محمد أحمد طنطاوى

الدواجن البرازيلى ودوافع أصحاب المصلحة

الإثنين، 27 فبراير 2023 09:38 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحملة الممنهجة التي أثارها البعض ضد استيراد الدواجن المجمدة ليست أكثر من حديث " المصلحة"، الذي بات مسيطراً طيلة 6 أشهر مضت، في ظل تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم العالمية، وما استتبع ذلك من صعوبات في توفير العملات الصعبة، حتى بات أصحاب الصوت العالي يتصدرون المشهد، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي واللجان الإلكترونية للترويج لأفكار ومعلومات تتنافى مع المنطق والعقل.

وفي ظل حالة يلتبس فيه الحق بالباطل، تضيع فيه حاجات الناس، ويتحول المجتمع إلى حالة من الضجيج الصاخب، التي تضر ولا تنفع، وتشوش على كل جهد تبذله الدولة في ملفات الأمن الغذائي واستقرار الأوضاع الاقتصادية، ولعل أبرز مثال على ذلك قضية الدواجن المستوردة التي ثارت الدنيا ولم تقعد ضدها، بعد هجوم محموم قاده أصحاب المصالح بحجة أن الأخيرة تدمر صناعة الدواجن الوطنية، وتستنزف العملة الصعبة، وتعطي منتجات ليست بالجودة المطلوبة.

لمن لا يعرف الدجاج المجمد يتم استيراده منذ عقود طويلة، وأغلب الكميات تأتي من البرازيل، باعتبارها أهم منشأ خالي من أمراض الدواجن، وتعتبر دولة رائدة في هذه الصناعة، لذلك ما يحدث الآن ليس بدعة أو حل جديد هبط فجأة من السماء للسيطرة على ارتفاع أسعار الدواجن، لكن قد تكون الكميات التي تم التعاقد عليها كبيرة نسبيا "100 ألف طن"، من أجل سد احتياجات السوق المصري، الذي شهد ارتفاعاً كبيرا في أسعار الدواجن خلال الفترة الماضية، لكن أصحاب المصالح وجدوا أن استيراد الدواجن من الخارج اختراع لم تعرفه مصر إلا في أيامنا هذه، مع مجموعة شائعات مغرضة من نوعية أن الفرخة المجمدة ثمنها 10 جنيهات  عند الاستيراد لدرجة أن البعض صدق هذا الطرح، مع العلم أنه يتم توفرها تقريباً بسعر التكلفة بعد احتساب النقل والشحن والتوريد.

إن كانت الدولة تستورد الفراخ المجمدة من البرازيل بالعملة الصعبة، فهي أيضاً تستورد الأعلاف اللازمة لتربية الدواجن في مصر بالعملة الصعبة، وهى بالمناسبة غالية الثمن ومكلفة جداً، مقارنة باستيراد الدجاج المجمد، لكن الميزة النسبية في الدواجن المجمدة أنه يتم توفيرها للمستهلك بأسعار أقل من الدواجن الحية، وتسهم بصورة مباشرة في زيادة المعروض وتخفيض الأسعار، خاصة مع قدوم شهر رمضان، وقد انعكس استيراد الفراخ المجمدة بصورة مباشرة على أسعار الدواجن، التي انخفضت نحو 15 جنيهاً تقريباً في أيام معدودة، ومن المنتظر أن تشهد المزيد من الانخفاضات خلال الفترة المقبلة.

لست ضد أن يكسب المستورد أو المربي، لكن ضد المكسب على حساب المستهلك، والإضرار بقانون العرض والطلب، خاصة أن السوق المصرية كبيرة وبها أذواق متنوعة، وعلى المواطن أن يختار السلعة التي تتناسب مع احتياجاته، لذلك يجب أن يستمر طرح الدواجن المجمدة واللحوم المجمدة، جنباً إلى جنب مع تلك الطازجة، من أجل السيطرة على وطأة الأسعار، وتوسيع قاعدة المعروض، خاصة أن ما تتحمله الدولة من أعباء واحد، لكن كفة المجمد ترجح، خاصة إذا تم توفير  منتج جيد بسعر أقل.

اتحاد منتجي الدواجن يهاجم استيراد الفراخ المجمدة انطلاقاً من مصالحه الخاصة، في حين لم يبذل أي جهد لتخفيض أسعارها في السوق، وصار كما نقول دائما " لا بيرحم ولا عاوز رحمة ربنا تنزل"، فيثير الشائعات هنا وهناك، ويروج لمعلومات مغلوطة، لينفرد وحده بالمستهلك المصري، ويرفع الأسعار دون متابعة أو رقابة، وهذا ما فطنت له الحكومة، التي دخلت لتصلح الميزان وتعيد المرونة للأسواق، لكن للأسف صار لدينا 100 مليون خبير في صناعة الدواجن، ومثلهم أطباء بيطريون وخبراء في التغذية، وانتقادات وتعليقات ومشاركات تملأ الفضاء الأزرق، أغلبها مضلل.

انخفاض أسعار الدواجن بنحو 15 إلى 20% على مدار يومين يؤكد أن تأثير الدواجن المجمدة بدأ يؤتى ثماره، وأيضاً يؤكد أن أصحاب مزارع الدواجن يتحكمون في حجم المعروض، ويرفعون الأسعار لتحقيق مكاسب على حساب المستهلك، خاصة أنهم خبراء في تصدير الأزمات للشارع المصري، اعتماداً على نظرية الصوت العالي، ويجيدون إغداق العطايا على المحاسيب والأعوان لتوصيل رسالتهم، ولن أنس أبداً الفيديوهات التي تم بثها لإعدام الكتاكيت الحية، قبل عدة أشهر، لتبرير الارتفاعات وتدمير صناعة الدواجن، حتى وإن كان نقص الأعلاف معروف ومعلوم في تلك الفترة.

ماذا يستهدف رواد السوشيال ميديا، الذين جعلوا من الفراخ وسيلة للتندر والكوميكسات خلال الفترة الماضية، هل يرغبون أن تقف الحكومة في مشهد المتفرج، وترى الأسعار تشتعل والمواطن عاجز عن تلبية احتياجاته الأساسية، أم تتدخل لإنقاذ الموقف وإطفاء نار الغلاء الذي طال الجميع، لذلك قبل أن ننجرف إلى مستنقع السوشيال ميديا يجب أن ندرك جميعاً أبعاد الموقف وأطرافه المختلفة، فالوقت الراهن يحتاج إلى تضافر جهود الجميع للنجاة بالوطن إلى بر الأمان، والقضية هنا أكبر بكثير من مصالح ضيقة أو رؤى فردية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة