عصام محمد عبد القادر

الشائعات أحد أسلحة الحروب النفسية

الأحد، 08 أكتوبر 2023 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن انتهاج التشويه أو التهويل أو الكذب حول خبر به جزءٌ متناهي الصغر من الحقيقة؛ بغرض التأثير النفسي على المتلقي في الداخل أو الخارج، بما يحقق الغاية الخبيثة من وراء ما يشاع من كذبٍ وافتراءٍ على المستوى الثقافي، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو العسكري، أو الاجتماعي، أو الصحي، أو التعليمي، أو البيئي، وهذا بهدف إفشاء حالةٍ من التحاقد أو الكره أو فقد الثقة بين طرفين، غالبًا ما يكون المجتمع والحكومة التي تتولى إدارة شئون البلاد.

 

ومعظم الشائعات رغم تنوعاتها تعمل في نهاية المطاف على إضعاف الجانب الاقتصادي للدول والكيانات؛ لتأثيرها المباشر على كافة المجالات الأخرى؛ فتحدث الاضطرابات وتُثير القلاقل عندما تعاني الشعوب والمجتمعات من صعوبةٍ في المعيشة؛ لتخرج على السلطة مطالبةً بإسقاطها عقابًا لما آلت إليه ظروف وأحوال المعيشة.

 

وتشكل الشائعات بأنماطها أحد أسلحة الحروب النفسية التي تُؤسس على خططٍ واستراتيجياتٍ مدروسةٍ غالبًا ما تتبناها دولٌ خارجيةٌ أو جماعاتٌ ممولةٌ لها أجنداتٌ خاصةٌ؛ حيث تستهدف بصورةٍ صريحةٍ معنويات الشعوب كي تخرج عن أنظمتها وتهدم مؤسساتها الوطنية نتيجةً للاحتقان الذي سببته تلك الشائعات على المدى البعيد، ومن آليات الحرب النفسية تأثيرها على الرأي العام الذي بدوره يضغط على الحكومات بمزيدٍ من المطالب التي تضعف المسار التنموي في الدول وقد توقفه تمامًا.

 

وتُسهم الحروب النفسية في تغيير الاتجاهات الإيجابية وتحويلها لسلبيةٍ لدى المجتمع عن طريق الشائعات التي تسمم الفكر وتزيف الوعي وتبدل المواقف وتضعف الولاء والانتماء وتدحض عزيمة البناء والإعمار، وهذا ما يؤدي إلى استسلام الجبهة الداخلية للدولة، ومن ثم تصبح فريسةً للعدو الذي يحقق مآربه دون الدخول في حربٍ حقيقيةٍ على الأرض.

 

ومن الأوعية التي ساعدت في نشر الشائعات لتحقق مساعي الحروب النفسية الانترنت الذي استخدم بصورةٍ غير صحيحةٍ لتعطيل الأجهزة والمؤسسات وتدمير البيانات التي يقوم عليها عمل تلك المؤسسات، وتنظيم العمليات الإرهابية، والتحريض على العنف، وبث خطاب الكراهية؛ فهنالك مواقع التواصل الاجتماعي التي ينتشر عبرها الأخبار والمعلومات غير الصحيحة والافتراءات والأكاذيب التي تصل لأكثر من نصف سكان الكرة الأرضية في وقتٍ قياسيٍ من خلال الفضاء الرقمي.

 

وباتت التوعية بالنسق القيمي للمجتمع أمرًا مهمًا يحفظ الفرد لأن يتحرى الصدق فيما يقوله أو يتلقاه؛ حيث يدرك تمامًا خطورة الكلمة وقيمة فضيلة الصدق، ويجرم الكذب والافتراء والتقول دون سندٍ صحيحٍ، ومن ثم يتوجب تدشين برامج توعويةٍ وتثقيفيةٍ تستهدف تعريف الفرد بالتوظيف الصحيح والآمن للتقنية؛ بغية الاستفادة القصوى منها وتجنب سلبياتها وخاصةً ما يرتبط بالفكر المشوه أو المنحرف الناتج من جماعات الظلام.

 

ويقع على عاتق المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية مسئولية توعية قطاعٍ كبيرٍ بالمجتمع تجاه خطورة الشائعات بتنوعاتها المختلفة سواء عبر العالم الافتراضي أو على الأرض، وتوضيح الغايات الهدامة التي يسعى مروجوها لتحقيقها بصورةٍ متواصلةٍ عبر العديد من الوسائل التقنية، مع عرضٍ للاستراتيجيات والطرائق المستخدمة في نشر الشائعات؛ لتحدث الأثر النفسي البالغ لدى الفئة المستهدفة والتي قد تشمل المجتمع كله.

 

وقطعًا هنالك ضرورةٌ لتوظيف الذكاء الاصطناعي في دعم الأمن المعلوماتي والقطاعين الأمني والمدني من خلال المزيد من الإجراءات الاحترازية التي تؤكد على المساءلة والمسئولية واتباع المعايير التي تضمن السلامة، وتتوافر المؤسسات المتخصصة في هذا الشأن والتي تحقق مستوياتٍ أمنيةً عاليةً، وتنشء آلياتٍ تعمل على تدقيق المحتوى قبل نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحظر كل ما يؤدي أو يساعد على الكراهية والتعصب والعنف.

 

وكما أن الوقاية مهمةٌ من خلال التوعية، أيضا المكافحة بطرائقها المتنوعة ضروريةٌ؛ لكنها تحتاج لتنظيمٍ مؤسسيٍ على المستوى الرسمي وغير الرسمي؛ فمن خلال اللجان الالكترونية المدربة يمكن دحض الشائعات وتكذيبها بنشر الحقائق في صورتها الكاملة التي تزيل اللبس وتضعف من قوى الشر وتحد من فاعليتها بين أفراد المجتمع، ومن ثم يتلقى الرأي العام دعمًا معلوماتيًا إيجابيًا يُكسبه مناعةً ضد ما قد يثار من شائعاتٍ متواليةٍ.

وقد بذلت الدولة المصرية بتوجيهات قيادتها السياسية جهوداً كبيرةً في تدشين البنية التحتية الرقمية؛ لتلبي مطالب مستخدميها في كافة القطاعات وشتى المجالات، وتواصل بصفةٍ مستمرةٍ تحديها بما يجعلها تواكب التغييرات العالمية في مجال الرقمنة.

 

حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة