أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

ذكرى 11 سبتمبر.. مراحل التحول في استراتيجيات "الحرب على الإرهاب"

الأحد، 11 سبتمبر 2022 04:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحول كبير شهدته الاستراتيجية الدولية في "الحرب على الإرهاب"، إذا ما قورنت بما كانت عليه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، والتي تحل ذكراها الحادية والعشرين، باعتبارها العملية الأبرز في تاريخ الإرهاب، ونقطة تحول في مسيرة جماعات الدم، من مجرد تهديد للمناطق التي تتخذها مقرا لها، إلى الانطلاق نحو تجاوز الجغرافيا التقليدية، إلى مناطق أرحب، بينما كان استهداف الولايات المتحدة في عقر دارها، في ظل ما يمكننا تسميته بـ"ذروة" الهيمنة الأحادية، بمثابة صفعة للحقبة الدولية القائمة، والتي افتقدت قدرا كبيرا من التوازن، مع سيطرة قوة دولية وحيدة على التوجهات العالمية، والعمل على فرضها، سواء عبر المرونة الدبلوماسية تارة، أو عصا العقوبات الدولية تارة أخرى.
 
وعلى الرغم من الإرهاب لم يولد في 11 سبتمبر، فقد كان يمثل تهديدا عالميا، قبل ذلك بسنوات طويلة، وربما طال الولايات المتحدة نفسها، من خلال بعض سفاراتها بالخارج، إلا أن الحدث الذي يمثل تغييرا كبيرا في وجهة العالم، كان تحولا مهما في "الحرب على الإرهاب"، من مجرد مهمة خاصة بكل دولة لحماية أمنها، إلى حالة دولية، تحتاج إلى تكاتف عالمي، عبر تدشين تحالف عسكري، تقوده واشنطن، لضرب معاقل الإرهاب، وهو ما بدا في غزو أفغانستان ثم العراق، بينما كان الشعار الأشهر الذي رفعه بوش، وهو "من ليس معنا فهو علينا"، أحد العلامات المميزة لتلك الحقبة، باعتبارها مؤشرا لحالة من "الديكتاتورية الدولية"، لا تسمح بالكثير من الحياد، تتماهى إلى حد كبير مع الطبيعة الأحادية للنظام الدولي.
 
إلا أن التحول المذكور ربما ليس الوحيد من نوعه، فقد شهدت المعركة استراتيجيات عدة، تبنتها الولايات المتحدة، منها ما يمكننا اعتباره "مهادنة"، عبر قبول التعامل مع الجماعات المتطرفة، وهو ما بدا إبان حقبة "الربيع العربي"، والتي مثلت فرصة استثنائية لهم، لاستغلال حالة الفوضى التي شهدتها دول المنطقة، للقفز على مقاعد السلطة، في إطار صفقة، تعتمد في الأساس على تقديم الشرعية الدولية لهم، مقابل عدم المساس بالولايات المتحدة ومؤسساتها، وهو ما يمثل حالة من التخلي الأمريكي الطوعي عن مسؤولياتها الدولية، القائمة على حفظ الأمن والاستقرار العالمي، باعتبارها القوى الدولية المهيمنة.
 
التخلي الأمريكي عن المسؤولية المنوطة بها، إبان العقد الماضي، ربما حمل العديد من التداعيات الكارثية، ربما أبرزها تحول الإرهاب رسميا نحو نطاق يتجاوز الإقليم، إلى العالمية، وهو ما يبدو في ظهور داعش، والذي تمكن بفضل التكنولوجيا الحديثة من اختراق مناطق تبعد عنهم بألاف الكيلومترات، بينما نجحوا في خلق خلايا لهم في مختلف مناطق العالم، وعلى رأسها أوروبا الغربية، والتي تمثل الحليف الأوثق لواشنطن، مما ساهم بصورة كبيرة في تراجع صورة الولايات المتحدة باعتبارها "القائد" الفعلي للعالم، وبالتالي تعزيز صورة قوى أخرى ساعية لمزاحمتها على عرش النظام الدولي، وعلى رأسها روسيا، والتي استغلت تراجع الدور الأمريكي في بعض المناطق، على غرار الشرق الأوسط، لملء الفراغ الناجم عن ذلك، وهو ما بدا بوضوح في المشهد السوري، عندما نجحت موسكو في دحض التنظيم الإرهابي هناك، بالإضافة إلى دورها في العمليات العسكرية التي شهدتها العراق.
 
وهنا أصبحت الاستراتيجية الدولية، في "الحرب على الإرهاب"، تحمل عدة مسارات، بعيد عن الرؤية الأحادية، فالولايات المتحدة باتت تتبنى استراتيجية تقوم على ما يمكننا تسميته بـ"الثأر" عبر استهداف قيادات القاعدة بشكل منفرد، من خلال عمليات تصفية مباشرة، وأخرها استهداف زعيم القاعدة أيمن الظواهري، ومن قبله حمزة بن لادن، وزعيم داعش أبو بكر البغدادي، وهي الاستراتيجية التي بدأت إرهاصاتها في حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، من خلال تصفية الزعيم التاريخي للتنظيم المتطرف أسامة بن لادن، في حين باتت هناك مسارات أخرى، تعتمد على القيادات الإقليمية، التي يمكنها المساهمة في القضاء على الإرهاب، انطلاقا من الداخل لديها، وحتى التحرك بصورة أكثر جماعية.
 
ولعل الاستراتيجية التي اعتمدتها مصر، تمثل نموذجا فريدا في هذا الإطار، حيث ارتكزت أولا، في أعقاب ثورة 30 يونيو، على دحض جماعات الظلام في الداخل، عبر المسار الأمني التقليدي من جانب، ومن خلال مسار تنموي وتوعوي، يعتمد بصورة كبيرة على حملات إعلامية منظمة، كما قامت بدور ملموس لتحقيق الهدف نفسه في العديد من الدول الواقعة في محيطها الجغرافي، بينما امتد دورها إلى مناطق أخرى عبر استلهام تجربتها، كما هو الحال في فرنسا، والتي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة التهديدات الإرهابية، وأبرزها تشكيل مجلس للأئمة المسلمين، وعدم استيراد خطباء من الخارج، في إطار محاولة صريحة لتصحيح الخطاب، والقضاء على دعاوى التطرف القادمة من الخارج.
 
وهنا يمكننا القول بأن استراتيجية الحرب على الإرهاب، شهدت مراحل متعددة خلال 21 عاما، منذ أحداث 11 سبتمبر، امتدت من التدخل العسكري المباشر، تحت قيادة دولية واحدة، مرورا بالمهادنة، وحتى سياسات التصفية المباشرة والاعتماد على القيادات الإقليمية، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لحالة التغيير الكبير التي تشهدها الحالة الدولية، في إطار حقبة جديدة لن تعتمد على قيادة واحدة بأي حال من الأحوال، بينما ستكون هناك أدوار أكبر للقيادات الإقليمية الأخرى، وفي القلب منها مصر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة