آسر أحمد

الفن وتسييس العقول وتخريب الثقافات.. ما الحل!؟

الإثنين، 24 أبريل 2023 06:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لطالما كان يمتلك الفن تأثيرا كبيرا، تصاعد تدريجيا حتى وصل ذروته خلال العقود الأخيرة من الألفية الثانية، حتى أن لبعض أنواع الفنون تأثيرا أكبر من الحروب على الأشخاص والمجتمعات والأذهان، لتترك هوسا كامنا يستطيع أن يغير من ملامح الشخصيات شيئا فشيئا، فبعض الفنون تترك الهام والآخر يترك آثارا سلبية، ليصبح الفن أداة ذات حدين، تتفاقم وتتناقض بحسب ما يقدمه الفن.

سرعان ما أدرك الكثيرون قوة تأثير الفنون على الأذهان، لذلك أصبح محط اهتمام الكيانات الضخمة في العالم، التي أدركت تأثير تلك الأداة على تسييس العقول وتغيير الثقافات تدريجيا بين الأجيال، لذلك لجأت إلى الاستثمار بقوة في إنتاج أعمال سينمائية تتعلق بقضايا معينة، لترويجها ومحاولة خلطها مع المجتمعات شيئا فشئياً لتصبح داخل إطار العقول مع الوقت والسنوات لتصبح واقعا مفروضا على الكثيرين، وأصبحت بعض أنواع الفنون تستخدم للتأثير سلبيا على بعض العقول وهو ما تسعي إليه الكثير من شركات الإنتاج العالمية وبعض المنصات الإلكترونية والتي على رأسهم المنصة المثيرة للجدل في إنتاج أعمال تتعمد فيها تزييف الحقائق.

المنصة الأمريكية التي تم إنشاؤها في أواخر الألفية الثانية أصبحت مثيرة للجدل خلال السنوات الأخيرة، فمن حين لآخر تثير المنصة الكثير من الأزمات بين الثقافات والتاريخ والأديان في الكثير من الأحيان، ولم تتواني المنصة عن ضرب ثوابت بعض القضايا لعرض الحائط والخروج مغردة بعيدة عن الصفوف لتنفيذ أجندات معينة لبعض الثقافات التي يعلمها معظم المشاهدين.

مع أهمية إدراكنا لأهمية الفنون وضرورة ترك أكبر مساحة ممكنة للإبداع، إلا أن تلك المنصة التي تنتج أعمال سينمائية ودرامية بمليارات الدولارات سنوياً لم تلتف إلى مشاعر الكثير من مشاهديها الذين ينتمون لثقافات معينة، ولعل جميعنا ندرك الاجندة الخاصة التي تنفذها تلك المنصة في بث سموم بعض القضايا الغريبة والمعقدة داخل العقول والتي على رأسها قضية "المثلية الجنسية" التي لم تتوان في إبرازها في جميع أعمالها السينمائية والدرامية وحتي في بعض الأعمال التي يشاهدها الأطفال، ومع زيادة "بجاحة" القائمين على المنصة في إبراز تلك القضايا بشكل كبير خلفوا وراء ظهورهم الثوابت، فهناك بعض الاعمال السينمائية التي تنتجها تلك المنصة تعتمد بشكل كبير على تسليط الضوء على العلاقات المثلية في اطار درامي ولم تلتفت الى ابراز العلاقات الطبيعية بين الجنسين، وهو ما يعد معاداة فجة لجميع الثقافات.

لم تكتف تلك المنصة في "حشر" قضاياها الغريبة في الأعمال السينمائية، ولكن سرعان ما أصبحت أداة لتزييف الحقائق والتاريخ، ولعل بعضنا يتذكر قضية عائلة مطرب الراب الأمريكي الراحل مايكل جاكسون في الفيلم الوثائقي الذى جاء بعنوان Leaving Neverland، الذي اتهم ملك البوب بالاعتداءات الجنسية على الأطفال، والتي ربحت فيها العائلة تعويضا ضخماً من المنصة، كما أن هناك مناوشات عديدة مع العائلة البريطانية المالكة والمنصة حول مسلسل The Crown الذى وصفته العائلة بأنه تزييف للكثير من الحقائق.

المنصة الأمريكية التي طالما ما أثارت الجدل حول معظم اعمالها، قررت بدء مرحلة جديدة من مشوارها في التزييف عن طريق إنتاج مسلسل جديد يسرد قصة حياة الملكية "كليوباترا" التي حكمت مصر لمدة 20 عاماً تقريباً انتهت قبل الميلاد بـ30 عاماً، حينما دخل الرومان البلاد، وكانت من أبرز الملكات التي تركت صدى كبيرا، لتقرر المنصة اظهار شخصية الملكة التي تنحدر من أصول يونانية بشخصية ممثلة صاحبة بشرة سمراء كون أن الملكة تنحدر من أصول أفريقية.

سرعان ما أطلقت صافرات الإنذار لمقاطعة المنصة التي أصبحت تروج للأكاذيب التي تخدم مصالح من يدفع اكثر، فتلك الواقعة انتقدها الكثيرين من جميع انحاء العالم وليس المصريين فقط، وربط الكثيرون تلك السلسلة التي تزيف حقائق عن الملكة المصرية صاحبة الأصول اليونانية بحركة "الأفروسنتريك" التي ترمز للمركزية الأفريقية، والتي تتمركز في أمريكا وأصبح لها انتشار واسع بين الجاليات الأفريقية في أوروبا، والتي يزعمون فيها أن أصحاب البشرة السمراء هم السكان الأصليون لمصر وأن المصريين حالياً ليس لهم علاقة بالتاريخ القديم، وتهدف الحركة للقضاء على الجنس الأبيض في أفريقيا.

أصبح بعض المنصات عبارة عن "مرتزقة" لمن يدفع أكثر لإنتاج الأعمال التي تخدم مصالحه، فهل من الأوضح أن تعدل المنصة صفحتها عبر الإنترنت وتضيف في ملف التعريف "منصة أمريكية لإنتاج أعمال سينمائية ودرامية لمن يدفع اكثر"، ولعلها تدرك أنه تدريجيا اصبح المشاهدين يمتلكون طاقة استيعابية أكبر للتفرقة بين التزييف والحقائق.

كل ما سبق هو فضح لمسألة بات الجميع يعلمها، وهو تورط المنصة الأمريكية في تنفيذ أجندات لتخريب الأمم والثقافات والأعراق والتاريخ والأديان، وعلينا ان ندرك أن الحلول لن تنحصر في مقاطعة المنصة في ظل توغل العولمة في ذلك القطاع، ولكن علينا بتطوير أساليب القضاء على تلك الآلة التي تسعي لنشر أفكار مغلوطة لتدمير الثقافات، ولعل جميعنا نعد طرف في الدفاع عن قضايانا المشتركة وثقافتنا وافكارنا التي نشأ غالبيتها منذ الألاف السنين، وعلينا ان ننشر ونسعي وننقل ونسرد تفاصيلنا الحقيقية التي تسعي المنصة طمسها عن طريق الكتابة وانشاء محتوي بشكل مختلف لفضح تلك الاعمال المسيسة، وانشاء منصات موازية تنقل الحقيقة وندع المشاهد يقرر ما هي الراوية الصحيحة من المزيفة، لان الحل في النهاية يكمن في المشاهد الذى طالما كان هو الحكم..










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة