وأكد دبلوماسيون، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم السبت، أن عرقلة قرارات مجلس الأمن (الذي تم تأسيسه منذ نحو 78 عامًا، كهيئة عهدت إليها الأمم المتحدة الاضطلاع بالمهمة الرئيسية في حفظ السلام والأمن الدوليين) فيما يخص وقف القتال ونزيف الدماء لإنقاذ المدنيين داخل قطاع غزة، تُفقد الثقة في قدرة الأسرة الدولية على حماية الشعوب في أوقات الحروب والصراعات.


وفي هذا الإطار، قال رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي، إن مجلس الأمن لم يعد يصلح لمهمته التي أُنشأ من أجلها وهي حفظ السلام والأمن بالعالم، إذ عجز تمامًا عن إصدار قرار بوقف حرب هي الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي انتهكت خلالها إسرائيل كل الأعراف والقوانين الدولية بل ووثقتها الكاميرات ويشاهدها العالم أجمع على الشاشات. 


واعتبر العرابي أن استمرار عرقلة قرارات دولية من شأنها وقف إطلاق النار والقتل والدمار في قطاع غزة، يُعطي إسرائيل الفرصة لمواصلة جرائم الحرب والعقاب الجماعي وإبادة المدنيين وتهجيرهم وخرق القوانين الدولية والإنسانية.

وأضاف العرابي أن أنطونيو جوتيريش استخدم كل نفوذه عبر تفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة للتنبيه بوقوع كارثة إنسانية في القطاع المحاصر، إلا أن مجلس الأمن الدولي لم يستطع تقديم شيء لإنقاذ الوضع على الأرض ومواجهة الخطر الشديد الذي يهدد بانهيار النظام الإنساني، وذلك بسبب "الفيتو الأمريكي".

ونبه وزير الخارجية الأسبق بأن الحرب الوحشية في قطاع غزة ومخطط تصفية القضية الفلسطينية ينذران باتساع الحرب ودخول أطراف أخرى لحلبة الصراع، مشيرا في هذا الصدد إلى تحذير الأمين العام للأمم المتحدة من تسجيل توسع حرب غزة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ومن أن ما يحدث بغزة مدمر على أمن المنطقة برمتها.

بدوره، أكد رئيس الجمعية المصرية للأمم المتحدة السفير عزت البحيري، أن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق الفيتو بمجلس الأمن لعرقلة إصدار قرار يوُقف الحرب على قطاع غزة، ليس موقفاً جديداً أو مستغرباً، بل يعد استمرارًا للدعم اللامحدود الذي تقدمه أمريكا لدولة الاحتلال ليس فقط بعد "عملية طوفان الأقصى" ولكن مند نحو أكثر من سبعة عقود أي مع بداية الصراع واحتلال إسرائيل للأراضي العربية.

وذكر بأن الولايات المتحدة سارعت بتأييد موقف إسرائيل من الحرب ضد حماس منذ اللحظة الأولى من "أحداث 7 أكتوبر"، إذ أرسلت أكبر وأحدث حاملة طائراتها "حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد" إلى مشارف قطاع غزة بالإضافة إلى غواصة نووية وحاملة طائرات في البحر الأحمر.

وتابع أن الولايات المتحدة أقامت أيضًا جسرًا جويًا يحمل أحدث الأسلحة والقنابل والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، فضلًا عن زيارات المسؤولين الأمريكيين لتل أبيب وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن شخصيًا، ووزير خارجيته ووزير دفاعه؛ لتقديم الدعم المعنوي والسياسي والاقتصادي والاستخباراتي، بجانب المشورة والتخطيط لجيش الاحتلال من قبل نخبة من القوات الأمريكية الخاصة في الحرب ضد غزة.

ورأى السفير عزت البحيري أن تلك الحرب كانت كاشفة لمواقف العديد من الدول لاسيما الغربية التي طالما نادت بالحرية واحترام حقوق الإنسان، في حين تركت المدنيين الأبرياء والأطفال يقتلون بأبشع الطرق داخل القطاع وعلى مرأى ومسمع العالم، دون إصدار قرار واحد عادل يُوقف إطلاق النار.

وحث رئيس الجمعية المصرية للأمم المتحدة، الشعب الأمريكي الحر، الذي سبق وتظاهر في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا لأهل قطاع غزة، على مطالبة البيت الأبيض بإجبار إسرائيل على وقف الحرب والتوجه نحو مفاوضات سلام تمهد لحل الدولتين، مشيرا إلى ضرورة ممارسة حكومات العالم الضغط على الإدارة الأمريكية للوفاء بالتزاماتها ووعودها بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

من ناحيته، أكد ممثل مصر السابق في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير الدكتور حسين حسونة، أن عدم قدرة مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوًا على تمرير قرار مهم بسبب استخدام حق النقض من قبل إحدى الدول الخمس دائمة العضوية، أمر اعتاد عليه العالم، ولم يعد يأمل أو ينتظر الكثير من اجتماعات هذا المجلس الدولي.

ورأى مساعد وزير الخارجية الأسبق أنه بالرغم من فشل اعتماد قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلا أن الشيء الإيجابي هو تصويت 13 دولة على وقف الحرب، ما يعني أن هناك أصواتًا عادلة داخل المجتمع الدولي لا تقبل القتل والدمار وخرق إسرائيل مواثيق حقوق الإنسان والقوانين الدولية والإنسانية.

وأثنى على استخدم أنطونيو جوتيريش للمرة الأولى المادة 99 من الميثاق التأسيسي للمنظمة الدولية، للتحذير من أن الحرب في غزة قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلام والأمن الدوليين، لافتًا إلى أن الاستناد لأقوى أداة على الإطلاق يمكن أن يستخدمها أي أمين عام للأمم المتحدة، لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن والسلم الدوليين يعد في حد ذاته بارقة أمل من المنظمة الأممية التي تضم مختلف دول العالم.

وحذر من أن حجم الخسائر في الأرواح داخل غزة خلال فترة وجيزة، بجانب الكوارث الإنسانية التي يشهدها القطاع يوميًا، مع انهيار المنظومة الصحية وحصار المدنيين وقتلهم والتهجير القسري وغيرها من الجرائم التي لم يشهد العالم مثيلًا لها من قبل، يهدد أمن واستقرار الشرق الأوسط برمته.

وذكر بأن جرائم إسرائيل التي تتضمن توقيع عقاب جماعي على شعب غزة الأعزل عبر الإبادة الجماعية ونقل السكان ومحاولات التهجير القسري، جميعها جرائم محرمة في اتفاقيات چنيف لعام 1949 والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ودعا السفير حسين حسونة، الدول العربية والإسلامية إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الوحيدة القادرة على وقف الحرب وردع إسرائيل؛ من أجل إنقاذ مسار السلام وتحقيق الاستقرار الإقليمي عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967. 

وقال إنه قد حان الوقت أن يتحمل مجلس الأمن الدولي مسئوليته وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وأن ينهي هذه المحنة الإنسانية للشعب الفلسطيني ويضع حد لأطول احتلال بالعالم، منبهًا بأن تلك هي أخطر أزمة سياسية وقانونية وإنسانية منذ عام 1948.

وأوضح أن الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس هي مرحلة فقط من تلك الأزمة الطويلة، التي تحتاج إلى تسوية شاملة ودائمة للقضية الفلسطينية وليس حلا مؤقتا لوضع قطاع غزة، مشددًا على ضرورة تسوية النزاع سلميًا وليس عن طريق القوة وفقًا للقانون الدولي ولما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة لتسوية النزاعات.

واختتم ممثل مصر السابق في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي بالتأكيد على أهمية التمسك بالقضية الفلسطينية برمتها استنادًا إلى قواعد القانون الدولي الثابتة والمستقرة وليس وفقًا للاعتبارات السياسية والمصالح الذاتية المتغيرة.

يذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، حث مجلس الأمن الدولي، على اتخاذ إجراءات لتجنب وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة، بعد تفعيله للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة لأول مرة منذ توليه منصبه..حيث تنص المادة، والتي نادراً ما تُستخدم، على أنه "يحق للأمين العام أن ينبّه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".