أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

تغيير كفة العرب في الميزان الدولي.. الأزمة الأوكرانية نموذجا

الثلاثاء، 19 أبريل 2022 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من التوازن، ربما غير المسبوق تشهدها الدبلوماسية العربية، تجاه مختلف القضايا الدولية، وهو ما يبدو بوضوح في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، على المستويين الفردى والجماعي، والتي تترجم حالة من التوافق بين الدول العربية، عبر الاحتفاظ بمسافة متساوية مع طرفي الأزمة، سواء روسيا أو الغرب، مما ساهم بصورة كبيرة في حالة من الاستقطاب الدولي على تلك البقعة من الأرض، في ظل الحرص الكامل على التنسيق مع دولها الرئيسية، خاصة فيما يتعلق بمسألة النفط والغاز، في ضوء امتلاكهم نصيب كبير منها من جانب، بالإضافة إلى قدرتهم، في ظل العمل كوحدة واحدة، على ترجيح الكفة التي يميلون نحوها من جانب أخر، وهو الموقف الذي يساهم بصورة كبيرة في دعم العديد من قضاياهم في المرحلة المقبلة، والخروج بأكبر قدر من المكاسب السياسية.
 
ولعل الموقف الموحد من الأزمة الأوكرانية، ساهم في تغيير شكل المعادلة، التي كانت تقوم في الأساس على التنافس العربي – العربي، لاسترضاء القوى الدولية الكبرى، والتي تمثلت طيلة العقود الثلاثة الماضية، في الولايات المتحدة باعتبارها القوى المهيمنة على النظام الدولي بمفردها، في إطار نظام عالمي أحادي القطب، لتتحول إلى تنافس دولي لاستقطاب القوى العربية الرئيسية، للحصول على دعمها في الصراع الراهن، في الوقت وهو ما يرجع في جزء كبير منه إلى ما يمكننا تسميته بـ"التحرر" من الدوران في فلك حليف واحد، عبر دبلوماسية جديدة من شأنها تنويع التحالفات، عبر الانفتاح الكبير على الشرق، وفى القلب منه روسيا والصين، وذلك في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، إثر تجربة قاسية لمست فيها دول المنطقة تداعيات الاعتماد على حليف واحد والاحتماء به.
 
فلو نظرنا إلى الدبلوماسية المصرية، باعتبارها أحد النماذج الهامة في هذا الإطار، نجد أن ثمة تغييرا كبيرا عبر توطيد العلاقة مع حلفاء جدد، في الوقت الذي لم تتخلى فيه عن علاقاتها بالحلفاء التقليديين، سواء الولايات المتحدة أو دول أوروبا الغربية، بينما أرست مبدأ الشراكة مع الجميع، بعيدا عن نهج المعونات الذى اعتمدته العهود السابقة، وهو ما ساهم في ليس فقط في تحقيق المصالح المصرية، وإنما كذلك في تحرير القرار والتوجهات التي تتبناها الدولة من مختلف القضايا الدولية، من سطوة الحليف الواحد، الذي يملك قرار "المنع" إذا ما أراد ذلك، أو بالأحرى إذا ما اختلفت المواقف أو تعارضت تجاه أزمة معينة.
 
التوازن الدبلوماسي المصري ساهم بصورة كبيرة في محاولات دولية تبدو واضحة للتودد إلى القاهرة، التي احتفظت بمسافة متساوية من جميع الأطراف، في محاولة استقطابها، وهو ما يبدو في حرص مسؤولي الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، على تنسيق المواقف مع القاهرة، على الأقل فيما يتعلق بزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، للمساعدة في النقص المحتمل الناجم عن وقف أو تقليص الإمدادات الروسية من تلك السلعة الاستراتيجية، وما قد يترتب عليه من نتائج.
 
الاتصالات مع القاهرة لم تقتصر على الغرب الأوروبي، وإنما امتدت إلى طرفي الأزمة، حيث حرص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكى على التواصل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإطلاعه على نتائج المفاوضات الجارية مع موسكو، في الوقت الذى حرصت فيه روسيا كذلك على التواصل مع مصر، في انعكاس صريح لحقيقة مفادها أن الدور المصري، بات يتجاوز النطاق الإقليمي، عبر القيام بأدوار أكبر فيما يتعلق بالأزمات الدولية، وهو الأمر الذي لمسه العالم في العديد من القضايا الأخرى خلال السنوات الماضية، بدءً من الحرب على الإرهاب، مرورا بالقضية المناخية، وحتى الشراكة مع قبرص واليونان للاستفادة من غاز شرق المتوسط، والمساهمة في إنقاذهما من دوامة التراجع الاقتصادي، والتي كانت تمثل أزمة كبيرة للاتحاد الأوروبي، وغيرها.
 
الموقف المصري لم يختلف كثيرا عن مواقف العديد من الدول العربية الأخرى، ومنها الجزائر، التي فتحت أبواب التواصل مع الجميع، في محاولة لتحقيق أكبر قدر من التوازن، وكذلك دول الخليج، وغيرها، وهو ما ترجمه في النهاية الموقف العربي الجمعي، في إطار جامعة الدول العربية، التي تبنت نفس الموقف، حتى تسنى قبولها للقيام بدور الوسيط، في الأزمة الأوكرانية، عبر اللجنة العربية الوزارية، والتي قامت بزيارة إلى روسيا وبولندا للقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأوكراني دميترى كوليبا، وهو ما يمثل نقطة فارقة في تاريخ "بيت العرب" في إطار النجاح الكبير في تجاوز أزمات المنطقة، عبر الخروج والقيام بدور أكثر فاعلية في محيطه الدولي.
 
وهنا يمكننا القول بأن النجاح الكبير للدبلوماسية المصرية، ومن ورائها الدبلوماسية العربية في تغيير المعادلة الدولية، عبر تحويل الدولة المصرية من مجرد أداة طيعة، إلى مركز للاستقطاب الدولي، ساهم إلى حد كبير في استكشاف مساحة كبيرة للدور الذى يمكن أن تلعبه مصر على الساحة الدولية، بعيدا عن النطاق الإقليمي، بينما أصبح لديها الأدوات التي يمكن من خلالها فرض رؤيتها فيما يتعلق بمستقبل المنطقة، وأمنها، وقضاياها في المستقبل القريب.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة