أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

بديل الاتحاد الأوروبى!!

الإثنين، 03 يناير 2022 10:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع بين روسيا من جانب وأوروبا الغربية من جانب أخر، يبدو الاتحاد الأوروبي مستبعدا تماما من أي مفاوضات تجريها الولايات المتحدة مع موسكو، سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع الناتو، أو حتى مستقبل الأوضاع في دول القارة الشرقية، على رأسها أوكرانيا، أو أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وذلك بالرغم من أن التكتل القاري يبقى طرفا مباشرا في مختلف القضايا المطروحة على المائدة الروسية الأمريكية، فمستقبل الناتو يرتبط مباشرة بأمن القارة العجوز، بينما الأزمة مع بيلاروسيا، تتعلق ببولندا، التي تعد أحد أعضاء الاتحاد، حيث اكتفيا بالمحادثات الثنائية، إلى جانب الملاسنات، التي تمتد بين الحين والأخر إلى التهديد تارة، والتصريحات الناعمة تارة أخرى، في انعكاس صريح لحقيقة مفادها أن ثمة تغيير كبير يلوح في الأفق، لا يقتصر على طبيعة العلاقة بين طرفي الحرب الباردة، وإنما أيضا للدور الذي يمكن أن تلعبه "أوروبا الموحدة" في المستقبل.
 
ولعل الحديث عن دور أوروبا الموحدة، يدفعنا نحو استدعاء الكيفية التي تعاملت بها واشنطن وموسكو، مع الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، فالولايات المتحدة كانت تعتمد على الكيان القارى باعتباره أهم أذرعها، لفرض رؤيتها، وهو ما بدا في العديد من المشاهد، ربما أبرزها مشاركته الفعالة في الاتفاق الذى أبرمته إدارة أوباما مع إيران في 2015، حول الملف النووي، في إطار ما يسمى بصيغة (5+1)، وهو الأمر الذى حظى بمباركة روسيا باعتبارها أحد الدول الموقعة على الاتفاقية نفسها، بالإضافة إلى حرص الجانبين (الأمريكي والروسي) على التنسيق مع الاتحاد الأوروبي في كافة القضايا الأمنية والاقتصادية، المرتبطة بالقارة العجوز، إلا أن الأمر ربما شهد تغييرات عميقة مع التغيير الكبير في السياسات الأمريكية خلال حقبة ترامب، والذي حرص على دعم "بريكست"، ليكون اللبنة الأولى في إنهاء قصة "الوحدة الأوروبية" التي خرجت إلى النور بدعم أمريكا نفسها.
 
ولكن تبقى هناك حاجة إلى بديل للاتحاد الأوروبي، في المرحلة الراهنة، يمكنه تمثيل القارة العجوز، بينما يحظى، في الوقت نفسه، بدعم أمريكي روسي، وذلك للمشاركة بدور، ولو شكليا، في إطار جولات مرتقبة من التفاوض، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الناتو، وتمدده إلى العمق الاستراتيجي لروسيا، وهو ما تعتبره موسكو تهديدا صريحا لأمنها، في إطار الحديث عن انضمام أوكرانيا للحلف، مما أثار أزمة عاصفة، وصلت إلى حد الحديث المتواتر من هنا او هناك باحتلال روسى محتمل لكييف.
 
وعلى الرغم من كون الخيار العسكري، بعيدا عن التطبيق العملي، إلا أن الأزمة الأخيرة ربما وضعت معطيات جديدة للخريطة الأوروبية، أبرزها تراجع دور الناتو والاتحاد الأوروبي، في الوقت الذى تشهد فيه المائدة الدولية "بزوغا يبدو خافتا" لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والتي ربما يجد دورها في التعامل مع الأزمات الأخيرة، سواء في أوكرانيا أو قضية المهاجرين بين بيلاروسيا، وبولندا، حيث تصدرت المنظمة التي تترأسها السويد حاليا بعض جولات التفاوض، بينما حظت بمباركة مشتركة، ضمنيا، من قبل روسيا والولايات المتحدة وهو ما بدا في مشاركة وزيرا خارجيتهما للاجتماع الوزاري الأخير للمنظمة، لأول مرة منذ سنوات، لتكون بمثابة رسالة حول مرحلة جديدة للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي.
 
صعود منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في الأزمات الأخيرة المرتبطة بالقارة، يمثل "نقلة" ناعمة، في ظل غياب التنافسية بينها وبين الاتحاد الأوروبي منذ بزوغ نجم الأخير، إلا أنها في الوقت نفسه، تبدو مهمة، رغم كونها توارت خلف التصريحات والتهديدات المتبادلة، بين المسؤولين هنا أو هناك، خاصة وأنها المنظمة القارية التي تتشارك روسيا في عضويتها مع خصومها التاريخيين من دول أوروبا الغربية، في الوقت الذي تجد فيه واشنطن، بديلا مقبولا للغاية باعتبارها منظمة إقليمية تحتفظ بخصوصية الدول الوطنية، بعيدا عن الاندماج الذى حققه الاتحاد الأوروبي، بين دول القارة، في ضوء مخاوف أمريكية تبدو كبير إثر توحش "أوروبا الموحدة"، إلى الحد الذي قد يدفعها إلى الاستقلالية والابتعاد عن الفلك الأمريكي، خاصة مع تراجع القيادة الألمانية، بعد رحيل المستشارة أنجيلا ميركل، والتي ارتبطت إلى حد كبير بالعلاقة القوية مع أمريكا خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، تصاعد الطموحات الفرنسية، بقيادة القارة العجوز، لاستعادة نفوذها التاريخي، وهو ما بدا في دعوته التي أطلقها منذ سنوات بتشكيل جيش أوروبي موحد ليكون بديلا لـ"الناتو" الذي وصفه حينها بـ"الميت إكلينيكيا".
 
الدعم الذي تحظى به المنظمة لا يقتصر على الولايات المتحدة وروسيا، وإنما يمتد إلى داخل "معقل" أوروبا الغربية، عبر بريطانيا التي سبق وأن أعلنت تمردها على الكيان القاري، عبر الخروج منه، بدعم كبير من إدارة ترامب، حيث تسعى هي الأخرى لتهميش الاتحاد الأوروبي، حتى يتسنى لها العودة إلى القيادة القارية مجددا، بعد سنوات التراجع لصالح ألمانيا، ربما بدأت قبل حقبة ميركل، وتحديدا مع انهيار حائط برلين في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، ليكون بداية "الخفوت التدريجي" للندن.
 
وهنا يمكننا القول بأن البزوغ الخافت لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ليس مجرد مصادفة، وإنما يمثل جزءً لا يتجزأ من "إرهاصات" البحث عن بديل لـ"الاتحاد الأوروبي"، تحظى بقبول قاري، في ظل معطيات جديدة، أهمها انتشار عدوى الخروج بين عددا من دول القارة، بعد "بريكست"، وكذلك صعود اليمين المتطرف، ناهيك عن الغضب الكبير لدى المجتمعات الأوروبية جراء سياسة الحدود المفتوحة، والتي تسببت بصورة كبيرة في تهديد مواطني الدول الأصليين أمنيا واقتصاديا، ناهيك عن اندماج ملحوظ لموسكو في محيطها الأوروبي عبر خطوط الغاز، وهو ما يعكس تغيير شكل العلاقات، يتطلب بالضرورة تغيير الأدوات الحاكمة على المستوى الإقليمي بصورة كبيرة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة