أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

من أوكرانيا إلى تايوان.. رؤية أمريكية نحو "عولمة" الصراعات الدولية

الإثنين، 08 أغسطس 2022 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"عولمة الصراع".. شعار تتبناه الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، عبر توسيع النطاق الجغرافي للتوترات الدولية، بحيث تتزامن حالة الارتباك على المستوى العالمي، وهو ما يساهم في توسيع تداعياتها على نطاق أكبر يتجاوز "الجغرافيا" الحقيقية للأزمات الراهنة، منها على سبيل المثال الأزمة الأوكرانية، إثر إصرار حلف الناتو، ومن ورائه الولايات المتحدة التوقف عن تضييق الخناق على روسيا، ليتحول الاشتباك الدبلوماسي بين موسكو والغرب إلى "كابوس"، يطارد القارة الأوروبية، بينما تبقى تداعياتها ممتدة إلى العالم بأسره، على خلفية ما ترتب عليها من أزمات الغذاء والطاقة، ناهيك عن موجات عاتية من التضخم، ربما تأكل الأخضر واليابس، في ظل تأثيرها المباشر على مواطني الدول، وهو ما ينذر، حال استمرارها بفوضى غير محسوبة، في الدول التي قد تعجز عن تقديم حلول حقيقية، من شأنها احتواء تلك التأثيرات.

الأزمة الأوكرانية تتكرر، ربما بنفس السيناريو، وإن اختلفت الأسباب المباشرة، في تايوان، إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايبيه، في تحد صريح لسيادة بكين وهو ما يعني يعنى اتساع النطاق الجغرافي للأزمات، عبر دخول القارة الآسيوية، في معركة مباشرة جديدة، بينما ستحمل هي الأخرى، إن اندلعت، إلى تداعيات دولية وعالمية خطيرة، في الوقت الذي لم يتعافى فيه العالم من تداعيات الجائحة، في حين أنه مازال يصارع بقوة في مواجهة الصراع في أوكرانيا، وبالتالي لن يحتمل المزيد من الصراعات الدولية في اللحظة الراهنة.

ومن أوكرانيا إلى تايوان، يثور التساؤل حول ماهية الاستراتيجية الأمريكية القائمة على تفاقم الصراعات في العالم، في الوقت الذي تحمل فيه تلك الصراعات تأثيرات مباشرة على الداخل الأمريكي نفسه، وهو ما يبدو في العديد من الشواهد، والتي لا تقتصر على مجرد زيادة التضخم، وحالة الركود الاقتصادي، وإنما تمتد إلى المشهد السياسي، في ظل ليس فقط ارتفاع شعبية الخصوم من الحزب الجمهوري، قبل انتخابات التجديد النصفي، وإنما تحديدا في عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، وجناحه الشعبوي، إلى الظهور مجددا في لحظة فارقة، في ظل نواياه المحتملة حول خوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية مجددا في 2024.

ولعل المتابع للنهج الأمريكي في التعامل مع المحيط الدولي، في ظل مراحل قيادتها العالمية، ربما يجد أنها تقوم في الأساس حول فكرة "البحث" الدائم عن صراع، فواشنطن أصبحت القائد الفعلي للغرب، من رحم الحرب العالمية الثانية، ثم قادت المعسكر الغرب، بفضل الحرب الباردة، ثم تحولت، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نحو خلق خصم جديد، عبر ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"، يمكن من خلاله الدخول في صراع جديد، وقيادة العالم من خلاله، في إطار "صراع الحضارات"، والتي سبق وأشرت لها في مقالات سابقة، بالإضافة إلى كونها متداخلة في القضايا الرئيسية في العالم، والتي دارت في معظمها داخل منطقة الشرق الأوسط، على غرار القضية الفلسطينية، والأزمة الإيرانية، ناهيك عن المعركة ضد الإرهاب، سواء في العراق أو سوريا، خلال العقد الأخير، قبل أن تقرر واشنطن الانسحاب من الساحة الإقليمية.

إلا أن فكرة الانسحاب الأمريكي لم تقتصر على منطقة الشرق الأوسط، وإنما باتت ممتدة، عبر حديث متواتر، بدأ منذ بداية حقبة الإدارة السابقة، عبر التلويح بالانسحاب من الناتو تارة أو إعادة هيكلة القوات الأمريكية في أوروبا، عبر نقل جزء كبير منها إلى الجانب الشرقي، ناهيك عن الحديث عن إمكانية تخفيف الوجود العسكري في آسيا، خاصة في كوريا الجنوبية واليابان، وهو الأمر الذي أثار قلق الحلفاء بصورة كبيرة، جراء تضارب المصالح لأول بين واشنطن وحلفائها، إثر الرؤية التي باتت تتبناها الإدارة السابقة، وواصلتها الحالية، حول تقليص غطاء الحماية الممنوح للحلفاء، وهو الأمر الذي دفعهم نحو اتخاذ نهج جديد، عبر البحث عن بدائل، من شأنهم تعويض الفراغ الناجم عن الغياب الأمريكي.

وهنا تصبح الحاجة ملحة إلى التحول من فكرة "البحث عن صراع"، إلى "عولمة الصراع"، عبر العمل على توسيع نطاق الصراعات الدولية من المستوى الإقليمي، على غرار منطقة الشرق الأوسط، والتي اقتصرت فيها حالة التوتر والتداعيات المترتبة عليها على نطاق محدود، إلى صراعات ذات صيغة عالمية، من شأنها إثارة التوترات الدولية في نطاق جغرافي متسع، بينما تمتد تداعياتها إلى مساحات أوسع متجاوزة نطاق الصراعات الأصلية، وهو ما يساهم في النهاية إلى عودة الحلفاء مجددا للدوران في فلك واشنطن، وبالتالي ترميم معسكرها الدولي، بالإضافة إلى توسيعه عبر انضمام أعضاء جدد، من الدول التي سبق وأن أعلنت موقفا حياديا تجاه الصراعات الدولية.

الرؤية الأمريكية ربما حققت قدرا من النجاح، نظريا، في بعض مناطق أوروبا، فيما يتعلق بالموقف من روسيا في إطار الأزمة الأوكرانية، منها مثلا تغيير مواقف بعض الدول، على غرار السويد وفنلندا، واللتين قررتا التخلي عن حيادهما، عبر طلب الانضمام إلى حلف الناتو، بينما تبنت دول الجانب الغربي من القارة مواقف دبلوماسية متطابقة مع واشنطن، إلا أنه من الجهة العملية، ربما نجد أن ثمة انقسام غير مسبوق في المعسكر الأوروبي تجاه ما يتعلق بالعقوبات ضد موسكو، في ظل الارتباط المباشر معها في العديد من المصالح الهامة، على غرار الغاز، والغذاء وغيرهما.

الأمر نفسه قد ينطبق في الحالة التايوانية، في ظل ارتباط العديد من القوى الآسيوية بالصين، وروسيا، والتي تمثل حليفا قويا لبكين، وأحد أكبر الداعمين لها في أزمتها مع واشنطن، في إطار زيارة بيلوسى، والتي تمثل تشابها كبيرا مع الأوضاع في أوكرانيا، جراء الموقف الذي يحمل قدرا كبيرا من الاستفزاز، ليتجاوز الصراع الثنائي (أمريكا والصين)، عبر إضفاء "صيغة عالمية" من شأنها توريط أطراف أخرى في المجتمع الدولي في صراع ربما لا يستطيع أحد التنبؤ بتداعياته، سواء في المرحلة الراهنة أو في المستقبل.

وهنا يمكننا القول بأن الطريق نحو الاحتفاظ بالقيادة الدولية، من وجهة النظر الأمريكية، مازالت تدور حول مفهوم العولمة، إلا أنها باتت تتخذ منحى جديد، عبر التحول من العولمة الاقتصادية، والتي فرضت من خلالها زعامتها على العالم، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم تحركت نحو تعزيزها، في أعقاب الحرب الباردة، نحو "عولمة" الصراعات الدولية، خاصة مع صعود قوى دولية جديدة، تسعى نحو مزاحمة الدور الأمريكي على قمة العالم.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة