ناهد صلاح

الرسوم المتحركة.. نضال الكبار وأحلام الشباب

الإثنين، 20 نوفمبر 2023 07:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مجددًا يراوغني السؤال عما يمكن أكتبه في هذه اللحظة القاسية التي نعيشها جميعًا ونحن نتابع ما يجري في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية بأكملها؟ لعل السؤال الصعب هو ما جعلني اتأخر قليلًا في الكتابة عن فعاليات يوم الرسوم المتحركة العالمي في قسم فنون الميديا التابع لكلية الفنون والتصميم بجامعة فاروس برعاية عميد الكلية الدكتور عمر غنيم، وما تضمنته هذه الفعاليات من نقاشات وتواصل فكري وفني أثناء الورش الفنية: ورشة تصميم الشخصية الكرتونية، قدمها الفنان ماهر دانيال مخرج الرسوم المتحركة، ورشة استدعاء الأفكار، قدمها فنان الكاريكاتير سمير عبد الغني، إضافة إلى حضور خاص وفاعل لاثنتين من أهم صانعي الرسوم المتحركة في مصر: المخرجة شويكار خليفة، المخرجة عطية خيري، الاثنتان واقعيًا وعمليًا من أهم فناني الجرافيك والإخراج ولديهما تاريخًا نضاليًا في مجال الرسوم المتحركة الذي هو ذاته ساحة نضالية كبيرة في عالم الفنون، ولعل أهمية التحريك وفنانيه هي ما شجعتني على الكتابة، فضلًا عن حماس دكتور إسماعيل الناظر الأستاذ بالكلية ومخرج الرسوم المتحركة.

عندما وجه لي الدكتور إسماعيل الناظر الدعوة باسم الكلية للمشاركة في هذه الفعاليات التي استمرت لمدة يومين، لم أتردد لما عرفته ولمسته من جدية العمل إضافة إلى تقديري الخاص للرسوم المتحركة وضرورة التعامل معها بطريقة تهدف إلى زيادة الوعي الفني الإبداعي، هذا ما أدركته منذ اللحظة الأولى من خلال التواصل مع طلاب قررت طائفة كبيرة منهم التخصص في صناعة أفلام التحريك، وأساتذة يعلمونهم تحديد أفكارهم والسعي إلى العثور على أشكال ما لها، وذلك في إطار سياق مُتكامل يبدأ بالكلام والنقاش حول هذه الأفكار نفسها، قبل الانتقال إلى وضعها في قصة وكيفية سردها وتقطيعها وتوليفها ثم حضورها المتكامل في شكلها المتحرك على الشاشة.

في البداية شاهدنا تجارب الكبار، فيلم "مشبك شعر" للمخرجة عطية خيري وحلقة من مسلسل "بنجر وسكر" إنتاج شويكار خليفة، من خلال "بنجر وسكر" يطالعنا هذا الشعور اللطيف بمساحة واسعة من الأمان والشعور بالمسئولية في زمن أهدأ ومجتمع أكثر براءة يوجه له المسلسل وصانعيه رسائل عدة للتعايش مثل الجدية والتدريب على المواجهة وتجنب الصلف والغرور والكثير من القيم التي تصنع إنسانًا متزنًا في مجتمع عادل ومتوازن بكل فئاته، بينما "مشبك شعر" وهو فيلم طويل نحو 40 دقيقة أنتجه المركز القومي للسينما في العام 2016، فإنه مُنفذ بتقنية جرافيك ثنائي وثلاثي الأبعاد، ويبدو أكثر تكلفة وإبهارًا، إذ اعتمد الفيلم على الأداء الصوتي لمجموعة من نجوم التمثيل: أحمد راتب، لطفي لبيب، سامي العدل، ريهام عبدالغفور، أحمد صلاح السعدني، عهدي صادق، كما اتخذ الفيلم الشكل الغنائي والموسيقي وهو الأصعب، لكنه أسلوبه الذي يخاطب صفاء الطفولة التي نحملها جميعا في دواخلنا، وكذلك كان الأنسب والأكثر ذكاء الجمالية والفعالية في طرح القضايا وإيصال الرسائل عبر الحكاية التاريخية، المأخوذة عن  بردية فرعونية معروفة باسم "بردية خوفو والسحرة" تحكي عن الصراع بين الخير والشر في محاولة لحل لغز اختفاء الأمير حور شقيق الملك "سنفرو" من خلال.حسبما وضع لها المعالجة والحوار والأغانى دكتور طارق مندور، أما الموسيقي والمؤثرات فمن ألحان إيمان صلاح الدين، المونتاج لأحمد عمري.

أهمية أن يُشاهد الطلاب ما أنجزه الرواد ويناقشونهم بأنفسهم، تكمن في أن هذا المسار ينمي لديهم حسًا بالعمل الفني، ويتيح للطاقة الإبداعية الموجودة فيهم أن تنفجر، وهذا الأمر يزيد عندما يشاهدون مشاريع التخرج لسابقيهم الذين يقتربون من أعمارهم، فهذا يهيىء الإبداع عندهم للظهرو، لأن حماسة الطالب للعمل تزداد بالمشاهدة وبتهيئة الجو المناسب للإبداع، ومن خلال الأفلام الستة التي تم عرضها من مشاريع التخرج لطلاب سابقين، طالعتنا أنماطًا جمالية مفتوحة على التجارب الفنية والتقنية والدرامية المختلفة، إذ قدمت الأفلام الستة تنويعًا في ابتكار شكل مختلف من التعبير، وبراعة طلابية في معالجة أسئلة الذات والجماعة والواقع بأدوات تقنية متمكّنة من لغتها السينمائية، لا أبالغ في القول إن الأفلام عكست طموحًا شبابيًا واختبارًا طلابيًا، كما أن جمالية هذا النوع السينمائي الطالبي لم تكن أسيرة مدرسة معينة، بهويتها الجغرافية والثقافية وتقنياتها الفنية وأساليبها التربوية والتدريبية.

هناك غرابة لافتة للنظر في تصوير وحكاية ( mannequin  مانيكان ) لـ "عمر هشام": في اختيار المكان وعلاقة الشخصية الأساسية بمحيطها، وفي رحلة البحث عن معنى الحياة والوجود والمجتمع الإنساني، فالرجل يبدو منفزعًا إذا تم اكتشاف توحده مع نفسه داخل جدران مع مانيكان من صنعه، إنه يأخذنا إلى متاهة الفراغ الروحي ودهاليز الوجع والألم، سواء في أجواء هذا الرجل أو جارته المقابلة له ومحيطها من الأدوات والأشياء المتحركة في عالم بصري مصنوع من مزيج الخيال والهواجس والواقع. هذا كلّه مشغول بتقنية تمزج الرسم بالتحريك، وترتكز على ألوان متباينة في متابعة تفاصيل الحكاية المشحونة بشيء من الغموض الشكلي والدرامي.

فيلم مختلف درامياً ( window ) لـ "محمد وحيد": حكاية رجلين متقابلين في الجوار، متضادين في أسلوب الحياة، أحدهما يعزف الـ "درامز" والأخر يراقبه من النافذة وهو رجل أسير حياته الروتينية، تتنازعه رغبات متناقضة وهواجس مختلفة وأفكار متضاربة، لنكتشف أنه كان في السابق عازفًا للـ"درامز" وأكثر حيوية.

إن أهمية ( recycle ) لـ"محمد سعيد بدر" كامنة في حبكته الدرامية، وفي حرفية تقنية واضحة تمثّلت في التقارب الكبير بين الشخصية الرئيسية والفضاء الكرتوني من جهة، والواقع الحسي للعالم البشري من جهة ثانية، إضافة إلى الحس الكوميدي الذي يملكه.

أما ( مخاميخو makhamikho ) لـ "حبيبة خالد"، فهو في رأيي لديه حسًا إنتقاديًا لحياة يومية أسيرة  للتعامل مع أجهزة الكمبيوتر والأجهزة التقنية الحديثة، فالصبيّ صاحب الشعر الأحمر مُسمّر أمام شاشة كمبيوتر يصارع مخه. إن حساسية الموضوع وقوة المعاينة وسخرية النَفَس الانتقاديّ طغت على الشكل المعتمد في تصوير الشخصية والحالة الإنسانية التي يمكن تعميمها في أكثر من جغرافيا، وربما هذا ما كتبته من قبل عن مخرجة جيدة ولديها نفس إبداعي مميز تحتاج الالتحام أكثر بواقعها ومجتمعها، وهذا أمر بالطبع ينسحب على الجميع.

عمومًا هي أفلام مصنوعة بشكل تقني جيد ومكتوبة بحساسية إنسانية واضحة، وميل إلى ابتكار صورة سينمائية معبرة ومفتوحة كما أسلفت إلى أنواع سينمائية عدة مثل الـ"أكشن"، كما في ( بوند Bond ) لـ" عمر محمد وهبة"، أو ساردة لحالة تستعين بفن التحريك لتخفف من ثقل الحكايات كما في ( بكلاويز Baklawez) لـ آية الله أحمد، وإن عكست الأفلام جميعها هاجس الإنسان المحاصر بثقل واقعه، ونقلت محاولات للتصالح مع الذات أو مواجهتها في  ظل ضغط اليومي، وثقل الذاكرة، ومواجع الحاضر، وكلها محاولات وأحاسيس أكبر من أعمار صانعي هذه الأفلام، لكنهم أبناء زمنهم.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة