بلال رمضان

في مد الظل.. بورتريهات المهمشين وخرائط نفوس البشر

السبت، 19 فبراير 2022 11:26 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اخترع البشر تطبيقات لتساعدهم فى الوصول إلى حيث يريدون، وصنعت آية طنطاوى خريطة وبورتريهات لأهالى حى السيدة زينب، تقرأها فى المجموعة القصصية "فى مد الظل" فتشعر وكأنك واحد من أبناء هذا الحى العتيق، تعرف أهله، ودراويشه، وأحواله، وطباعه، وشوارعه، وحواريه، وأكثر مما تتصور، وكأنك تقرأ سير الآنام فى حى لا ينام.
 
فى مجموعتها القصصية، نسجت آية طنطاوى شخصياتها من لحم ودم، فصنعت جدارية فنية لأيقونات بشرية، ألوانها من عرق البشر، ومن أحلامهم وهزائمهم، جدارية يمكن وضعها على مداخل ومخارج الحى، تحكى هنا عاشت  - على سبيل المثال - "توحة" أيقونة حي السيدة زينب وشوارع الكبش، وهنا عاش الصعيدى وزوجته، بائع الجرائد والمجلات الوحيد في طرف دوران زينهم، بجلسته المعتادة على الدكة الخشبية، و"دعاء" التى قتل براءتها العادات وغيرة النساء.
 
ومع كل قصة من قصص "فى مد الظل" تشعر كأنك شاهدت فيلما وثائقيا قصيرا، لا ينقصه عنصر فني، أو يحتاج لعنصر آخر، يبهر المشاهد أو بصورته فينسى الحبكة ذاتها، وربما يرجع ذلك، إلى تأثر آية طنطاوى، التى درست النقد السينمائى، وعشقت الفنون، والآداب والسينما والموسيقى والتصوير، فكان جليا وواضحا مدى براعتها، فى خلق كادرات سينمائية ممتابعة، تحركها عين القارئ مع الفاصلة والنقطة، والنهايات المفتوحة.
 
عبر إحدى عشر قصة، سحبت آية طنطاوى القارئ وغاصت به داخل نفوس البشر من أهالى حي السيدة زينب، وكجراح أعصاب ماهر، تعاملت بقلمها وعينها مع آلامهم وطموحاتهم وهزائمهم، سارت خلف ظلهم فى الشوراع والأزقة والحارات المهجورة وفى الأحلام والخيالات والخيبات أيضا، مسارات رسمتها بخيالها، ورغم ذلك، ستؤمن بأن ما قرأته واقع لا محالة، وستبكى حزنا على وفاة "توحة" وحيدة، وآلما وحرقة على ما تعذيب "دعاء".
 
تجاوزت آية طنطاوى مفهوم الحكى للحكى فى مجموعتها القصصية "فى مد الظل"، التفت إلى ما يراه الآخرون مثلها، لكن بأعين أخرى، عين فتحت أبواب الروح فقرأت أسرارها، وعاشت آلامها، لم تحكى بعين الراوى العليم، الذي يخبرنا بالحبكة من منظوره الشخصى، بل بعين القارئ المتورط دون اختيار منه فى الحبكة، تلك الحبكة التى ستجعله يرى حى السيدة زينب بأهله وشوارعه بعين أخرى حينما يزوره بعدما ينتهى من قراءة "فى مد الظل".
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة