محمد نعيم

المسكوت عنه فى حوار الرئيس السيسى مع رجل بايدن وإسرائيل

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023 10:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

السيسى حظر سردية بكائيات تل أبيب وجمَّد مواقف المجتمع الدولى "المعلبَّة"

5 اتصالات هاتفية أجبرت نتنياهو وبايدن على التراجع أمام مواقف الرئيس الحاسمة  

مصر رفضت التفريط فى أرضها مقابل مساومات رخيصة وصلت حد «إلغاء الديون»

قرارات مجلس الأمن القومى أحبطت حلم «قناة جوريون» من إيلات إلى سواحل غزة 

الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت ظهور عرَّاب «الوطن البديل» فى وسائل الإعلام

تراجعت الولايات المتحدة وإسرائيل خطوة قسرية للخلف بعد صدور قرارات مجلس الأمن القومى المصري، واجتماع الرئيس السيسى فى القاهرة وعلى الهواء مباشرة بوزير الخارجية أنتونى بلينكن، ووضع النقاط على كثير من الأحرف، لتنجلى غشاوة أبصار وبصائر حاملى رايات الغطرسة، واعتماد القوة المفرطة مع مدنيين عزَّل بداعى قتال حماس. التراجع جاء بعد مشاورات شهدت عليها 5 اتصالات هاتفية بين بايدن ونتنياهو، رسَّخت حتمية الاحتكام للغة العقل مع المصريين، واحتواء «خطوط حمراء» انطلقت من القاهرة، ترفض العبث فى مساحات ضيقة لا تقبل القسمة على اثنين.

 
ويبدو أن سفيرة إسرائيل لدى القاهرة أميرة أورون كانت أكثر توفيقًا من نتنياهو، حين آثرت التبكير بإنكار التطلعات الإسرائيلية القديمة – الجديدة فى قطاع غزة، ونفت أية نية لدى تل أبيب بتهديد الحدود المصرية. وقالت نصًا عبر رسالة على حساب السفارة الرسمى بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «تعى إسرائيل جيدًا الحدود المصرية منذ توقيع اتفاق السلام بين البلدين، ولا يمكن لأحد المساس بها تحت أى ظرف».
 
فى المقابل تراجع توجه الإعلام العبرى المحكوم بفعل «الرقابة العسكرية»، وأهمل تمامًا لغة التحريض على ترحيل أزمة القطاع إلى سيناء، أو الدعوة لإعادة احتلاله، حسبما دعا إليه صراحة الباحث الإسرائيلى مردخاى كيدار، زاعمًا إن «حل الإشكالية الغزاوية يكمن فى ترحيل الغزاويين إلى سيناء». وربما شاطر بايدن رسائل التراجع السريع، معلنًا بعد اتضاح صلابة الموقف المصرى أن «إعادة احتلال القطاع خطأ كبير»؛ وقبلها حرص بايدن على ترسيخ تفريغ القطاع المأزوم من قاطنيه، ومع الأيام الأولى من العدوان، أبلغ بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلى بضرورة «شق ممر إنسانى لتسهيل عملية هروب الغزاويين من القطاع إلى شمال سيناء»، حسب شبكة NBC الأمريكية. 
 

دلالة العبارة

وفى مرحلة ما بعد التراجع، اكتفت تقارير تغطية الموقف المصرى فى تل أبيب بالنقل فقط دون أى تدخل، لتفادى سياسات أو مواقف تثير غضب الجارة الجنوبية؛ وربما كان ذلك واضحًا حين اقتبست صحف إسرائيلية واسعة الانتشار البيانات المصرية الواردة فى هذا الخصوص، وجاء فى مقدمتها تصريح الرئيس السيسي: «رد فعل إسرائيل الحالى تجاوز مبدأ الدفاع عن النفس وتحول إلى عقاب جماعي".
 
تدرك إسرائيل والولايات المتحدة جيدًا دلالة عبارة الرئيس السيسي، خاصة أن ردود الفعل العالمية «المعلبَّة» خلال دورات العدوان الإسرائيلى الخمس الأخيرة على القطاع، تمحورت فى عبارة «لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها». لذا لم يقتصر الرد المصرى على إسرائيل فقط، وإنما شكك أيضًا فى نزاهة مواقف المجتمع الدولى إزاء ما يجرى على أرض الواقع.
 
وإذا كانت إسرائيل قد أطلعت جو بايدن وإدارته، وكذلك وزراء دفاع حلف الـ«ناتو» على «مقاطع فيديو أحادية»، تجسد اقتحام عناصر حماس لبعض مستوطنات غلاف قطاع غزة فى 7 أكتوبر الجاري؛ فالرئيس السيسى قطع على ضيفه الأمريكى متاجرة تل أبيب وواشنطن المعهودة فى مثل هذه الحالات، وعدَّد أمام أنتونى بلينكن حصيلة الضحايا المدنيين من الجانبين، وأوضح معتمدًا على معلومات موثقة: «خلال الجولات الخمس الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة، سقط 12,500 مدنى فلسطيني؛ ومن الجانب الإسرائيلى سقط 2,700 قتيل، من بينهم 1,500 قتيل خلال الأزمة الراهنة. وأصيب 100 ألف فلسطينى خلال الجولات الخمس، بينما بلغت الإصابات لدى الجانب الإسرائيلى 12 ألف مصاب؛ وفى حين قتل 2,500 طفل فلسطيني، قتل فى المقابل 150 طفل إسرائيلي».
 

دغدغة مشاعر

ألجمت لغة الأرقام الضيف الذى زار إسرائيل قبل عروجه للقاهرة، والذى خاطب ود إسرائيل خلال مؤتمر صحفى فى تل أبيب: «جئت إلى هنا ليس لكونى وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة، وإنما جئت إلى هنا هذه المرة لأنى يهوديًا». لعل الرد على هذه العبارة قد احتل موقعًا متميزًا لدى السيسي؛ فالرئيس الذى نشأ فى حى الجمالية، وكان مقر إقامة صباه وشبابه على مرمى حجر من الحى اليهودى (حارة اليهود آنذاك)، أحبط محاولات دغدغة المشاعر اليهودية المكشوفة، وأثبت للوزير عكس تسويق فكرة اضطهاد وقمع اليهود فى مصر أو فى أى من الدول العربية والإسلامية؛ وقال: «اليهود تعرضوا للاستهداف والقمع فى أوروبا فقط، لكن ذلك لم يحدث مطلقًا فى الدول العربية».
 
ولعل أبرز تحولات لغة وتوجه الخطاب الإسرائيلى إزاء علاقة مصر بالإشكالية الغزاوية، يكمن فى غياب ظهور الجنرال الإسرائيلى جيورا آيلند عن شاشات التلفاز وأبواق الشبكات الإذاعية الإسرائيلية؛ فالجنرال المتقاعد، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلي، حل مع بداية العدوان ضيفًا دائمًا على مختلف قنوات الإعلام الإسرائيلي، ولم تمنع إصابته بـ«سرطان البروستاتا» تواتر عبوره من استوديو إلى آخر لنشر رؤاه المتطرفة، واعتماد لغة قاسية ولا إنسانية فى التعامل مع أزمة القطاع؛ ولا يوجد ما يدلل على ذلك أكثر من لقائه مع صحيفة «جلوبس» العبرية ذات الاهتمامات الاقتصادية؛ ففى رده على سؤال حول كيفية استعادة المخطوفين الإسرائيليين فى قطاع غزة، قال: «لابد من خلق أزمة إنسانية فى القطاع، فإذا ما صرخت المؤسسات الدولية بعد تراكم جثث الفلسطينيين فى المستشفيات، يمكننا حينئذ التراجع وتسويق فكرة عدم اكتراثنا بالتصعيد فى القطاع، ولكن بشرط عودة أسرانا أولًا».
 

دولة غزة!

وفى تحليل الجنرال المتقاعد لاستراتيجية التعامل الإسرائيلى مع القطاع، ساق ما اعتبره وصايا تفرض اتباعها على المستويين السياسى والعسكرى فى تل أبيب، قائلًا: «لابد من التعامل مع القطاع على أنه دولة. أنتم (الإسرائيليون) تقاتلون دولة، ليس بمفهوم الجيش فقط، وإنما بمفاهيم جميع قدراتها بما فى ذلك القدرات الاقتصادية. لهذا السبب، بات على إسرائيل تعزيز الحصار المفروض من الأساس على القطاع، وشل كافة مرافق الحياة بما فى ذلك السلع الاستهلاكية، والماء، والوقود، والغاز، والكهرباء، والإنترنت. ذلك ليس فقط من أجل حسم عملية «السيوف الحديدية» فى القطاع (حسب التسمية الإسرائيلية للعدوان)، وإنما لاستعادة الكثير من أسرانا هناك».
 
ربما فسَّرت وصايا جيورا آيلند إصرار إسرائيل على منع دخول المساعدات المصرية وغيرها للقطاع، وإصرار القاهرة على دخول المساعدات عبر معبر رفح؛ فرسائل المساومة الإسرائيلية وكذلك الأمريكية لم تنقطع مع بداية العدوان، بداية من محاولة إبرام صفقة «المساعدات الإنسانية مقابل عودة أسرى إسرائيل»، وصولًا إلى مساومات أمريكية إسرائيلية أخرى، لاقت رفضًا مصريًا قاطعًا، حتى وإن دار مضمونها حول «تهجير الغزاويين إلى شمال سيناء مقابل إلغاء ديون مصر المستحقة لدى الولايات المتحدة، والتفاوض (بالنيابة عن المصريين) مع البنك الدولي، لتخفيف أعباء ديون أخرى».
 
إذا كانت إسرائيل قد نجحت - بأوامر رقابتها العسكرية - فى حجب ظهور الجنرال جيورا آيلند إعلاميًا بعد الموقف المصرى الحاسم من الإشكالية الغزاوية، فقد فشلت المؤسسة ذاتها فى محو أفكاره التى تبلورت عام 2004، وصادق عليها رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون، ليفاجئ بها الجميع آنذاك باستخدام مفردة «الاحتلال» لأول مرة، ومبادرته بالانسحاب الأحادى من قطاع غزة بعد تفكيك مستوطناته، وهو ما عُرف فى حينه بخطة «فك الارتباط». 
 

قناة جوريون

منذ هذا التاريخ تناثرت هنا وهناك خيوط دخان فكرة ترحيل سكان القطاع إلى شمال سيناء، وبينما واجهت الفكرة رفضًا حاسمًا من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، إلا أنها لم تمت فى ذاكرة العقل الجمعى لدى المؤسسات الإسرائيلية، وبات إحياؤها فى الوقت الراهن أكثر إلحاحًا من ذى قبل، لاسيما فى ضوء اعتزام إسرائيل شق قناة موازية لقناة السويس على أرض القطاع (بعد إخلائه)، ليبدأ مسارها من إيلات جنوبًا إلى مدينة غزة على ساحل شرق البحر المتوسط، وأطلق الإسرائيليون على المشروع المزمع «قناة جوريون»!
 
أما فيما يخص تفاصيل خطة جيورا آيلند، التى لاقت استحسانًا وتشجيعًا من صقر «الليكود» حينئذ شارون، فدارت فى مضمونها العام حول الآتي: «انسحاب إسرائيل من كامل قطاع غزة، وإخلاء جميع المستوطنات القابعة على أرضه. استيعاب سكان القطاع بعد الترحيل فى مساحة 600 كيلو متر مربع (ضعف مساحة القطاع تقريبًا) بطول 30 كيلو متر على امتداد الحدود المصرية الإسرائيلية، وبعمق 20 كيلو متر فى سيناء بما فى ذلك الشريط الساحلي، الذى كان يضم ذات يوم مستوطنة «ياميت» قبل الانسحاب الإسرائيلى من سيناء. 
 
«تحصل مصر فى المقابل على أرض بديلة مساحتها 200 كيلو متر مربع فى صحراء النقب، بالإضافة إلى نفق يربطها بالأردن عبر ربط قارى تحت سيادة مصرية. حصول الأردن على حرية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ​​عبر نفق برى وميناء غزة. كما تحصل السعودية والعراق على إمكانية الوصول إلى البحر المتوسط ​​بنفس الطريقة. يحصل الفلسطينيون على 89% من الضفة الغربية، بينما تحصل إسرائيل على 11% من مساحة الضفة، وهى مساحة كافية لاستيعاب التكتلات الاستيطانية فى الضفة الغربية. تتحمل مصر والأردن والولايات المتحدة مسؤولية الوصاية على الأراضى الفلسطينية. يتم التوقيع على الاتفاق فى مؤتمر للسلام يعقد فى مصر برئاسة مبارك وبمشاركة الرئيس الأمريكى ورؤساء دول أوروبا بما فى ذلك روسيا».
 
وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس وافقت على الخطة بعد الاطلاع عليها، ولم يمانع الاتحاد الأوروبى تمريرها، لاسيما وأن إسرائيل اعتزمت عرضها على أنها مبادرة أوروبية وليست إسرائيلية. واليوم وفى إطار إحياء تطلعات الماضى غير البعيد، لا تعتزم الإدارة الأمريكية وقوفًا أمام تطلعات تل أبيب، لكن موقف المؤسسات المصرية، التى يمثلها رئيس البلاد، تعى جيدًا واقع المعركة غير المعلنة، ولا تكترث بنفى وإنكار هنا أو هناك يحاول تفريغ الأهداف من مضمونها.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة