أكرم القصاص - علا الشافعي

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 يوليو 1968.. بديعة مصابنى تبكى مع «الأطلال» ليلة غناء أم كلثوم فى «بعلبك» بحضور 5 آلاف يتقدمهم فيروز وصباح وكل نجوم لبنان

الإثنين، 26 يوليو 2021 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 يوليو 1968.. بديعة مصابنى تبكى مع «الأطلال» ليلة غناء أم كلثوم فى «بعلبك» بحضور 5 آلاف يتقدمهم فيروز وصباح وكل نجوم لبنان بديعة مصابنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
امتلأت المقاعد بآلافها الخمسة، وزيد عدد كبير من الكراسى فى وسط الممرات بمسرح معبد بعلبك بلبنان، أثناء حفل كوكب الشرق أم كلثوم يوم 15 يوليو 1968، وكذلك فى حفلها الثانى يوم 17 يوليو، كانت الحفلتان فى إطار حفلاتها لصالح المجهود الحربى بعد هزيمة يونيو 1967، وفقًا للكاتب الصحفى اللبنانى محمود الزيباوى، فى جريدة النهار، 14 نوفمبر 2014، مضيفا: «حصلت على مائة وخمس وثلاثين ألف ليرة لبنانية عن الحفلتين، وكانت أكبر قيمة تحصل عليه فنانة فى لبنان.. وذهب كله للمجهود الحربى، وكرمتها الحكومة اللبنانية، وقلدها رئيس الوزراء عبدالله اليافى، وسام الأرز الوطنى، من رتبة «ضابط أكبر» فى حفل أقيم فى شتورة، وحصلت من قبل على وسامين، هما وسام «الأرز الوطنى» من رتبة «كوماندوز»، ووسام الاستحقاق اللبنانى المذهب».
 
غنت فى الحفلة الأولى «الأطلال» و«فكرونى»، وفى الثانية «أمل حياتى» و«بعيد عنك».. كانت يرافقها وفد صحفى مصرى، من بينهم الكاتب الصحفى أحمد بهجت عن جريدة «الأهرام»، وكتب مقالًا بديعًا بعنوان «ليلة من ليالى بعلبك» فى «الأهرام» على صفحة كاملة، 26 يوليو، مثل هذا اليوم، 1968.
 
تجول «بهجت» بين الآلاف الذين حضروا، ورسم بريشة فنان أحوالهم وهم يستمعون إلى أم كلثوم.. كتب عن الطفل الذى اصطحبته أمه ويحلم بأن يكون فدائيا لتحرير فلسطين، وعن أم كلثوم التى نقلت «النيل» إلى لبنان، وعن إبراهيم ناجى الذى كتب نفسه مكتويا بلوعة الحب فى «الأطلال»، وعن سيدات من العالم العربى فى الصفوف الأولى، نايلة شقيقة «وسيلة بورقيبة» زوجة الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، وسيدات المجتمع التونسى، ابنة وزير الخارجية الكويتى وخطيبها، سيدات عراقيات ومغربيات، وسيدات من لبنان.. سيارات نقل على باب المعابد تحمل شارات سوريا والأردن.. يذكر: «كلهم جاءوا ليشربوا معنا من مياه النيل، وها هى فيروز تجلس ومعها الأخوان رحبانى.. ها هى صباح تجلس مع شقيقتها.. كل نجوم الغناء فى لبنان يستمعون لسيدة الغناء».  
 
كانت الفنانة بديعة مصابنى ضمن الحضور، وأبدع «بهجت» فى وصف حالتها.. يقول: «ماهر ونبيل رسامان من القاهرة أخذ كل منهما مكانه فوق الأحجار الأثرية، وراح يرسم، والفرق بين تسجيل الصورة للحفل والرسم بعيد.. الصورة الفوتوغرافية تجميد للحظة انفعال معين، أما الرسم فتعبير عن هذا الانفعال من خلال رؤيا الرسام، وإذا كان الرسام اعتاد أن يرسم الطبيعة فى لحظة من لحظات الحركة، وهذه الطبيعة التى تتكون من جمهور الحفل ليست منظرا جاهزا، إنما تمتلئ بالمتناقضات، ليست كل الوجوه فيها على درجة واحدة من الكمال، وهكذا يوضع الرسام أمام عملية الاختيار.. ولقد اختار «ماهر» أن يرسم هذه السيدة التى لا تكف عن البكاء طول الحفلة.
 
اقتربت منها.. كانت تجلس فى الظل وتبكى بلا انقطاع.. حدقت فى ملامح وجهها وخيل إلىّ أنها ليست غريبة.. من تكون يا ربى.. من تكون.. سطع اسمها فى ذاكرتى فجأة.. بديعة مصابنى.. نجمة القاهرة فى الأربعينيات وما قبلها وبعدها بقليل.. هرمت النجمة، وبدت آثار العمر فى وجهها الذى لا يخلو من جمال.. تذكرين يوم جئت إلى القاهرة أول مرة.. ومدت القاهرة يد الصداقة ومسحت بها كل آلامك..أى ود تحمله مياه النيل للظامئين.. بيتك فى مصر الكازينو القديم عند كوبرى الأعمى.. كان هذا اسم الكوبرى حتى انطلقت شهرة الكازينو وحجبت اسم الكوبرى القديم فصار اسمه «كوبرى بديعة» كازينو الأوبرا.. هذه الصالات التى تخرج فيها كل المغنيين فى مصر.. نجيب الريحانى فى بدايته ولقاء الحب فالزواج فالانفعال.. ترى فيكما كان المخطئ، وإن كان السؤال قائما فليس فى دنيا الحب مخطئ ومحق..آه.. الليل والسهرات وكبار رجال الدولة والوزراء والأمراء.. كانت لهم موائدهم يا سيدتى.. وكانت الوزارة الجديدة تؤلف أحيانا وسط الحجرات الهادئة المغلقة على السياسيين وهم يتشاورون.
 
دنيا كاملة تعطى كل شىء، المتعة لمن يريد، والجد لمن يريد الجد، والحب للباحثين عن الحب، وفى غبش الفجر فى القاهرة كانت الموائد تنطوى على آلاف الأسرار التى لا تعرفها غير ملكة المكان الوحيدة، بديعة مصابنى.
 
لم تزل تبكى.. أم كلثوم تغنى وهى تبكى.. أم كلثوم تروى قصة حب إبراهيم ناجى وهى تبكى .. ترى هل كان ناجى من رواد المكان.. قطعا كان.. وربما عرفته من خجله وانطوائه وعلب السجائر التى كان يكتب عليها أشعاره.. يا زمنا راح..آه..آه..آه.. وعايزنا نرجع زى زمان.. قول الزمان ارجع يا زمان.
 
جاءت الوصلة الثانية فهل تريدين أن تعودى إلى الماضى.. لا جواب غير هذا السيل المتدفق من البكاء الصامت.. لن نزعجها بالحديث أوالسؤال، فإن للدموع والحزن والذكريات احتراما لا ينبغى للصحافة اقتحامه.. لاحظت بديعة مصابنى أن الرسام ينظر إليها وإلى الورقة فى يده.. لاحظت أنه يرسمها، وارتفعت يدها بحركة مفاجئة إلى شعرها فسوته ومسحت دمعها وابتسمت، وأضاءت ابتسامتها الوجه المجمد قليلا، ثم لم تلبث الابتسامة أن غرقت وسط نهرين صغيرين من الدموع.  









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة