ماذا قال عباس محمود العقاد عن جائزة نوبل؟

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2023 09:00 ص
ماذا قال عباس محمود العقاد عن جائزة نوبل؟ العقاد
كتب عبد الرحمن حبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا شك أن جائزة نوبل تمثل أيقونة جوائز الأدب العالمية، وقد منحت خلال الأيام القليلة الماضية للكاتب النرويجى جون فوس أو كما يطلق عليه يون فوسة، لكن بعض الكتاب والأدباء كانت لهم آراء مختلفة في هذه الجائزة ومنهم الراحل عباس محمود العقاد الذى لفت النظر إلى وجهة نظر تدور حول معايير الجائزة التي رآها لا تعنى فقط بجانب الإجادة والشروط الفنية.

وقد قال في كتابه جوائز الأدب العالمية: إن جائزة نوبل تدل على تطور الحياة النفسية، كما تدل على تطور الحياة الفكرية، بأنها مشروطة بشروط أخرى غير شرط الإجادة والإتقان في أعمال الفن والأدب، وتلك هي شروط العمل لقضية السلام والثقة بالمثل الإنسانية العالية، وهي مسألة أخلاقية نفسية، تتغير النظرة إليها، ويتغير الشعور بها بين زمان وزمان، وبين قبيل وقبيل من أمم الحضارة.

ولهذا قصرنا الكلام في جميع هذه الأحاديث على هاتين الدلالتين: دلالة التطور في مقاييس الأدب والأخلاق، ودلالة الوظيفة العامة التي تؤديها الجائزة العالمية.

فلم نقصد إلى إفاضة القول في تراجم الأدباء؛ لأنه شرح يطول، ولا تحتمله هذه الصفحات إلا في حيز ضيق مُخِلٍّ بفائدة الترجمة، وأنفع من الإلمام به في حيزه الضيق أنْ يرجع إليه في مطولاته أو مختصراته عند الحاجة إليها.

ولم نقصد إلى الإفاضة في التعليق على مؤلفات الأدباء؛ لأن الشروح الطوال في هذا الباب ألزم من شروح التراجم والسير، ومواضعها — عند الحاجة إليها — ميسورة في كل لغة يكتب بها النقاد ومؤرخو الآداب.

إنما كان من اللازم أنْ نشير إلى ترجمة الأديب، أو إلى مؤلفاته، كلما كان في ذلك إشارة إلى ظروفه الخاصة التي جعلته موضع التمييز والمحاباة، وموضع الإهمال والإجحاف.

وقد أشرنا — فيما سبق — إلى ظروف كثيرة تفسر لنا أسباب التفاوت في أحكام اللجنة التي توزع جوائز نوبل الأدبية، ثم تفسر لنا كيف تتفاوت هذه الأحكام أحيانًا، لأسباب غير الخطأ في التقدير، وغير الاستسلام لأهواء النفوس البشرية في علاقات الأفراد والجماعات، وجائزة نوبل شديدة الصلة بالأهواء السياسية التي لا يسهل إغفالها؛ لأنها على صلة رسمية بموقف حكومتها بين الحكومات.

وجملة ما نوجزه في هذه الخلاصة الختامية من أسباب التفاوت جميعًا، أنها ضرورية لا مهرب منها في كل جائزة عالمية متكررة.

أولا لأنها تنظر في أعمال المؤلفين خلال سنوات متوالية في أمم مختلفة، وقد يستحقها في هذه السنة من هو أقل استحقاقًا لها قبل عشر سنوات، وقد يحرمها اليوم من كان أهلًا لها لو تقدم به الزمن، أو تأخر به، بين أقران غير الأقران، وفي موضوع غير الموضوع.

ولا بُدَّ أنْ يتفاوت التقدير «ثانيًا» لأن المحكمين يتغيرون، وتتغير الأذواق والمقاييس معهم بين حقبة وحقبة، وبين مدرسة ومدرسة من مدارس النقد والتفكير.

وتتفاوت الأحكام، «ثالثًا» لأن اللجنة مضطرة إلى اجتناب الشبهات، والحذر من تمييز أمة واحدة بين الأمم بنصيب من الجوائز يزيد على نصيب غيرها عند المقارنة العامة، ولو كثر المستحقون بالمصادفة في أمة واحدة، وقلَّ أمثالهم من المستحقين — بالمصادفة أيضًا — في أمة تناظرها، ولا تتخلف عنها في ميادين الثقافة أو ميادين العمل لقضية السلام ومبادئ الأخلاق.

فلو اتفق أنَّ اللجنة خَصَّتْ بجوائزها أديبين من أمة واحدة في سنتين متقاربتين، فمن أكبر الحرج لها أنْ تعود إلى تلك الأمة بجائزة ثالثة في السنة التالية، وأكبر الظن أنها تتحول بها عمدًا إلى أديب في أمة أخرى لا يساوي نظيره في الأمة الأولى، إذا جرت بينهما الموازنة على غير هذا الاعتبار.

وتتفاوت الأحكام «رابعًا» كلما اعترضت أزمات السياسة والحروب في وسط الطريق، فإن حكومة السويد تحتفل بتسليم الجوائز احتفالًا رسميًّا يحضره ملك البلاد، فلا يسع اللجنة الأدبية أنْ تحكم لأديب مستحق للجائزة، يعتبر الحكم له حكمًا لأمته، أو لقضية بلده، في معركة الخصومات الدولية، وهي تستحكم بين الدول الكبرى بين حين وحين.

وعلى هذه الحيطة من جانب اللجنة لم تسلم من الشبهات بغير الحق في كثير من السنين، فقد كان زعماء ألمانيا النازية يعتبرون حكمها لخصومهم اتهامًا للنازية بمحاربة السلام، وقد تكرر ذلك حتى أصبح ترشيح الأديب الألماني نفسه للجائزة عملًا مستنكرًا في نظر حكومته، وأعلنت الدولة النازية أنها تحرم على الأدباء أنْ يتقدموا لنيل الجائزة أو يقبلوها، وصدر مثل هذا الأمر من حكومات شتى، كانت في موقف دولي كموقف النازيين والفاشيين، ولم يكن لهذه الحكومات بدٌّ من إنشاء جوائز كبرى لأدبائها الممتازين، تساوي جائزة نوبل في طبقة التقدير، وإنْ لم تكن مساوية لها بحساب المال.

وقد يحدث التفاوت في جوائز نوبل لأسباب «محلية» لها أصولها التاريخية في بلاد السويد، فقد كانت هذه البلاد ملاذًا لكل مغضوب عليه من أعداء الكنيسة البابوية منذ القرون الوسطى، ولا سيما اليهود، وقد غلب النفوذ اليهودي على معاملاتها الدولية؛ لأنها أمة كثيرة العلاقات بالتجارة الخارجية، ومبادلات العملة على الخصوص، وهي سوق لا يبتعد عنها السماسرة من اليهود حيثما استقر بهم المقام، لا جرم كان لليهود حظ من جوائز نوبل يفوق نسبتهم العددية بكثير، وغلب ذلك على جوائز العلوم قبل جوائز الأدب، فربما صح أنْ يقال: إنَّ عدد العلماء اليهود الذين ظفروا بها لا يقل عن نصف عددهم في العالم بأسره، وربما صح — فوق ذلك — أن اللجنة لم تنصف أحدًا قط من خصوم اليهود، وممن لا يناصرون الصهيونية العالمية أو يقفون منها موقف الحذر والاشتباه.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة