى كتابه قصص الأنبياء المسمي بـ "عرائس المجالس"، ورواها أيضاً ابن كثير والطبرى وغيرهما، فخصص الثعلبي في كتابه باباً كاملاً عن قصة عيسي ابن مريم، عليه السلام، أسماه، باب في ذكر خروج عيسي ومريم عليهما السلام إلى مصر، فقيصر هردوس لما عرف، ملك بني إسرائيل خبر المسيح قصد قتله، فكان مولد عيسى عليه وعلى أمه السلام، بعد مضي اثنتين وأربعين سنة من ملك أغسطوس وإحدى وخمسين سنة من ملك الأشكانيين ملوك الطوائف، فكانت المملكة في ذلك الوقت لملوك الطوائف، وكانت الشام وضواحيها يرأسها القيصر ملك الروم.
 
ويكتب الثعلبي روايته قائلاً: إن الله سبحانه وتعالى بعث ملكاً إلى يوسف النجار، وأخبره بما أراد هيرودس، وأمره أن يهرب بالغلام وأمه إلى مصر، وأوحى الله سبحانه وتعالى كذلك إلى مريم أن ترحل إلى مصر، لأن هيرودس إن ظفر بابنها قتله، "فإذا مات هيرودس فارجعي إلى بلادك ، فاحتمل يوسف مريم وابنها على حمار له حتى ورد أرض مصر".
 
وروى الطبرى في تاريخه رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، ذاكراً أنها كانت هروباً من الملك الذى أراد أن يعلم مكان عيسى، فهربت به السيدة مريم ويوسف النجار، إلى أرض مصر، وذكر أن استقرت العذراء مريم هناك اثنتي عشرة سنة تكتمه عن الناس ولا تجعل أحداً يطلع عليه ولا يعرفه، الرحلة المباركة من فلسطين إلى رفح والعريش والفرما وتل بسطا والزقازيق ومسطرد (المحمة) وبلبيس وسمنود وبرلس وسخا ووادى النطرون والمطرية عين شمس والفسطاط ومنطقة المعادى ومدينة منف (ميت رهينة) إلى جنوب الصعيد عن طريق النيل إلى دير الجرنوس بالقرب من مغاغة والبهنسا وجبل الطير وبلدة الأشمونيين وقرية ديروط الشريف ومدينة القوصية قرية مير الي دير المحرق الشهير بدير العذراء مريم التي قضت فيه العائلة المقدسة أطول الفترات 6 شهور و10 أيام إلى جبل درنكه بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من جبل قسقام اتجهب جنوباً إلى أن وصلت إلى جبل أسيوط، حيث دير درنكة توجد به مغارة منحوتة في الجبل أقامت به العائلة المقدسة.
 
وكان دير درنكة آخر المحطات التي قد لجأت إليها العائلة المقدسة في رحلتها إلى مصر، رحلة عظيمة مباركة، تحمل الطهر والنجاة في أرض مصر، تحمل المثابرة والتحمل من العذراء مريم والنبي عيسى وكأنه كُتب على أهل الكتاب التعب والمشقة من أجل لذة الوصول لتحقيق الرسالة السامية، وتفيض الرحلة إجلالاً لوطننا، الذى بوركت أرضه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، من مشرقها لمغربها، بأقدام العائلة المقدسة، وكأن التاريخ والأديان تسطر بأحرف من نور، أن مصر بلد له قدسيته، ويحميها رب العالمين، دائماً وأبداً إلى يوم الدين "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" صدق الله العظيم.

واستمر يونيو في تقديم أحداث، لتغيير مجرى ومسار التاريخ، أردت أن أذكر الثامن عشر من شهر يونيو بالأخص، وما مدى ارتباطه بالتاريخ، وعن تاريخ مصر بالتحديد، من الأقدم فالأحدث، فكان هذا اليوم من عام 1805، تنصيب محمد علي باشا على حكم مصر، بعد تزكيته من رجال الدين، وبالأخص تزكية الشيخ عمر مكرم، لكنه ترك للتاريخ، تجربه تستحق أن تدرس، فهو لم يتحدث العربية، ولم يولد بمصر، لكن عمل على عزتها وبناء قوتها، وتطويرها اقتصادياً فهو منشئ اقتصاد القطن الذى ساهم لسنوات طويلة في جعل مصر محل اهتمام وثقل في العالم، وصاحب نظام الرى، الذى استمر حتى سنوات قليلة ماضية، والأهم أنه أول من زود الجيش، بأبناء الطبقات الفقيرة، من المصريين، بعد أن كان محرماً عليهم.

عمل محمد علي على التنمية وبناء المشروعات الضخمة، وخلق إمبراطورية بالمقاييس المصرية، أسس صناعة حديثة علي النهج الغربي ، وأنشأ نظام في إدارة الدولة ، توسع شرقاً وغرباً وزاحم الإمبراطورية العثمانية، وكاد أن يقضي عليها، ويبني خلافة مقرها مصر، لكن وقفت ضده جميع القوى العاليمة، تضامناً مع رجل أوروبا المريض " الدولة العثمانية"، إلى أن استقر محمد علي باشا على حكم مصر حتى وفاته عام 1849.

وفى 18 يونيو 1953 ألغى النظام الملكى في مصر بعد ثورة 23 يوليو، وأُعلنت أن مصر جمهورية، ما أنهى قرناً ونصف القرن من حكم من جاءوا بعد محمد علي باشا، وارتبطت روح القومية في المنطقة بمصر الناصرية، وظهرت أحلام الوحدة السياسية، هي السائدة في العالم العربي، ودعمها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وازدهرت فترة إعادة أمجاد الحضارة العربية.

وليطبع هذا اليوم من شهر يونيو فى ذاكرة التاريخ، المنصفة، كان في الثامن عشر من يونيو عام 1956 خروج آخر جندى بريطاني من قناة السويس، بعد صراع الأشرس من نوعه اندلع فور إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار تأميم شركة قناة السويس، فواجهت مصر سحب تمويل الولايات المتحدة للسد العالي، وتجميد الأموال المصرية في فرنسا وإنجلترا، وجمدت الولايات المتحدة أموال شركة القناة لديها، وشنت القوى الدولية العدوان الثلاثي علي مصر، وفي النهاية انتصرت مصر، وتمصرت شركة قناة السويس.

وفي يونيو الحديث عام 2014 في الثامن منه، نُصب الرئيس عبد  الفتاح السيسى، على حكم مصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013، ليأخذنا إلى جمهورية جديدة، فى البناء والتنمية للإنسان والمؤسسات، لدولة برمتها وعظمتها، أيضاً سُطرت بدايتها فى شهر يوينو، وكأن كُتب على يونيو أن يعيد الأمجاد للتاريخ، وأن يصاحب العظماء برحلات الأقوى والأمجد من نوعها، فخورة بمصريتى.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة