أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

52 عاما على استشهاد الجنرال الذهبي

الجمعة، 12 مارس 2021 10:14 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما يرتقي الشهيد إلى السماء ويسير في زفاف ملكي إلى الفوز الأكيد في رحاب جنة الخلد، وتختلط الدموع بالزغاريد، عندها فقط لا يبقى لدينا شيئاً لنفعله أو نقوله، لأنه قد لخص كل قصتنا بابتسامته، كل قطرة دم من دمائه الطاهرة الذكية سقت نخيل الوطن فارتفع شامخا يطاول عنان السماء، وكل روح شهيد كسرت قيود الطواغيت والأشرار والإرهابين، وهو ما يدعنا أن نتساءل في عجب: من أى سبيكة ذهب صيغت نفوس هؤلاء الشهداء، كيف استطاعوا أن يثبتوا ويهزموا الرعب من الموت والخوف من الرصاص، أي روح قدسية تملكتهم في تلك اللحظة؟!.
بعد 52 عاما على رحيل الجنرال الذهبي الشهيد عبد المنعم رياض، أهدي إليه وإلى كل شهداء هذا الوطن سلاما طأطأت حروفه رؤوسها خجلة، وتحية تملؤها المحبة والافتخار بكل شهيد قدم روحه في معارك الشرف والنضال ليحيا الوطن وأبنائه الذين يقومون في يوم 9 مارس من كل عام بإحياء (يوم الشهيد) لينحنوا جميعا إجلالاً لأرواح أبطاله الذين ضحوا بأروحهم، وتغيب الشمس خجلاً من تلك الشموس الزاهرة في حياتنا بأرواحهم التي تتحلق من حولنا طوال الوقت، وليس هناك كلمة يمكن لها أن تصف الشهيد، ولكن قد تتجرأ بعض الكلمات لتحاول وصفه، فهو: شمعة تحترق ليحيا الآخرون، وهو إنسان يجعل من عظامه جسراً ليعبر الآخرون إلى الحرية.
 
تماما كما فعل الفريق أول عبد المنعم رياض الذي استشهد في يوم 9 مارس عام 1969، حينما توجه للجبهة في اليوم الثاني لحرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، وليكون بين أبناء قواته المسلحة في فترة جديدة تتسم بطابع قتالي عنيف ومستمر لاستنزاف العدو، وأثناء مروره على القوات في الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب إصابة قاتلة بنيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك بالنيران ولم يكترث في تلك اللحظات بأنه مكشوف لمدفعية العدو فقد أصر على مراقبة تلك المدفعية من مكان قريب، ورفض في البداية أن ينزل الحفرة كساتر يحميه من النيران، ولايدري أنه يوشك على الشهادة، إلا بعدما ذهبت روحه الطاهرة إلى بارئها ، وخرج الشعب بجميع طوائفه في وداعه مشيعين جثمانه بإجلال واحترام.
 
وكان (الجنرال الذهبي) حسبما عرف به الفريق (رياض) يردد دائماً وسط المقربين منه، أن (مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المُقدمة منهم إلى المُؤخرة)، وقوله أيضا (لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة، عندما أقول شرف البلد فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل فرد، شرف كل رجل وكل امرأة)، ليتقدم إلى خط الجبهة، ويصافح الضباط والجنود، حتى رصده العدو المحتل لشبه جزيرة سيناء حينها، ليجدها فرصة في (حفظ ماء وجهه) عقب الخسائر التي أوقعها الجيش المصري في صفوفه، ليتم الأمر بتوجيه أبراج الدبابات للجبهة المصرية، ومن بينها منطقة تواجد (الشهيد عبد المنعم رياض)، وضرب العديد من (الهاونات)، حتى أصابت إحداها الموقع الذي تواجد فيه، وكانت إصابته قاتلة، ليستشهد وهو (على خط النار) رفقة رجاله.
 
وباستشهاد الفريق رياض يبقى هو نجمة الليل التي ترشد من تاه عن الطريق، وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات، فهذا هو الشهيد، هو رمز الإيثار، فكيف يمكن لنا أن لا نخصص شيئاً لهذا الإنسان العظيم، فأيام الدنيا كلها تنادي بأسماء الشهداء وتلهج بذكر وصاياهم، فأنا لنا أن لا نصغي لها، ويبقى على كل واحد منا قد أنعم عليه فكان ممن عايش الشهداء أن يتحدث عنهم، عن أخلاقهم وصفاتهم الرائعة وكلماتهم النيّرة، فهذه بنظري أمانة في أعناقنا علينا أن نؤديها، فإذا كنا نحن من أنعم علينا بمعايشتهم لا نتحدث عنهم فمن الذي سينقل كلماتهم الطيبة وسماتهم الصالحة إلى الآخرين الذين حرموا من معرفتهم، أو إلى الأجيال الأخرى القادمة التي لا تعرف بأن على هذه الأرض مشى أناس قد يكونوا من أفضل من كانوا في عصرهم.
 
ولأن الشهادة هى أسمى درجات الفداء من أجل مصر التى ستظل بمكانها ومكانتها نقطة الالتقاء لكل روافد الحضارة الإنسانية ومصدرا لصوت الحكمة والعقل ونموذجا فريدا للوسطية والاعتدال تخاطب ضمير الإنسان وتقهر الجهل والتشدد والإرهاب، ويظل الوطن الحصن الذى تجتمع قلوبنا جميعا دفاعا عنه، أما التضحية فهى رمز الفداء لتظل رايته خفاقة عالية واعترافًا بجميل وفضل شهدائنا الأبرار، لهذا فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي يحرص في كل عام في الذكرى العطرة أن يقوم بتكريم الشهداء من خلال أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم في إشارة رمزية على محاولة رد الجميل لمن ضحوا بأرواحهم، فولاهم ما كنا هنا اليوم.
 
ومن هذا المنطلق  يبقى يوم الشهيد من الأيام الخالدة في تاريخ مصر، وكافة الأمم التي خاضت حروبا وقدمت تضحيات في سبيل الدفاع عن كيان الدولة، بل إن هذا اليوم هو رمز للاحتفال ليس بذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض وحده وإنما بكل شهداء مصر، إنه يوم تعظيم لمعنى وقيمة الشهادة الدينية والوطنية، التي ينبغي على الأجيال الجديدة معرفتها، نعم يجب  أن تعرف هذه الأجيال قيمة الشهادة في سبيل الدفاع عن الوطن وأنها قمة ما يصبو إليه الإنسان، خاصة وأن الشهادة قيمة دينية جاء في ذكرها آيات قرآنية وأحاديث نبوية عديدة عظمت من قدر الشهيد.
 
ويظل يوم التاسع من مارس الذي احتفلت به مصر قبل ثلاثة أيام هو من أعظم المناسبات في حياة الشعب المصري، خاصة وأن القوات المسلحة والشرطة قدموا أرواحهم للدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره، وهنا لابد من لفت النظر إلى دلالة رمزية تكمن في طيات هذا اليوم وهى إن الشهيد (رياض) كان رئيس أركان حرب القوات المسلحة وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش، وكان يتقدم الصفوف في حرب الاستنزاف واستشهد في الخطوط الأمامية للقوات، ومن هنا ضرب مثالا رائعا في دور القائد ورعايته لأبنائه، ويبقى هذا اليوم هو تكريم لذكرى وبطولة كل شهداء الوطن على مدار العقود، وللتذكير بأن الوطن لا ينسى تضحيات أبنائه ولتقديم كل الدعم والرعاية لأهالي الشهداء الذين فقدوا أبناءهم وإنهم ليسوا أمواتا وإنما أحياء يرزقون عند ربهم وذكراهم في الوطن خالدة.
 
كانت كل العيون في يوم الثلاثاء الماضي مصوبة تجاه شاشة العرض، الجميع في انتظار صوت الشهيد، يأتي الصوت عبر الفيلم التسجيلي (سيرة الشهيد)، وهنا لابد أن نشكر (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) التي أعدته وعرض في الندوة التثقيفية الـ 33 للقوات المسلحة بعنوان (لولاهم ما كنا هنا)، وعبر حكايات سريعة وخاطفة، اختطلت المشاعر ما بين الحزن والفخر، دموع أبطال شاشة العرض تزامن معها دموع الرئيس عبدالفتاح السيسي، دموع تعبر عن فهم صاحبها للرسالة القادمة من عالم الشهداء، دموع يؤمن صاحبها مثل كل المصريين، أن الشهداء أرواح طاهرة، وطيف نور يضيء حياتنا، دموع الواثق أن ما قدمه هؤلاء الأبطال من تضحيات لن يذهب هباء، هكذا أكد ويؤكد أن من دفعوا حياتهم عن طيب خاطر ليظل هذا البلد شامخا.
 
دموع رئيس الجمهورية في هذا اليوم ليست حزنًا على من فارقونا بأجسادهم، بل دموع من يفخر بسيرة الشهيد، ويقسم على تنفيذ رسالته، لأنها بمثابة وصية واجبة النفاذ، ليس انتقاما من عدو غادر اغتال زهرة شبابهم، بل وعد بأن تصبح أرض هذا الوطن جنة كما راودت خيالهم، وفي هذا الصدد قال الرئيس السيسي: "خلوا بالكم من بلدكم ..الناس دى (الشهداء) راحت عند ربنا سبحانه وتعالى وقدمت دمها علشان البلد دى تعيش .. تعيش بخير بصحابها وأهلها الموجودين، يكبروها ويعلوها ويحافظوا عليها وميخربوهاش.. وإلا كل تضحية اتقدمت من 8 سنين يبقا مكنتش فى مكانها، وأضاف الرئيس: (أتصور إن العنوان والرسالة اللى ممكن كإنسان مصرى أتلقاها من سيرة الشهيد والمصاب، إن التمن اللى هو دمى وروحى قُدم علشان الدولة دى تبقا دولة، ومحدش أبدا ممكن يتصور إنه فيه سبب يخليه يضيع الدولة).
 
في كلمته في الندوة التثقيفية الـ 33 للقوات المسلحة المصرية أكد الرئيس السيسي أن ذكرى هذا اليوم 9 مارس هى يوم تتلاحم فيه تضحيات أبناء الوطن مع مفاخر مجدهم، يوم من أعظم الأيام خلودا في تاريخ أمتنا، وهو يوم الشهيد.. نلتقي هنا لنتذكر سويا ما جاد به هؤلاء الأبطال بأنفسهم وبأرواحهم، ليكتبوا صفحات مضيئة تهتدى بها أجيال تأتى من بعدهم، تسير على خطاهم وتقتدى برحلة كفاحهم، وتدرك أن الحفاظ على الأوطان ليس بالأمر الهين، وإنما يتطلب الجهد والتضحية.. وما حققه أبناء مصر على امتداد تاريخها الوطني، إنما يؤكد أن أرضها المقدسة لا يمكن أن تنضب أبدا من الأبطال.
 
وأوضح للحاضرين قائلا : كما كان الماضي زاخرا بأمجاد الأجداد، فإن الحاضر أيضا يأتي مصحوبا بإنجازات الأحفاد.. فما يسطره أبناؤنا من شهداء مصر الأبرار من تضحيات سيتوقف التاريخ أمامه إجلالا واحتراما.. وستأتي الأجيال اللاحقة تتفاخر وتتحاكى ببطولاتهم.. وهنا لابد أن أشير ومن موقع المسئولية إلى أنه لولا تلك الدماء الزكية الطاهرة، التي سالت فداء لأمن الوطن، ما كان يمكن توفير المناخ المناسب المستقر والآمن لمصر لتنطلق نحو تحقيق التنمية الشاملة التي تجرى في ربوع الوطن كافة.
 
ولأنه مقاتل مصري من طراز رفيع وأفني زهرة حياته في صفوف القوات المسلحة وتمتع بكفاءة قتالية وفكر استراتيجي عميق، فقد أشارة في دلالة واضحة على كفاءة المقاتل المصري في ساحات الحرب على الإرهاب قائلا: ليس خافيا على أحد أن العالم قد شهد خلال العقد الأخير أحداثا جسام غيرت مسار دول كانت تنعم بالأمن والاستقرار، مما أحدث جرحا غائرا في صدر مفهوم الدولة الوطنية من الصعب أن يلتئم أو تعود تلك الدول إلى سابق عهدها في المستقبل القريب، وكانت المنطقة التي نعيش فيها هي بؤرة كل هذه الأحداث، فاندلعت شرارة التخريب والتدمير، وانتهكت سيادة تلك الدول، وأصبح قرارها الوطني يتخذه غيرها، وقد فطنت مصر لكل هذه الأحداث والتطورات، فبنت سياجا متينا من القوة والوعى والإدراك، حصنت به شعبها، بدعم من جيشها صاحب العقيدة الوطنية.
 
ولهذا السبب وغيره من أسباب تؤكد عظمة الجيش المصري قال الرئيس: إني إذ أبعث من هنا بتحية إجلال وتقدير إلى رجال القوات المسلحة البواسل على اختلاف رتبهم ودرجاتهم لما يحملونه من شرف الحفاظ على مقدرات ومكتسبات الوطن، كما أوجه تحية إجلال وتقدير أيضا إلى رجال الشرطة المخلصين على حفظهم لأمن مصر الداخلي وتوفير البيئة الملائمة للاستقرار حتى تتمكن باقي أجهزة ومؤسسات الدولة من أداء دورها المنوطة به، ولم ينسى الرئيس توجيه تحية لجيش مصر الأبيض قائلا: كما لا يمكنني هنا، ونحن نتحدث عن تضحيات أبناء الوطن جميعا أن أغفل الدور الكبير والمتعاظم الذي يؤديه بكل تفان وإخلاص أبناؤنا الذين يعملون في المجال الطبي لمحاربة وباء فيروس كورونا، فما يقوم به هؤلاء الأبطال من جهد كبير لتوفير الراحة والطمأنينة للمرضى سيبقى خالدا في ذاكرة شعبنا.. تحية إجلال وإكبار، وتعظيم سلام لكل شهداء مصر على مر التاريخ وحتى اليوم.
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة