حازم حسين

التاريخ لا يلتمس الأعذار.. خطيئة الضامن وأخطاء المتحاربين فى غزّة

الإثنين، 18 ديسمبر 2023 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مثل الذى يُصادق الحِملان ويأكل مع الذئاب؛ ما زال الرئيس الأمريكى جو بايدن ينحر بسكاكين إسرائيل ويبكى على جُثث «غزّة» وأطلالها، وحتى بعد شهرين من المذابح لم ينتفض ضميره انتفاضةً جادّة، ولم تُخمِد دموعُ عينيه ما تُشعله يداه من محارق. جمعَ راعى البقر العجوز كلَّ المُتناقضات فى أسبوعٍ واحد: أغلظَ فى انتقاد الاحتلال ثمّ جدَّد تحالفَه الوثيق معه، وأبدى أساه من الوحشية لكنه أرسل شحنةَ ذخيرةٍ ضخمة، ودعا الوسطاء لبحث جولةٍ جديدة من الهُدنة، وأتبعها بتأكيد أنه لن يُجبر تل أبيب على خياراتٍ بعينها. ليست العُقدة فى الحبل المشدود بين نتنياهو والسنوار فقط؛ إنّما فى ارتباك واشنطن وتخبُّطها على إيقاعاتٍ ثلاثة: التزامها تجاه الصهيونية، ومصالحها فى المنطقة، وميراثها الأخلاقى الذى خانته، وكلّما حاولت استدعاءه والتذكير به؛ لطَّخته بمزيدٍ من العار والدم.
 
يعرفُ الأطراف جميعًا ما يُريدونه جيدًا؛ لكنهم يجهلون الوصفةَ الناجعة لإنجاز الطبخة بمقاديرها الصحيحة: الدولة العبريّة غايتُها تصفية الوجود الفلسطينى؛ بإزاحتهم من الأرض أو دفنهم فيها، والإدارة الأمريكية تُثبِّت ربيبتَها وتبتغى تقليمَ أظافر المحور الشيعى وفصل جبهاته عن بعضها، أمَّا «حماس» فتنشغل أوّلاً بصورة النصر فى حدِّها المعنوى، وترسيخ وجودها فى القطاع، ثمّ أن تصير عنوانًا وحيدًا للقضية. وإلى جانب الجهل الجماعى بالأجندة الفعَّالة؛ فإنهم يصطدمون بمُعوِّقاتٍ مُتجذّرة فى طينة المشهد ويصعب اقتلاعُها: القاتلُ يخسر الردع والدعم والرأى العام العالمى، والقتيل اختار أن يكون جزءًا من الأزمة ولا تراه البيئةُ الدولية شريكًا فى الحلّ، بينما حفَّار القبور الأمريكى يقترب من الانتخابات الرئاسية، ويُغامرُ فى محاولته لضبط حرارة المنطقة بأن يُفجِّرها.. الثلاثةُ من مصلحتهم أن تهدأ الحرب؛ والثلاثة يُريدون لها أن تستمر.
 
فى استفاقةٍ مُتأخِّرةٍ للغاية، هاجم «بايدن» الإدارةَ القائمة فى تل أبيب. وقال إنها الحكومةُ الأكثر تطرُّفًا وترفض «حلَّ الدولتين» وعلى نتنياهو تغييرها، مُنتقدًا القصف العشوائى وقتل آلاف المدنيين، ومُحذِّرًا من فقدان الدعم الدولى وأن سلامة الشعب اليهودى باتت على المحك. لكنّ المُفارقة أنه قبلها بيومٍ واحد استضاف حفلاً لإضاءة شمعدان «عيد حانوكاه»، مُؤكِّدًا من جديدٍ أنه صهيونى ولو لم يكن يهوديًّا، ويستشعر الدفء تحت تلك الصفة، ولن يتخلَّى عن دعم إسرائيل حتى تتخلَّص من «حماس»، انطلاقًا من أنه التزامٌ لا يتزعزع تجاه الدولة الحليفة على شرط نقاوتها الدينية الخالصة. فى الظاهر كأنّنا نُعاين موقفين لشخصين، وفى الجوهر لا تناقُض إلّا بقدر طِيبة الذين يُحسنون النوايا فى واشنطن.
 
ليس من اللجج التاريخى أن نستعيد تأسيس الولايات المُتّحدة على جماجم السكّان الأصليِّين، ولا أنها سجَّلت جرائمَ قتلٍ على الهُويّة فى بيئاتٍ وتواريخ عدّة، وحتى «الإبادة العمياء» كانت صاحبةَ السبق الأشنع فيها بالقنبلتين الذرِّيتين فى اليابان. وما يحدث فى فلسطين أنهم يختلفون على إيقاع المقتلة، لا فى قبولها من عدمه، ويزحفون ببطءٍ نحو الشعارات الإنسانية؛ بقدر الحاجة لامتصاص الغضب وترميم الصورة، وحتى الحديث عن «الدولتين» مُجرَّد رياضةٍ ذهنيّة مُعلَّقة فى الفراغ؛ إذ تغيب الجدّية عن إثارتها للمسألة اليوم، وكانت وراء إفشالها أو تيسير التهرُّب منها على الأقل فى عشرات الجولات السابقة؛ وهكذا تبدو خصمًا صريحًا، لا ضامنًا أخلاقيًّا ولا وسيطًا نزيهًا.
 
يطيبُ للمتفائلين التوهُّم بأن خلافات واشنطن وتل أبيب خرجت للعلن. والقائلون بذلك يتجاوزون العقلَ والمنطق؛ بافتراض أن علاقة الطرفين تسمح بالاشتباك على مسرحٍ مفتوح للجمهور، وبتذاكر مجّانية؛ ناهيك عن خِفَّة القول بأن هناك خلافًا أصلاً، أو أنه لو وُجِد يُمكن أن يكون كافيًا لتقويض الروابط الوثيقة بين أمريكا وقاعدتها العسكرية المُتقدِّمة فى الشرق الأوسط. ربما كان موقف «أيزنهاور» إبان العدوان الثلاثى على مصر آخر تحرُّكٍ مكتوب بلغةٍ غير العبريّة. فحتَّى تلك اللحظة لم تكن إسرائيل أتمَّت الانتقال من لندن إلى واشنطن؛ لكنها استوعبت الدرس وأعادت بناء استراتيجيتها، واستوعبته الإدارات الأمريكية التالية أيضًا، ومنذ «حرب أكتوبر» ومأزقها الوجودى صارت العلاقةُ زواجًا كاثوليكيًّا على يد حاخامٍ يُرتِّل التلمود بالإنجليزية؛ حتى أنه يصعب أن تفصل عقل الأنجلوساكسونية البيضاء عن روح العبرانيّة «نقيَّة الدم». من يومها صارت القلنسوةُ قُبّعةً وشُعلةُ تمثال الحرية شمعدانًا، وآمنت المسيحية الصهيونية بالهيكل بأكثر ممَّا يُؤمن الصهاينة أنفسهم.
 
الجدلُ الدائر عن «اليوم التالى» لا يُلخِّص نزعةً أمريكيّة لكَبح حكومة نتنياهو؛ إنّما غايته أن يُنقذها من شيطانها. كانت أسباب الخلاف قائمةً بالفعل قبل «طوفان الأقصى»، انطلاقًا من ارتماء زعيم الليكود فى حضن الأحزاب التوراتية المُتطرّفة، واقتراحه تعديلات فى بِنية النظام القانونى تُهدِّد صيغةَ إسرائيل القائمة، وتتصادم مع ما تُحبّه واشنطن لطفلتها الصغيرة. ولم يستغرق الأمرُ أيّة مُهلةٍ للتفكير بعد هجمة غلاف غزّة؛ فذابت الخلافات، والتحق سياسيّو أمريكا وجنرالاتها ورئيسها بمجلس الحرب فى تل أبيب. وظلّ البيت الأبيض يتحدَّث لُغةً واحدة طوال أسابيع، وقبل أيام قليلة رفع ورقة «الفيتو» على عكس الإجماع العالمى؛ لإحباط مُطالبةٍ منطقيّة وعادلة بوَقف إطلاق النار لأسبابٍ إنسانية. يُمكن أن نتحدَّث عن تخبُّطٍ أو ارتباك، أو شيخوخةٍ تُشعّ من عقل بايدن؛ فتنعكسُ تجاعيدُها على قناع الخداع والمناورة الذى يتبادله أركان الحُكم، بحسب الظرف والبيئة ونوعيّة الجمهور فى ساحة العرض. وحالةُ السيولة السالفة ليست حِكرًا على «الحمير والأفيال» فى بلد جورج واشنطن، الذى حارب احتلالاً بريطانيًّا لبلاده، وينصر ورثتُه اليومَ احتلالاً أكثر قسوةً وإجرامًا فى فلسطين.
 
مشهدُ عيد حانوكاه فى البيت الأبيض كان تكرارًا لما جرى فى الإليزيه. جمع «ماكرون» طيفًا من الحاخامات فى قلعة الجمهورية التى تزهو بعلمانيّتها، ولطَّخ القصر باحتفالٍ دينى بعد نحو 120 سنة من الحياد بقانونٍ صارم، وفى وقتٍ تُغلَق أبوابُ المدارس أمام تلميذةٍ ترتدى عباءةً أو تضع صليبًا. برَّر فريقه القفزةَ الرجعيّة بأنه كان يتسلَّم جائزة جاكوبوفيتس من مجلس الحاخامات الأُوروبيين.
 
بالطبع لا معنى للحدث فى بلدٍ يُخاصم الرموز الدينية؛ إلّا أنه انحيازٌ صارخ لجانبٍ من المشهد؛ لا سيّما مع احتضانه لأكبر جاليتين، مُسلمة ويهودية، فى القارة العجوز، وأن الأسابيع الماضية شهدت استقطابًا وتظاهراتٍ حاشدةً للفريقين.
 
ولا يبتعدُ ذلك من جُملة رسائل مُتضاربةٍ للرئيس الفرنسى: دعمَ إسرائيلَ علنًا، ووَصَم «حماس» بالإرهاب مُقترحًا تشكيل تحالفٍ لمُحاربتها، أو توسعة تحالف داعش لهذا الغرض، ورفض إنهاء الحرب، ثمّ دعا لهُدنةٍ إنسانية، ثم طالبَ بوقف النار، وعاد لإدانة الفصائل، وصوَّت لصالح القرار الأخير فى مجلس الأمن، واحتفل مع اليهود. والفوضى نفسها فى بريطانيا، وقد ارتدت الخوذةَ وأرسلت قِطعًا بحريَّة وطائراتٍ لمُراقبة غزّة؛ لكنها أقالت وزيرة داخليّتها عندما اتَّهمت الشرطة بمحاباة تظاهرات دَعم فلسطين، ثمّ طالبت بالتهدئة، وامتنعت عن التصويت لصالحها ولو لإبراء الذمَّة، وكان مُعلَنًا أن واشنطن سترفع الفيتو فى وجوه الجميع. ولا يغيب التضاربُ نفسه بصورٍ مُتفاوتة عن ألمانيا وإيطاليا وبروكسل ومن يُمثِّلون مرافق الأُمم المتحدة، بدءا بحديث أورسولا فون دير لاين عن وقف المُساعدات المُوجَّهة للفلسطينيين، وإلى دموع جوزيب بوريل الخالية من الملح وحرارة التأسِّى الصادق.
 
لم يعد الرهانُ على ضمير الغرب مُجدِيًا؛ لكنّ المشكلة أنّ أطراف الصراع المُباشرين منحوا ضمائرهم إجازةً مفتوحةً ويدفنون رُؤسهم فى أنفاق غزّة أو أوحالها. تختلف إسرائيل وحماس فى كلِّ شىءٍ تقريبًا؛ لكنهما تتّفقان على خنق مُنظّمة التحرير ودَفن «حلّ الدولتين». وحتى مع إعادة فَتح ملفّ التهدئة لا يتجاوز الأمرُ نطاقَ تقطيع الوقت؛ فالاحتلال يُريد تبريدَ الجبهة الداخلية باستعادة دفعةٍ جديدة من الأسرى، وفى الوقت نفسه سيستغل المُهلة فى تعبئة الموارد وإزهاق موجة الانتقاد المُتصاعدة عالميًّا. أمَّا قادة «حماس» فإنهم يُراهنون على انقلابٍ داخل تل أبيب، أو إضعاف معنويّات الجنود إلى أن يقتنع الإسرائيليون بالهزيمة ولو سحقوا الحركة، وهى تعلمُ أنّ شرطَ النصر يكفيه ألَّا تسقط رايتُها، وأن يبقى غَزِّى واحدٌ يُردِّد شعارَها. سيناريو نتنياهو يُغذّيه الجنون، واستقواء الفصائل تُحرّكه الأنانيّةُ وحسابات القادة والجبهات، والمُؤسِف أن سرديَّة الثانى عن الصمود مهما تراكمت الجُثث، تخدمُ لوثةَ الأوّل وتُحفّز ذهابَه فى الإبادة حتى العَظْم.
 
يُجاهر نتنياهو بأنَّ اتفاق أوسلو كان كارثةً لا تقلّ عن 7 أكتوبر. ومن وراء ذلك يقول إنّ السلطة لا تختلف عن «حماس» إلّا فى إيقاع عملها على هدف إفناء إسرائيل، ثمّ يُهدِّد بمحاربتها وتغيير الوضع القائم فى الضفّة الغربية. غاب «عرفات» جسدًا ومعنى، وذهب «العُمَّال» ولا يُنتظَر أن يعودوا قريبًا، وهم رغم دمويَّتهم كانوا الحمائم فى الدولة العبريّة؛ وهكذا صارت المُنظَّمة ورام الله وفتح والسلطة أيتامًا على موائد اللئام: مَنْ يسعى إلى تفكيكها لتنتهى آخر شرعيّة دوليّة للقضية، ومن يسعى إلى خلافتها ولو على جبلٍ من الركام، ومَن يُموّلون المخابيل فى الجانبين، سواء رفضوا «حلّ الدولتين» عَلنًا أو أضمروا الرفض فى دواخلهم.. والمُفارقة أن تل أبيب أضعفت السلطة وتُضخِّم اليوم من قُوَّتها زُورًا، و»حماس» بالغت فى استعراض عضلاتها بدعاياتٍ غير دقيقة عن اللوجستيات وشبكة الأنفاق؛ لتكون القوّةُ مهرَ اختطاف القضيّة على حصانٍ أسود، يجرى فى كلِّ الساحات الساخنة عدا ما بين النهر والبحر. لا تخوينَ ولا قدح فى فلسفة المقاومة وحقوقها؛ إنّما المغامرات الوجودية إن لم تكن محسوبةً بالكامل قبل بدايتها، فقد تصيرُ انتحارًا مجانيًّا.
 
مُقابل كُلّ انحطاطٍ للضامن الأخلاقى/ الأمريكى، كان العربُ المعنيّون بالقضيّة يُسجّلون هدفًا: «فيتو» الأيام الأخيرة تبعه قرارٌ من الأمم المتحدة، صاغته مصر وأقرّته 153 دولة مُقابل 10 رافضين فقط، وقبلها أشهرت واشنطن بطاقتَها المُشينة؛ فردَّت الجمعية العامة بقرارٍ قدَّمته المجموعة العربية وبصمَ عليه 120 عضوًا. تنكشفُ دناءة إسرائيل باضطراد، وتتعرَّى الولايات المتحدة لتلبسَ خطيئتها على اللحم؛ لكنَّ الإسناد السياسى العربى لا يُقابله تُجاوبٌ جادّ من مُكوّنات المشهد الفلسطينى، وما زال الانقسام شارخًا فى جسد الخريطة وعقول المُتسلِّطين عليها؛ وإن كان عبءُ الشيخوخة واقعًا على كاهل السُلطة؛ فلا يُمكن تبرئة «حماس» من جريرة الاستثمار فى العَجز، وأطماع تحويله إلى فائض قوّةٍ لصالحها؛ لا للأرض وساكنيها، المجروحين من العدوّ تارةً ومن الأشقّاء تارات.
 
تُوشِك الهُدنة أن تعود؛ لكنها لن تكون إلَّا فاصلاً بين جولتين. الطرفان فى حاجةٍ ظرفيّة لالتقاط الأنفاس، وفى احتياجٍ وجودىّ لمُواصلة التطاحُن. وإن كان عسيرًا على البيئة الدولية أن تفرض حلَّ الدولتين، وقد صار أبعد ما يكون حتى أنه يصعُب استكشاف ملامحه؛ فالنقطة التى يُمكن أن يتوقَّف عندها الجنونُ مرهونةٌ بإعادة ترسيم الصراع وتحسين شروطه؛ أى أن تكون الإدارة الناضجة بديلاً مرحليًّا عن التسوية المستحيلة. وحتى هذا الخيار محكومٌ بتغيُّر تركيبة الحُكم فى تل أبيب، وإعادة بناء الإجماع الفلسطينى بعيدًا من ميراث الانقسام والأطماع الشخصية. والحقيقة أنَّ لا سُلطةَ «عباس» ولا مقاومة «مشعل وهنيّة» بمقدورها الوفاء بمُتطلِّبات المرحلة. إن كان الشرطُ العاقل أن يذهب نتنياهو مع مُعادلِه الفلسطينى القائم؛ فقد يختارون جميعًا أن يبقوا معًا، ويبقى الانسداد بالضرورة.
 
الغربُ لا يملك حلولاً على ما يظنّ البعض؛ إلَّا بقدر ما يتوافر من أوراقٍ لدى قيادة المحور الشيعى. وخياراتُ الطرفين تُفضى إلى الحرب حَتمًا؛ إمَّا مُتّصلةً أو مُقطَّعةً بالهُدَن العابرة، بل إنّها مهما طالت ستظلُّ النارُ مخبوءةً تحت الرماد، والمعاركُ المُؤجَّلة تتراكمُ وتستفحل. لا فائدةَ من الحديث عن اليوم التالى قبل تصفية الحالى؛ لأنه ممَّا يصرفُ النظرَ عن جريمة الإبادة، وعن المُقامرة بأرواح مليونى مدنىٍّ طمعًا فى إدارةٍ ذاتيّة هَشّة، يُصرِّح مجانين إسرائيل علنًا بأن الانقلاب عليها مسألةُ وقتٍ لا أكثر. كما لا فائدةَ من ادِّعاء البأس فى أوان المظلوميّة، أو توريط الآخرين فى نزواتٍ طائشة وغير محسوبة.
 
كان الإعلان عن «طلائع طوفان الأقصى» فى لبنان مُراهقةً مُزعجةً من حماس، وحديث أسامة حمدان عن المقاومة من سيناء لو انتقلوا إليها سَفَهٌ كاملٌ وانعدام عقل؛ كأنَّ بعض المُتنفِّذين فى الحركة يخلعون الكوفيّة ويضعون العمامةَ السوداء، ويُقدِّمون إشاراتٍ تطوّعيةً ساذجة للاحتلال عن قَبول الرحيل وتحضيرهم له. يتطلَّب الظَّرفُ مُراجعةً جادة وعاجلة، واعترافًا أمينًا بالقصور والأخطاء، ومُبادرةً مُتجرِّدةً لتوحيد الصفوف. وما لم يقتنع راكبو الأمواج بأنهم فى مُقامرةٍ قد تأخذ أرواحهم، وما لم يفكُّوا أذرعَهم عن رقبةِ فلسطين قبل أن يستغرقوا فى مُغامراتهم؛ فربما يكتشفون مُتأخِّرًا أنهم يلعبون فى فريق العدوّ، ولا فارق بين سياسىٍّ ومُقاتل، أو بين مُكبَّلٍ بالضعف والاستهداف ومَطلوقٍ بالقوَّة والاستتباع. كلُّ الحلول داخل فلسطين، ويجب ألَّا يُسمَح بأن تكون خارجها. ذَخَّرت الصهيونيةُ سلاحَها لتُصوِّب الرصاصةَ الأخيرة، وعلى العاجز عن تفاديها أن يتلقَّاها بمُفرده؛ فالتاريخ لا يلتمسُ الأعذار، ولا يرحمُ من يضعون الأوطان فى مرمى النيران.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة