زلزال الحوز.. الحصاد المر 2.. أطفال الزلزال أبطال الكارثة وضحاياها.. كيف يستقبلون الشتاء فى خيام؟.. البرد القارس يعمق آلام الفقد والتشريد.. والاستغلال يفاقم محنتهم.. أطفال يدلون بشهاداتهم لـ"اليوم السابع"

السبت، 14 أكتوبر 2023 06:48 م
زلزال الحوز.. الحصاد المر 2.. أطفال الزلزال أبطال الكارثة وضحاياها.. كيف يستقبلون الشتاء فى خيام؟.. البرد القارس يعمق آلام الفقد والتشريد.. والاستغلال يفاقم محنتهم.. أطفال يدلون بشهاداتهم لـ"اليوم السابع" جلس ينظر بعين الحسرة إلى منزل الذى هدمه الزلزال ولم يتبق سوى بعض الماشية
إيمان حنا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ـ  حقوقيون: الفاجعة كشفت عوار بتغطية الكوارث.. انتهاكات عدة تعرض لها الأطفال: تنمر.. تحرش.. عنف رقمى.. ودعوات تروج لتزويج القاصرات

ـ أخصائيون نفسيون: الهلع والتبول اللاإرادي أبرز الأعراض النفسية لأطفال الزلزل..و25% تتطور حالتهم

ـ برلمانيون وجمعات حقوقية لـ"اليوم السابع": مراكز إيواء التلاميذ تنعدم بها الشروط الصحية.. "التربية": حالات محدودة..الظروف أجبرتنا على استخدامها وجار استكمال التجهيزات.. إعادة التأهيل تنتهى بنهاية العام الدراسى

ـ جمعيات الطفولة والمجتمع المدنى لـ"اليوم السابع": استغلال "البيدوفيليا" والمتجارة بالضحايا لحصد المشاهدات ضاعف معاناة الأطفال

ـ قوانين حماية الطفل بالدول النامية لا تزال قاصرة.. لا توجد قوانين تجرم تصوير الضحايا دون إذن

ـ برلمانيون بالمغرب: دراسة مشروع قانون بشأن تغليظ عقوبة استغلال الأطفال

ـ الطفل "يوسف": نفسى أشوف إخواتى اللى ماتوا..بطلت ألعب مع أصحابى عشان خايف.. عايشين فى خيمة ونخشى ثلوج الشتاء

ـ الطفل (محمد): فقدت كل عائلتى..طلبوا منى الحديث أمام كاميرا فلم أجد سوى البكاء.."يامنة": قالوالى الوجبة مقابل صورة !

ـ "الوطنى للصحافة":نرفض المتاجرة بالمآسي..المجلس بصدد ضبط الخروقات..لا يمكن تحويل الفواجع إلى إثارة رخيصة 

ـ "نادي الصحفيين": أصدرنا تذكيرا بقواعد تغطية الكوارث 

ـ إعلاميون مغاربة لـ"اليوم السابع": التغطية الإعلامية للكوارث تحتاج ضوابط..استغلال الضحايا من الأطفال والقاصرات أمر مرفوض..وزارة التضامن أطلقت حملات توعية 

ـ "الأمم المتحدة" بالمغرب: نرفض كافة أشكال انتهاك خصوصية الطفل.. نتواصل مع السلطات المغربية بشأن الاستجابة للزلزال

إحصائيات:

ـ 100 ألف طفل متضرر من إجمالي 300 ألف شخص جراء زلزال الحوز(وفق إحصائيات الحكومة المغربية واليونيسف)

ـ  25% من الأطفال تتطور حالتهم  النفسية إلى إجهاد ما بعد الصدمة وحالة قلق عام(أطباء نفسيين)

ـ 80ألف تلميذ تضرروا.. 6%منهم لم يستأنفوا دراستهم حتى الآن (وزارة التربية بالمغرب)

ـ 1040مؤسسة تعليمية متضررة (إحصائيات وزارة التربية)

ـ 800 خيمة يستخدمها التلاميذ للدراسة بديلا عن مدارسهم المتضررة

ـ 150 مدرسة هُدمت بشكل كلى (إحصائيات وزارة التربية)

ـ  4000 طالب ب"الإعدادى والثانوى" تم نقلهم إلى مراكش (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)

 

"لَم تَعد الحياةُ كما صورتها لى مُعلمتى في الصف الخامس الابتدائى، مُروج خضراء وسماء زرقاء صافية، وعصافير تغرد، وأحلام تتحقق ..بل وجدنا الواقع رثُّا، وقاسيًا للغاية..ورغم أننا أحببنا الدنيا منذ أن فرحنا بقدومنا إليها، لكنها الآن تأخذ منا طفولتنا".

تِلك العبارة ليست من كلمات أحد الفقهاء أو من الأقوال المأثورة الشهيرة ، بل من كلمات "يامنة" ..إحدى الطفلات الناجيات من فاجعة "الحوز" التى شهدها المغرب، سبتمبر الماضى.

كانت كلمات "يامنة" كفيلة لأن أقرر التعرف عن قرب على معاناة أطفال الزلزال، وتسليط الضوء على تجربتهم، التى تُعد من أهم ـ إن لم تكن الأهم على الإطلاق ـ فى تلك الكارثة، بالطبع الأمر لم يكن هيناً على الكبار أيضًا، ولكن من المؤكد أن الأطفال هم الأكثر تأثرا بالتداعيات الناجمة عن صدمة الزلزال، وربما سيحملون آثارها معهم وهم كبار، لاسيما إن لم يتلقوا المساعدة والعلاج المناسبين.

هُم حقًا أبطال المعاناة وضحاياها بالوقت نفسه، هؤلاء من فاجأتهم الكارثة حين كانوا نياماً، انهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، ثم وجدوا أنفسهم خلال دقائق معدودات ما بين مشردين يفترشون الأرض ويلتحفون بالسماء، وأيتام كتب عليهم القدر أن ينعوا ذويهم ويبقوا بمفردهم دون سند أو معين في رحلة الحياة، والأوفر حظًا من هؤلاء أضحوا مرضى نفسيين طبعت الكارثة آثارها على أرواحهم فباتت مشوهًة.

لقد خسروا منازلهم ومدارسهم، إضافة إلى ما عايشوه من لحظات ظلام دامس، والكثير منهم لا تصل إليهم مياه صالحة للشرب حتى الآن، كما أنهم يخشون رعشة البرد التى تترافق مع كرات الثلج والسيول فالشتاء قادم بينما هم يقطنون الخيام، كما أن كثيرا من مراكز الإيواء التى نُقل إليها التلاميذ لاستئناف دراستهم غير صالحة للسكن الآدمى.

وبجانب الجوانب المتعددة لمأساة هؤلاء، ورغم أنه يتحتم أن يعكس التعامل مع الأطفال بحذر واحترام خصوصيتهم نهجًا يخفف من حدة من التأثيرات السلبية للأحداث الصادمة، إلا أن الاستغلاليين واللاهثين وراء الشهرة وحصد المشاهدات الأعلى على منصات التواصل الاجتماعى، لم يرحموا هؤلاء، فما بين مصورين ومؤثرين على (السوشيال ميديا) أو حتى بعض المتطوعين ممن أرادوا الشهرة أو الدعاية، انتهكوا خصوصية الأطفال، إضافة إلى محاولات التحرش ـ وفق تأكيدات المصادر وشهود العيان ـ التى تعرض لها عدد من الأطفال بمناطق الزلزال، وأشكال مختلفة من الملاحقات الاستغلالية.

دَفعنى هذا للتواصل مع بعض من هؤلاء الأبطال الصغار، ورغم أن الحظ لم يحالفنى لأكون بموقع الحدث والتقيهم وجهًا لوجه، لأستدل من خلال ملامحهم الصادقة على كثير من الحقائق والتفاصيل التى ربما تعجز الكلمات عن نقلها، لكن حاولت التواصل مع نماذج منهم عبر الهاتف.

بالتأكيد كثيرون رفضوا الحديث سواء خجلًا أو خوفًا، فقضية "التحرش" لا تزال شائكة بمجتماعتنا العربية، بينما يخشى البعض الآخر ـ حسب اعتقادهم ـ فقدان دعم السلطات المحلية أو الجمعيات، حال إدلائهم بأحاديث فى هذا الصدد، خاصة أنهم لا يزالوا يعانون تداعيات الكارثة، فهم فى حاجةماسة للدعم.

كانت لغتهم(الأمازيجية) السائدة بتلك القرى، عائقًا آخر للتواصل معهم، فاستعنت بصديق مغربى من الرباط ليساعدنى فى الترجمة، عبر محادثات هاتفية مشتركة.


5
 

شهود وضحايا!

تواصل "يامنة" روايتها لـ"اليوم السابع"، قائلًة: كنت تائهة مع أخى الذى يصغرنى بعامين، لم نجد سوى أيادينا المتشابكة بقوة وسط أجزاء من منزلنا المتهدم، فوقت وقوع الزلزال كنا نائمين فى غرفتنا ولم ندرى إلا وجدنا أنفسنا فى الشارع، ولم يتبق من غرفتنا سوى ألعابنا المتناثرة وسط التراب، جاء من يساعدنا لنقل والدى للمستشفى الذى أصيب فى الزلزال.

ذهب الجميع كُل يبحث عن ذويه ، وبقينا أنا وأخى ومعنا بعض من أبناء جيراننا، بقينا فى الشارع لأيام ، وفى تلك الأثناء مر علينا مجموعة من الشباب يوزعون الوجبات العذائية وبعض الملابس ، كل واحد مد يده ليأخذ وجبته، ولكن قبل ذلك طلب هؤلاء منى التقاط صورة وأنا أحمل الوجبة أولاً ، وإلا لن أحصل عليها، اضطررت للموافقة رغم خجلى فهذا الموقف لم أتعرض له من قبل.

يشارك "يامنة" الألم الطفل "يوسف أوسالم"، عمره 10 سنوات ، من دوار (قرية) تيميشى التابعة لمنطقة "الست فاطمة"بإقليم الحوز ـ مركز الزلزال، الذى يسرد ما حدث يوم الكارثة، قائلا:"كنا نتناول العشاء أنا وأخواتى وأبويا وأمى، وسقط فوقنا السقف، ماتت فى الحال أختان لى إحداهما فى الصف الأول الإعدادى والأخرى فى الصف السادس الابتدائى".

يصف "يوسف" شعوره، باكيًا: " أشتاق لإخواتى كتير ونفسى أشوفهم، وما عدتش بلعب مع أصحابى مثل الأول، بخاف أخرج برا الخيمة ممكن الزلزال يجي تانى، وطفال كتير فى القرية بطلوا هم كمان لعب ..بطلنا نضحك زى الأول.. كل مانمت شفت فى منامى نفس يوم الزلزال ..بتمنى بس إخواتى يرجعوا تانى".

وبالنسبة لوضعهم حاليًا، يقول"يوسف": "إحنا عايشين فى خيمة ونخشى من قدوم الشتاء، فالبرد عندنا شديد وبيجى معه مطر و ثلوج كتيرة ، نفسنا نرجع بيتنا".

أما بالنسبة للدراسة، يوضح "يوسف "، أنه انقطع عن الدراسة منذ أن هدم الزلزال مدرسته، معربا عن أمنيته بأن يعود لاستئناف حياته ودراسته كما كانت قبل الكارثة.

مازلنا فى منطقة وجع هؤلاء الأطفال ضحايا الكارثة، فيقول "محمد" من إقليم الحوز ـ بالصف الأول الثانوى ـ "أحلم بمسكن يقينا برد الشتاء"، مضيفا:  كمان نفسى أرجع مدرستى، وقد تقدموا بالتماس للسلطات فى المغرب ليوفروا لهم مدارس، ولكن لم تتم الاستجابة حتى الآن.

"بقيت وحيدًا وسط الركام ، محاطًا بالكاميرات" ..هكذا وصف الطفل محسن إسماعيل(9سنوات)، وضعه وقت وقوع الزلزال، مضيفا:" كنت بثياب ممزقة وبدون حذاء ووجهى مغطى بالتراب ، سألنى شخص حاملًا  كاميرا أن أقف أمام الكاميرا وأنظر إليها متحدثا، لم أكن أدرى وقتها أين أضع قدماى فالمكان كله تحول أكواما من الركام ، ولم أدرى ماذا أقول فكل ما كنت أحتاجه حينها شخصًا يساعدنى لأجد عائلتى وأخوتى، لكن ذلك الشخص أصر لأحكى فلم أجد سوى البكاء أمام كاميرته، ماسحا دموعى بذراعى" .

ورغم أن محسن قد نُقل مع عدد من أقرانه إلى دار إيواء إلا أنه يفتقر لأمان الأسرة ودفئها، فيقول:"كلما تذكرت إخواتى وأمى وأبى وجدتى بكيت راجيا إياهم أن يعودوا".

03
تأثيرات نفسية

تفسر لنا الدكتورة نيكول هانى ، إخصائية تفسية، ما لحق بنفسية هؤلاء الأطفال الناجين من أذى، قائلة "إن صعوبة الأمر مضاعفة على الأطفال، خصوصا أنهم لم يشهدوا حدثا مشابها من قبل، فآخر زلزال شهده البلد كان عام 2004".

تضيف نيكول ـ فى حديثها لـ"اليوم السابع" ـ أن ردود أفعال الأطفال تختلف من طفل لآخر بحسب طريقة التربية والبيئة التى نشأ بها و الموروث الجيني وبالتالى درجة المناعة النفسية تختلف، لذلك فإن تأثير صدمة الزلزال على صحة الأطفال النفسية ليس متساويًا، فنجد ما يُعرف بـ"ردة الفعل الأولية"، التى تظهر أعراضها بقوة خلال الأسابيع الأولى عقب الحادث، وتأخذ شكل نوبات هلع، ويخلق ذلك عند الأطفال درجة من درجات الانطوائية وخوفًا من الاحتكاك بالمجتمع الخارجى، كما يعانى الطفل صعوبات في النوم واضطراب الشهية، وتُسمى حالات الإجهاد الحاد، كما يتعرض الأطفال أيضا لكوابيس أو رؤى نهارية لها علاقة بفاجعة الزلزال. أضافت، أن بعض الأطفال بنسبة 25 % تتطور حالتهم إلى إجهاد ما بعد الصدمة، وهنا يدخل الطفل في حالة قلق عام، وتستمر هذه الحالة لشهور أو لسنوات، إذا لم يتم تقديم الدعم والمعالجة النفسية اللازمة لهؤلاء. كما أن صعوبة التعبير عن مشاعرهم مثل الكبار ـ تقول الدكتورة نيكول ـ يجعل تلك المشاعر تنعكس على أعضائهم وتترجم إلى أعراض جسدية مثل التبول اللاإرادي و آلام الرأس أو البطن، كما قد يصابون بفرط الحركة أو بقلة الحركة. وبحصوص كيفية التعامل مع الأطفال المتضررين، تقول: إنه يلزم توفير الاستقرار المعيشى و النفسي لهم، والمسارعة بتقديم العلاج النفسي لهم في المراحل الأولية، تفاديا لدخولهم في تداعيات نفسية أكثر خطورة، أما بالنسبة إلى الأطفال الذين لم تسجل منطقتهم أي حالات وفاة ـ توضح الدكتورة ـ  فهنا يستوجب علينا أن نكون مساندين لهم ونحميهم من كم المعلومات غير الدقيقة التي يتعرضون لها، مشيرةً إلى ضرورة المواكبة النفسية الاجتماعية للطفل، لمساعدته على التأقلم مع واقعه الجديد.

1

من جانبه، يقول الطبيب النفسى المغربى محسن بن ذكور، لـ"اليوم السابع"، إن كارثة الزلزال خلفت مآسى عديدة، ووفق إحصائيات الحكومة المغربية و"اليونيسف" فقد بلغ عدد الأطفال المتضررون جراء الزلزال100 ألف طفل، بعضهم يعانى يتمًا جزئيا أو كليًا ، والبعض الآخر فقد زملاء الدراسة وآخرون فقدوا منازلهم، يؤثر ذلك على النمو النفسى للطفل كما أن الحرمان المفاجئ من الشعور بالأمان يولد لدى الأطفال القلق المرضى، و الكآبة، والتوهم بإمكانية تكرار الزلزال، يجعلهم مضطربين طوال الوقت .

ولأجل استعادة التوازن النفسي لهؤلاء الأطفال، تقول الدكتورة آمال لديد، إخصائية نفسية وعضو بالجمعية المغربية للأخصائيين النفسيين الإكلينيكيين، إن أول ما يحتاجه الطفل هو الحماية والرعاية وتواجده مع أقرانه ممن يمرون بالمحنة نفسها، و تواجده مع أشخاص اعتاد العيش معهم، مثل الأقرباء والأصدقاء، مشيرة إلى أن الجمعية تعمل على تكوين فريق مساعدين وتمكينهم من آليات الدعم النفسي لمساعدة الأطفال على تجاوز تداعيات الصدمة ورفع درجة اللياقة النفسية للوقاية.

2

إحدى ضحايا الزلزال

قوانين حماية الطفل

جمعيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل، تُعد أحد خطوط الدفاع الأولى ضد الاعتداءات بكافة أشكالها على حقوق الإنسان ونختص هنا الأطفال وحمايتهم من الانتهاكات، فى هذا الصدد يقول عمر أربيب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لـ"اليوم السابع": "لاحظنا حالات تحريض من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، عبر تدوينات، لاستغلال الأطفال والقاصرات، فتقدمنا وعدد من الجمعيات الحقوقية ببلاغات للنيابة العامة ضد هؤلاء المحرضين، وبالفعل تم مؤخرًا إصدار أحكام ضد الذين روجوا لذلك، ولكنها أحكام قاصرة لا توازى خطورة الجريمة.

يستطرد أربيب، قائلًا، شملت تلك التجاوزات انتهاك كرامتهم من خلال التقاط صور للبعض منهم أثناء التهافت على المساعدات الغذائية، هذا ما رصدناه فى عدد من قرى إقليمى شيشاوة والحوز المتضررة، وتقدمنا ببلاغات أيضًا للنيابة العامة، وطالبنا بفتح تحقيق بشأن هذه التجاوزات، إلى جانب نشر رسائل التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعى لحث المواطنين على الإبلاغ الفورى عن أى شكل من أشكال الانتهاكات للأطفال. وبالنسبة للموقف القانونى من تلك التجاوزات، يوضح أربيب أن هناك موادا فى قانون العقوبات المغربى تجرم التحرش  بالقاصرات أو التحريض عليه، كما أن اتفاقية حقوق الطفل الموقعة عام 1989، والبروتوكولين الملحقان بها سنة2000؛ تنص على حماية حقوق الطفل(أقل من 18 سنة)، وتجرم كافة أشكال استغلاله أو الاعتداء على خصوصيتهم حتى بالتصوير.

لكن قوانين حماية الطفل فى الدول النامية لا تزال قاصرة وبها الكثير من العوار ـ يؤكد أربيب ـ فليس هناك قوانين تجرم تصوير الأطفال فى أوضاع تهدر كرامتهم، ولا توجد عقوبات رادعة لتصويرهم دون إذن ذويهم أو استغلالهم، وعلينا معالجة هذا الخلل الخطير، ووضع قوانين صارمة كتلك المعمول بها فى أوربا الشمالية حيث تصل عقوبة نشر صور لطفل يتعرض للتحرش ـ على سبيل المثال ـ لعشر سنوات. وفى هذا الصدد، يوضح أربيب، لقد تقدمنا بمقترحات تعديلات للقانون الحالى تهدف إلى تغليظ العقوبات الخاصة بجرائم استغلال الأطفال، وهناك مشروع قانون من المقرر مناقشته بالبرلمان المغربى قريبًا.

وفى السياق نفسه، يضيف رئيس منظمة "بدائل للطفولة" محمد النحيلى، إنه كان يتعين على وزارة التضامن إعداد خطط مسبقة للتعامل مع الكوارث بالشراكة مع المجتمع المدني، تشمل تحديد الأماكن التي يوضع فيها الأطفال حال وقوع الكارثة، وإعداد وحدات ميدانية لحماية الأطفال تضم فرقا متنوعة فى مجال الدعم الطبى و النفسي والمجال التربوي.

فى السياق نفسه، تقول نجاة أنور رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" (لا تلمس ولدي)، لـ"اليوم السابع"، إن هناك العديد من المنابر الإعلامية الجادة التى كان لها دور مهم في التنسيق مع فرق الإنقاذ والاغاثة في مساعدة الضحاي، إلا إننا سجلنا عددا من حالات التحرش واستغلال الأطفال من قبل بعض المؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك رصدنا حالات لتجاوزات لا أخلاقية بحق الأطفال، قام بها متطوعون ، من خلال تصوير أطفال أثناء تلقى المساعدات الغذائية دون إخفاء وجوههم بغرض الشهرة، بل إن البعض استغل الوضع ليتحرش بالأطفال والقاصرات، والبعض أيضا روج لدعوات عبر مواقع التواصل تحرض على الزواج بالقاصرات، وقد تلقينا العديد من الشكاوى من قبل بعض الأهالى والغيورين على الطفولة الذين رصدوا حالات لاستغلال الأطفال .

 ونحن كجمعيات حماية الأطفال ـ تقول أنور ـ قمنا بتقديم بلاغات لتوقيف هؤلاء المتحرشين بالأطفال ممن يعرضون سلامتهم للخطر، كما قمنا بالعمل على توعية المجتمع من أجل حماية الأطفال ضحايا الزلزال من "البيدوفيليا"، وهم الشواذ الذين يعانون نوعًا من الاضطرابات الجنسية، فيسعوا لاستغلال أى وضع كارثى من أجل التقرب من الأطفال واستغلالهم جنسيًا.

وبالنسبة للقوانين التى تحمى حقوق الطفل فى المغرب، ترى "أنور" أنه رغم تحقيق العديد من  المكتسبات القانونية عبر مصادقة المغرب على قوانين واتفاقيات دولية تحمى الأطفال والقاصرين و تجرم انتهاكات خصوصيتهم، إلا أنه لايزال هناك بعض فصول القانون الجنائي تحتاج تعديلا من أجل ردع مثل هؤلاء المستغلين، وقد أُطلقت دعوات لاعتماد قوانين أكثر صرامة وتغليظ العقوبات فى هذا الخصوص، خاصة اعتماد 30 سنة كأدنى عقوبة وإلغاء حالات التخفيف في جرائم اغتصاب الأطفال، و هو ما نخاطب به الجهات الرسمية.

وعلى صعيد التجاوزات بحق الطفولة أيضا، تقول بشرى عبدو مديرة جمعية التحدى للمساواة والمواطنة بالمغرب، هناك بعض من معدومى الضمائر، أقدموا على استغلال أطفال هم فى أمس الحاجة للدعم النفسى، وأخذ الاستغلال أشكالًا عدة فمنهم من قَبَل الأطفال وعانقهم بطريقة تنتهك خصوصيتهم فى وقت لم تكن عائلاتهم بجوارهم، بجانب التشهير بهم عبر منصات التواصل الاجتماعى و ممارسة التنمر والعنف الرقمى، والترويج لتزويج القاصرات اللاتى فقدن عائلاتهن، وهنا نُحمل الجهات المعنية بحماية حقوق الطفل والسلطات القضائية مسئولية ملاحقة مستغلى الأطفال.

4
شاب استغل صورته مع إحدى طفلات"الزلزال"وأرفق كلمات ليحرض على الزواج منهن
تصوير الأطفال

من جانبها، تدخلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية فى قضية استغلال صور ضحايا الزلزال من الأطفال، ونشرها دون مراعاة الالتزام بميثاق الصحافة، حيث أصدرت النقابة ـ  بيانًا رسميًا ـ أوضحت فيه تلقيها العديد من الشكاوى بشأن فوضى النشر فيما يخص صور الضحايا بإقليمى الحوز وتارودانت، مُذكرةً بالمادة الرابعة من ميثاق أخلاقيات المهنة الصادر عن المجلس الوطني للصحافة، والتى تنص على أن لكل شخص الحق في تملك صورته وتحديد طرق استعمالها من قبل الغير، إلا إذا كانت الصورة المستخدمة تدخل في إطار ضرورات الإخبار أو مبررة موضوعيا بمصلحة عامة، أو إذا كان المعني شخصية عامة، أو موافقا على التقاط الصورة، مشددًة على خصوصية صور الأطفال وألا يتم نشرها إلا بموافقة ذويهم.

وناشدت النقابة هيئات التحرير تحرى الدقة قبل النشر لتجنب المساس بحقوق الآخرين، مذكرة بأن هذا الموقف قد حدث خلال عملية إنقاذ الطفل ريان الذي سقط في بئر بإقليم الشاون، حيث أصدر المجلس الوطني للصحافة بيانا أكد فيه رفض الممارسات المشينة، التي رافقت تغطية عملية إنقاذ الطفل،حيث ارتكبت عدة خروقات لميثاق أخلاقيات الصحافة، من قبل بعض الصحف الإلكترونية، في تجاهل لمبادئ الإنسانية التي يتضمنها الميثاق سالف الذكر، والتي من المفترض الالتزام بها خاصة في تغطية الكوارث والفواجع، وشدد المجلس على أن هذه لا يمكن أن تتحول إلى مجال للتربح المادي والإثارة الرخيصة بهدف زيادة عدد المشاهدات وغيرها من أساليب المتاجرة بالمآسي الإنسانية.

 وهذه الخروقات ـ على سبيل المثال ـ تشمل تصوير الطفل في وضعية إنسانية صعبة، مما يشكل ضررا لمشاعره ومشاعر عائلته، ,خرق مبدأ الحق في الصورة، و تصوير أو استجواب أطفال وهم في حالة إنسانية غير طبيعية، ونشر صور قاصرين عبر أشرطة مصورة بمحيط الواقعة، بغرض الإثارة، فكل هذه الأفعال منافية للمحور الثاني من ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الخاص بالمسؤولية إزاء المجتمع ولاسيما البند التاسع منه المتعلق بحماية القاصرين، وأيضا مخالفة المحور الأول من ميثاق أخلاقيات المهنة، ولاسيما البند الأول منه، المتعلق بمحاولة ترويج أخبار غير صحيحة. ودعا المجلس مختلف وسائل الإعلام، إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة ومبادئها النبيلة، منبها بأن تغطية الفواجع الإنسانية، تعتبر محكا رئيسيا لمدى احترام الصحافة لمسؤوليتها الاجتماعية، مؤكدا أنه بصدد ضبط مختلف الخروقات التي قد تستحق المتابعة التأديبية، لتفعيل ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، طبقا لما يسمح به القانون المحدث للمجلس ونظامه الداخلي وقواعد التصدى للانتهاكات.

استغلال الأطفال

وأمام الاستغلال الذى تعرض له بعض أطفال الزلزال ، كان لـ"نادي الصحفيين المعتمدين" بالمغرب، موقف حيث أدان الكاتب الصحفى جلال المخفي رئيس النادى التصرفات اللاأخلاقية للممارسة الصحفية، التى لم تراعِ السياق الإنسانى والثقافي في تغطية الكارثة، مُستغلين صور الأطفال في وضعية هشاشة؛ للتربح من خلال حصد المشاهدات، مشيرا إلى أن النادى أصدر تذكيرا بالقواعد الأخلاقية لتغطية الكوارث الطبيعية، يتضمن محاذير تخص الأطفال، مؤكدا ضرورة أن يكون نشر الوعي وصقل القدرات جزءًا من الاستراتيجية الوطنية لمجابهة المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، فغالبا الانفلات الإعلامى وقت الكوارث لا يكون الصحفيون هم السبب الرئيسي فيه، بل المؤثرون بمواقع التواصل الاجتماعي. وشدد المخفى، على أنه لا عذر لأى صحفى يجهل أو يتجاهل القواعد المهنية والأخلاقية المتعلقة بحماية خصوصية الأطفال والفئات الهشة لما قد يسببه ذلك من وصم مدى الحياة.

وعن الإجراءات التى يمكن للسلطات المغربية اتخاذها حال تكرار ذلك، يوضح المخفى، أن هناك إجراءات تقنية، من بينها وضع اشتراطات ملزمة للصحفيين الأجانب قبل منحهم التراخيص، مثل تلقيهم تدريب خاص بتغطية الكوارث، ويمكن أيضا أن تُصدر وزارة الثقافة كتيبا يتضمن المعايير المهنية والأخلاقية لتغطية الكوارث الطبيعية، يتم توزيعه على الصحفيين، إلى جانب تقوية قدرات هؤلاء بالتعاون بين المؤسسات المعنية والجمعيات والمنظمات التي تمثل الصحفيين. ويشير المخفى إلى دور الجهات المهنية في عملية التتبع والرصد، ومخاطبة المؤسسات الإعلامية المعنية لإصدار تنبيهات إلى صحافييها بهذا الشأن.

حملات توعية

بالتأكيد ممارسو المهنة بالمغرب كانت لهم رؤية بهذا الخصوص، أطلعنا عليها الكاتب الصحفى المغربى، محمد البلاوى، قائلًا إن حماية الأطفال وحقوقهم قضية تمثل التزامًا جماعيا دوليا، وفى مقدمة هذه الحقوق، حق الحماية من التحرش والعنف.

يستطرد البلاوى، فى حديث لـ"اليوم السابع"، لقد سادت موجة غضب بين المغربيين خلال فترة الزلزال؛ بسبب تداول منشورات تروج لتزويج فتيات قاصرات فقدن عائلاتهن، فضلاً عن رصد تدوينات وصور على مواقع التواصل، تحتوي على مضامين مسيئة للأطفال الضحايا، فظهرت مخاوف بشأن استغلالهم خاصة القاصرات فى "الاتجار بالبشر".

وفي سياق مواجهة تلك المخاوف أطلقت وزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة، عملية إحصاء للأطفال الأيتام لتمكينهم من الاستفادة من خدمات مراكز حماية الطفولة التي تم إنشاؤها، كما جرت تعبئة جمعيات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية المعنية بالأطفال والنساء، ووحدات حماية الطفولة، من أجل تقديم الدعم النفسي لهم، وإطلاق حملات توعية ضد محاولات استغلال هذه الفئات، وتم تخصيص خط ساخن للإبلاغ عن أية حالات عنف أو تجاوز بحق الأطفال، كما صدرت تعليمات ملكية بمنح الأطفال المتضررين، ولا سيما الذين فقدوا أُسرهم، صفة "مكفولي الأمة"، ما يمنحهم مجموعة من الامتيازات الاجتماعية التي تصون كرامتهم، وتحفظ حقوقهم، وتحميهم من الاستغلال، من بينها حق الاستفادة من الرعاية المعنوية والمساعدة المادية حتى بلوغهم سن الرشد، وكذلك الحق في الخدمات التي تقدمها مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين والمحاربين، فضلاً عن أسبقية قبولهم في المدارس الابتدائية، وأسبقية الحصول على منح دراسية.

يلتقط أطراف الحديث الإعلامى عمر القادرى، بإذاعة المغرب، قائلا إن وسائل الإعلام و الصحافة خاصًة المحلية كانت مطالبة بالتحلى بأعلى درجات المهنية والالتزام بأخلاقيات المهنة أثناء عملها بتغطية الفاجعة، في سياق روح التعبئة الوطنية للإسهام في تدابير تبعات الزلزال، بما في ذلك تقديم أخبار صحفية نزيهة تتعلق بالقنوات الرسمية المفتوحة أمام التضامن الشعبي الإنساني مع الضحايا والمنكوبين و ذويهم، لكن على أرض الواقع ـ يستطرد عمر فى حديثه لـ"اليوم السابع"، لاحظت أن قلة فقط هم من سلكوا السبيل الصواب في تناول جوانب الكارثة؛ ساعد على ذلك ضعف الوعي لدى غالبية المتلقين الذين لا يتوثقون من دقة المعلومات، مما أدى إلى تداول أخبار ومحتويات تسيء لمنكوبي الزلزال، وفي مقدمتهم الاطفال والقاصرات، والفيديوهات التي شاهدها الملايين حول العالم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى قد عرضت جوانب مظلمة في السلوك الإنساني. وفى هذا الصدد، تظهر مسئولية المجلس الوطني للصحافة المخول له الاشراف على الميدان الصحفى بالمغرب لإلزامهم بأطر تغطية الكوارث الطبيعية .

مشروع قانون 

وعلى صعيد متصل، كان للبرلمان المغربى موقف أيضًا من تلك التجاوزات توضحه لـ"اليوم السابع، النائبة ببرلمان المغرب عزيزة بوجريدة، قائلة إنه للأسف فى خضم كارثة كبرى مثل الزلزال وجدنا بعض وسائل الإعلام الأجنبية تقوم بتغطية تخلو من أخلاقيات المهنة التي تقتضي الصدق والنزاهة في نقل الخبر والأحداث. كما تم رصد بعض السلوكيات المشينة ـ تقول بوجريدة ـ التي ارتبطت بنشر صور ومحتوى لأطفال يتلقون مساعدات، وقد تفاعلت السلطات القضائية مباشرة ، وتم تخصيص رقم ساخن للإبلاغ عن مثل هذه الحالات ومن جهتنا تم تفعيل الرصد واليقظة للتفاعل مع هذه الحالات.

ومن الناحية القانونية، فإن دستور 2011 قد جعل مسألة الطفول مقتضى دستوري، حيث نص في الفصل 32 على توفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، كذلك هناك اتفاقية حقوق الطفل والقانون الجنائي المغربي، كما أن المغرب قد صادق على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل منذ 1993 .

يستكمل الحديث الدكتور عيدودى عبد النبى النائب بالبرلمان ومدير المركز المغربى للقيم، قائلًا : لقد سبق مناقشة تقارير منظمات دولية حول وضعية الطفولة بالمغرب، العام الماضي وانتقل وفد نيابي مغربي بمعية وزير العدل إلى جنيف وناقشوه في سياقاته الدولية ، وجارى دراسة لإعداد قانون يجرم و يشدد العقوبات على كل من يستغل او ينتهك حقوق الطفل بالمغرب، وقد صدرت أيضا تعليمات ملكية لرئيس الحكومة بتعديل مدونة الأسرة خلال 6 أشهر، لتشمل التعديلات مزيدا من الحقوق  للمرأة والطفل منها تجريم زواج القاصرات و تمكين الأم من الحق في الحضانة في حالة الزواج و تمكينها من الولاية الشرعية على الأولاد في حالة سفرها خارج الوطن أو انتقالها و نقل ابنها أو ابنتها معها للدراسة ببلد آخر، وغيرها من التعديلات لمزيد من تمكين المرأة والطفل من حقوقهم.

الموقف الأممى

موقف الأمم المتحدة مما تعرض له أطفال كارثة المغرب من تجاوزات، يوضحه فتحى الدبابى، مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام بالرباط، لـ "اليوم السابع"، قائلًا إن الأمم المتحدة تقوم على احترام حقوق الإنسان وترفض أي شكل من أشكال انتهاك خصوصية الطفل وحقوقه، مشيرا إلى أن هناك اهتماما خاصا بدعم برامج العناية بالطفل في المغرب بشكل عام، خاصًة الطفل فى المناطق النائية، كما أن للأطفال نصيبا مهما من المشروعات التنموية التي تقوم بها الأمم المتحدة بالتنسيق مع الحكومة المغربية، وفق اتفاق إطارى للتعاون يتم إبرامه كل خمس سنوات.

وعن الدعم الأممى للمغرب لمجابهة تداعيات الزلازل ، يضيف دبابى، إن الأمم المتحدة لا تزال على تواصل وثيق مع السلطات المغربي بشأن الاستجابة لتداعيات زلزال الحوز، وتؤكد وضع إمكانات المنظمة تحت تصرف السلطات المغربية حال رغبت فى أية مساعدة.

وعن الجهود التي قدمتها المنظمة الدولية منذ وقوع الكارثة، قال الدبابى "هناك بعثة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" قد زارت المغرب، لمساعدة الفريق القطري للأمم المتحدة في مجال تقييم وتنسيق الإستجابة للكوارث. ومن جانبها حثت منظمة "اليونيسف" التابعة للأمم المتحدة العاملين في المجال الإنساني لدعم جهود الاستجابة الفورية على أرض الواقع؛ وأبدت استعدادها أيضًا لتقديم مزيد من المساعدات للوصول إلى الأطفال المتضررين بالدعم اللازم، كما أنها نوهت بقلقها بشأن الخطورة التى قد يتعرض لها الأطفال جراء استمرار الهزات الارتدادية، حيث إن تدمير المزيد من المنازل، يؤدى إلى نزوح الأسر، إضافة إلى الخسائر بالمدارس والمستشفيات، مما يؤثر بشكل أكبر على الأطفال.

مراكز إيواء غير صالحة!

لم تقتصر معاناة هؤلاء الضحايا من الأطفال على الجوانب سالفة الذكر، بل تمتد المعاناة أيضًا إلى الإقامة بمراكز إيواء التلاميذ، الذين أجبرتهم تداعيات الزلزال على الانتقال إليها لاستئناف دراستهم، وتتركز غالبيتها فى مدينة مراكش بعيدا عن ذويهم، حيث إنه "لم تكن هناك رؤية استباقية للأماكن التي سينتقل إليها هؤلاء التلاميذ.. الوضع الكارثي لهذه الداخليات"، وفق النائبة المغربية فاطمة التامنى، التى وجهت استجوابا لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي  بخصوص تجهيزات المراكز التى تم نُقل إيها التلاميذ المتضررين .

فى هذا الصدد، قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، إن ثلثى التلاميذ المتضررين حُرموا من استئناف دراستهم، بسبب عدم تنظيم عملية نقلهم من مناطق الزلزال لمؤسسات تعليمية داخلية بديلة، مشيرة إلى أن  المؤسسات التى تم إيواء التلاميذ فيها، غير صالحة للاستخدام الآدمى، حيث تنعدم بها الشروط الصحية للإيواء والتغذية والنظافة، فهى مغلقة لأكثر من عشرين عاما دون صيانة ،كداخلية ثانوية محمد الخامس بباب أغمات، على سبيل المثال.

أضافت الجمعية، أن عملية الإيواء لم تراعِ أيضا احترام خصوصية التلميذات والتلاميذ، حيث إنه فى بعض الأماكن تم إدماجهم بداخلية واحدة مما أدى إلى مغادرة  15 تلميذة للداخلية، إضافة إلى إشكالية غياب الشفافية فى توضيح وجهة إيواء التلاميذ لعلائلاتهم، حيث تم إخبارهم بنقل أبنائهم إلى مراكش فقط، بينما البعض منهم نُقلوا إلى منطقة سيدي الزوين، مما تسبب في مغادرة 20 من التلاميذ لمدرسة "سيدي الزوين".

ولفتت الجمعية إلى إن وزارة التربية الوطنية ليس لديها معلومات دقيقة بخصوص أعداد التلاميذ المتابعين حاليا للدراسة مقارنة بالأعداد المسجلة قبل الزلزال، فهناك تفاوت تم رصده بين المسجلين فى المراحل التعليمية المختلفة والذين تم نقلهم لمراكز الإيواء، فقد تجاوز الفارق فى بعض المؤسسات 100 تلميذ وتلميذة .

من جانبها كانت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة قد أقرت، فى بيان سابق لها، بما جاء في مقطع فيديو تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعى نشرته إحدى التلميذات بالقسم الداخلي للثانوية التأهيلية بن يوسف للتعليم بمراكش، كشف الوضعية المزرية للغرف المخصصة للإيواء.

رد وزارة "التربية"

وفى سياق رد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة بالمغرب على هذه الانتقادات، يقول فؤاد شفيقى المفتش العام للشئون التربوية بالوزارة، لـ"اليوم السابع"، إن الوضع كان شديد الصعوبة، خاصة فى ظل وعورة الطرق المؤدية إلى المناطق المنكوبة، ما ضاعف أيضًا الخسائر لاسيما فى المؤسسات التعليمية بتلك القرى فبلغت 1040 مؤسسة وتضرر حوالى 80.000 طالب منهم 6% منهم لم يستأنفوا دراستهم حتى الآن؛ لتعذر إدخال شاحنات تنقل وحدات أو خيام للدراسة بتلك القرى فالطرق المؤدية لها شديدة الوعورة.

ويستطرد شفيقى قائلا: كان الهدف الرئيسى للدولة بعد إنقاذ الضحايا، هو توفير بدائل سريعة للتلاميذ لاستئناف دراستهم، وبعض تلك المراكز التى نُقلوا إليها لم تكن مجهزة بشكل جيد،واضطررنا لاستخدامها لأن الزلزال كان مفاجئا للجميع، وجارى استكمال تجهيزها.

ويوضح الإجراءات التى اتخذتها الوزارة، قائلا: لقد قمنا أولاً بإحصاء المدارس المتضررة وتصنيفها إلى 3فئات تشمل مؤسسات هُدمت بالكامل، و مؤسسات هُدمت جزئيا(150مدرسة)، وثالثة بها شقوق طفيفة، وتم اللجوء لعدة حلول منها الاستعانة بخيام ووحدات متنقلة لاستقبال الطلاب. إضافة إلى وضع خطة لنقل 9000طالب إلى مناطق بعيدة عن القرى المتضررة، وبالفعل تم نقل 4000من طلاب المرحلتين الإعدادى والثانوى من إقليم الحوز إلى 5مؤسسات داخلية فى مدينة مراكش، وفى إقليم شيشاوة تمت الاستعانة بالخيام لاستيعاب الطلاب ، وأيضا تم نقل التلاميذ المتضررين بإقليم تارودانت إلى مؤسسات داخلية لتلقى التعليم. أما بالنسبة للشكوى المتعلقة بعدم جاهزية مراكز الإيواء، فأؤكد أن 4 مراكز بمراكش كانت كاملة الجاهزية أما المركز أو المؤسسة الخامسة وهى "بن يوسف بمراكش" فقد كانت مغلقة منذ سنوات، وبمجرد أن وصل لنا الفيديو الذى يصور الأوضاع المتردية بإحدى الدخليات، فعلى الفور انتقل وزير التربية لمعاينة المكان وأصدر تعليمات بنقل التلاميذ إلى مؤسسة أخرى، وأكد البدء فى إجراء إصلاحات بغرف إقامة الطلاب.

ويشير شفيقى إلى أن خطة الوزارة لإعادة تأهيل المدارس تمتد حتى نهاية العام الدراسى، والآن تقوم اللجان التقنية بفحص البنايات وتحديد الأولوية منها على أن تنتهى من عملها نهاية أكتوبر الجارى لتنطلق عملية الإعمار.

Capture
خيام الدراسة

مواجهة الشتاء القادم

أيام تفصلنا عن فصل الشتاء، وهو ما يفرض معاناة إضافية على هؤلاء المتضررين، وبالنسبة للاستعدادات الخاصة بالشتاء بقرى الزلزال، يوضح هشام بلعطار رئيس اتحاد "جمعيات المجتمع المدنى" بمنطقة أوريكة بإقليم الحوز، لـ"اليوم السابع"، أنه منذ أيام تم تخصيص 250 مليون دولار لإطلاق أعمال البناء بالمناطق المنكوية، والبداية تكون خلال أيام فى إقليم شيشاوة، وهناك لجنة تقنية تشتغل على المواد التي سيتم البناء بها، إلى جانب لجنة من المهندسين المعماريين لوضع تصور لشكل القرى، وسيتم استخدام الذكاء الاصطناعي أيضا لدعم هذا المشروع.

وفى هذا الصدد يوضح الدكتور عيدودى عبد النبى النائب بالبرلمان ومدير المركز المغربى للقيم ، أنه تم صرف المكافأة الشهرية لأكثر من 59674 أسرة بقيمة 2500 درهم ، وستبقى الدولة تدعم هذه الأسر لمدة 12 شهرا، إضافة إلى برنامج إعادة إعمار المناطق المتضررة الذى يستهدف 4.2 مليون نسمة، ودعم قيمته 14 مليون درهم لكل منزل متهدم  بسبب الزلزال و 8 ملايين درهم لكل منزل تسبب له الزلزال في شقوق أو أصبح آيلا للسقوط، كما يتضمن البرنامج فتح 600 كليلو متر من الطرق المعبدة لفك العزلة عن المدارس و القرى وربطها بمدنها، كما سيتم بناء 1000 قسم للتعليم و 1500 مسجد، بالإضافة إلى إعادة تأهيل وهيكلة أكثر من 163 مركز قروى(محافظة) بها 2930 قرية .

ويضيف أن هناك مجموعة تدابير تتخذها المملكة استعدادا لفصل الشتاء أهمها استحداث مراكز ايواء مجهزة لمقاومة تاثيرات البرد والثلوج، إضافة إلى توفير مخزون كافٍ من الأغطية وأجهزة التدفئة.

 

من جانبها توضح نجاة أنور رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" (لا تلمس ولدي) ، أن  المبادرات التضامنية لاتزال قائمة من أجل الشتاء، لكن المصاب جلل والخسائر كبيرة،  مشيرة إلى أن منح صفة "مكفولي الأمة" لأيتام الزلزال سيقطع الطريق أمام كل من يريد استغلال هؤلاء الأطفال، موضحة أنه ينبغي إحصاء  جميع الأطفال ضحايا الزلزال، وتحديد وضعية عائلاتهم حتى يتسنى وضع خطة تعامل حسب كل حالة، مع وضع الأطفال مؤقتاً في مكان آمن واعتماد برنامج تأهيلي لدعمهم نفسياً، ومساعدتهم لاستكمال دراستهم.

يخ 1445-04-20 في 21.13.50_47ff222e









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة