خصوصية السودان في أجندة الدبلوماسية المصرية.. الطبيعة الأهلية لأزمة الخرطوم دفعت إلى تقييد التدخلات الدولية.. القاهرة رحبت بالمبادرات البناءة انتصارا للسودانيين.. وسعت لتهيئة الأجواء للحوار للخروج بحلول داخلية

الإثنين، 25 ديسمبر 2023 03:30 م
خصوصية السودان في أجندة الدبلوماسية المصرية.. الطبيعة الأهلية لأزمة الخرطوم دفعت إلى تقييد التدخلات الدولية.. القاهرة رحبت بالمبادرات البناءة انتصارا للسودانيين.. وسعت لتهيئة الأجواء للحوار للخروج بحلول داخلية قمة جوار السودان - صورة أرشيفية
بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة، ومن ورائه القضية الفلسطينية، لحظة تبدو استثنائية، جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم وما تخلله من انتهاكات صريحة، تبدو الأوضاع في السودان ليست أفضل حالا مع التصاعد الكبير في الأزمة التي بلغت ذروتها في أبريل الماضي، عندما دخلت الأمور في نطاق الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما يترك تداعيات كبيرة على الشعب السوداني، والذي يعد الخاسر الأكبر جراء التصعيد الذي يشهده الداخل، في لحظة إقليمية استثنائية، شهدت قدرا من الاستقرار النسبي بعد عقد من الفوضى، جراء ما يسمى بـ"الربيع العربي".
 
ولعل الحفاظ على الاستقرار الذي تحقق على المستوى الإقليمي، يمثل أولوية قصوى للدولة المصرية، وهو ما بدا فيما حظت به القضية السودانية من خصوصية، باعتبارها تمثل جزءً لا يتجزأ من بقايا "الربيع" المزعوم، حيث سعت إلى توفير أجواء من الحوار بين أطراف الأزمة، بالإضافة إلى العمل الجاد والدؤوب على الحد من التدخل الخارجي، سواء في صورته الدولية أو الإقليمية، في نطاق الأزمة التي يشهدها السودان، وهو ما يعكس إدراكا صريحا بأهمية أن يأتي الحل للأزمة الحالية من الداخل، بعيدا عن سياسة الاستقطاب التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي، في الوقت الذي رحبت فيه بالجهود الصادقة دوليا وإقليميا للمساعدة في حل الأزمة.
 
والخصوصية التي حظت بها السودان، تعكس الاختلاف الكبير في التعامل المصري مع أزمته، مقارنة بأزمات أخرى، على غرار أزمة غزة، ربما بسبب اختلاف طبيعة كلا منهما، فالأولى تحمل طبيعة أهلية، نتيجة صراع على السلطة، بين أطراف سودانية، بينما الثانية تبقى دولية، تعود إلى عقود طويلة من الزمن، جراء احتلال غاشم لأرض عربية، تحت رعاية دولية، وبالتالي كان التعاطي المصري متواكبا مع الظروف الخاصة بكل قضية.
 
فلو نظرنا إلى ردود الفعل المصرية تجاه الأزمة السودانية، نجد أن ثمة اختلافات كبيرة إذا ما قورنت بالوضع في غزة، حيث استقبلت اللاجئون السودانيون الذين لاذوا بالفرار من أراضيهم جراء الحرب، بينما رفضت دعوات الاحتلال الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من غزة، بما تحمل الدعوة في طياتها من تداعيات كبيرة من شأنها تصفية القضية الفلسطينية وتقويض الدولة المنشودة، الأمر نفسه ينطبق على طبيعة الدعوات الدبلوماسية التي أطلقتها الدولة المصرية، ففي حالة غزة، دعت مصر إلى قمة دولية، ذات نطاق واسع، بينما كانت الدعوة في الحالة السودانية، لم تتجاوز "الإقليمية المحدودة"، في إطار قمة "جوار السودان"، والتي اقتصرت على الدول المتاخمة في حدودها مع الخرطوم.
 
ويتجسد الهدف الرئيسي في محدودية الدعوة المصرية في الحالة السودانية في تقييد الدور الخارجي في الأزمة السودانية، بحيث لا يتجاوز مجرد تقديم الدعم للدولة ومؤسساتها، مع تشجيع أطراف الأزمة على الحوار للوصول إلى حلول، دون أي مواقف تتسم بانحيازها لطرف دون الأخر، وهو ما يمثل إدراكا صريحا لدروس الماضي، في ظل ما ترتب على التداخل الدولي غير المحدود في الأزمات التي شهدتها دول المنطقة إبان العقد الماضي، من فوضى وضعت بعضها على حافة الهاوية، جراء الحروب الأهلية، وأصبحت على بعد خطوات معدودة من التقسيم، وهو الهدف الذى كانت تتطلع إليه العديد من القوى الدولية، فى إطار ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، بينما الأمر يبدو مختلفا في غزة، حيث تبقى الحاجة ملحة لتنويع الرعاية الدولية في ظل فشل الأحادية في التعامل مع القضية التي طال أمدها لعقود دون جدوى.
 
النهج المصري، في التعامل مع الأزمة السودانية، يمثل كيفية جديدة في إدارة الأزمات الإقليمية، تقوم في الأساس على التعاطي مع الصراعات ذات الطبيعة الأهلية، بقدر من الخصوصية، من منطلق احترام سيادة الدولة، بحيث تخرج الحلول "توافقية" بين مختلف الأطراف، مما يضفي عليها قدر كبير من الواقعية، وقابليتها للتحقق والقبول سواء من قبل المواطنين أو من أطراف الصراع، بينما تدير المواقف الدولية والإقليمية بحيث تضفي عليها صورة جديدة بعيدا عن الانحياز لأطراف بعينها على حساب الأخر، وهو ما يبدو في الترحيب المصري بالمبادرات الدولية البناءة، التي يمكنها المساهمة في تقديم حلول مجدية، بعيدا عن محاولات تأجيج الصراع، والتي كانت بمثابة النهج الدولي السائد في إدارة أزمات الإقليم في العقد الماضي، وذلك للانتصار للشعب السوداني.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة