ريان يا فجل.. ما يقوله كتاب "تراث مصرى" عن عبده الحامولى

الإثنين، 22 فبراير 2021 04:05 م
ريان يا فجل.. ما يقوله كتاب "تراث مصرى" عن عبده الحامولى عبده الحامولى
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعد المطرب عبده الحامولى واحدا من أشهر فنانين القرن التاسع عشر فى مصر، وقد تحدث عنه كتاب "تراث مصري" لـ أيمن عثمان، عندما تحدث عن جملة "سى عبده"، وجاء بالكتاب: بدأ الحامولى من حيث انتهى أستاذه رائد الأغنية المصرية الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب.. تسلم منه القالب الغنائى الذى ابتكره "الدور" كبداية تمصير الأغنية، وأضاف إليه وطوره، فوصل به لقمة المجد، وأطلق عليه ألقاب.. سيد مطربى عصره.. فريد عصره.. المطرب المغرد.. سى عبده.
تراث مصرى
 
ولد عبده الحامولى عام 1842، وماتت أمه وهو فى الخامسة من عمره، وتزوج الأب فى نفس العام، فعرف الوجع والألم والحرمان، وكما قالوا قديمًا "يولد الإبداع من رحم المعاناة"، والمعاناة فى حياة الحامولى كانت أرضًا خصبة للإبداع، فأبدع وعمره لم يتجاوز خمسة عشر عامًا بصوته شجنًا عند ساقية بلدته..

ده أنا لو شكيت ربع ما بى للحديد ليدوب

سمع الناس لأول مرة صوته وآهاته ومواويله، وافتتنوا به وأحبوه، فأصبح ضيفًا دائمًا فى الموالد والأفراح والأسواق، ليغنى ويطرب محبيه..

عز على والده أن يعمل ابنه مغنيًا، فطرده من منزله، وتبرأ منه، وكانت القطيعة بينهما..

والله إن ساعدنى زمانى ما أسكن إلا فى مصر..
وأبنى جنينة ومن فوق الجنينة قصر.

ترك الحامولى طنطا، ورحل إلى القاهرة، وقادته قدماه إلى قهوة "عثمان أغا" بجوار جنينة الأزبكية، وهناك تعرف على المطرب الشهير فى ذاك الوقت "المعلم شعبان" الذى اكتشف أن الحامولى صاحب موهبة فريدة، وقدرة غنائية متفردة.. تعهد شعبان بتعليمه أصول المغنى والموسيقى، ونقل إليه خبرته التى اكتسبها فى سنوات.. موهبته وخبرة شعبان.. جناحان حلق بهما الحامولى فى سماء مصر، وتربع على عرش الغناء.

 
عبده الحامولى
عبده الحامولى
كان الخديوى إسماعيل لا يطرب للغناء إلا بصوت الحامولي، فقربه منه، وأطلق عليه لقب «المطرب المغرد»، ومن كثرة تطريب الحامولى للخديوي.. حافظ على حالته النفسية ومزاجه العام.. حدث أن غنى أمامه

ما كنش كده طبعك يا غزال

بشكل كئيب وحزين على غير عادته، فاستدعاه الخديوى ليقترب من مجلسه، وحاوره..

- أهناك ما يكدر صفوك؟
-وكيف يجد الكدر إلى سبيلًا وأنا فى رحاب ولى النعم!!
- لكنك محزون، فماذا حدث؟
-لم يحدث أمر ذو بال، فلا تشغل نفسك بأمرى يا مولاي.
- بل لابد أن أقف على السبب.
روى للخديوى أنه بعد أن نال شهرته الواسعة زار والده محملًا بالهدايا، ليسترضيه طالبًا منه السماح، ولكن خاب ظن الحامولى فى الزيارة..
- أنت مين؟
- ألم تعرفنى يا أبي؟ أنا ولدك عبده.
-ليس لى ولد يحترف الغناء.. إن ولدى عبده الذى أعرفه مات من زمن بعيد
وطرده والده من المنزل للمرة الثانية..
-وهكذا يا مولاي.. أظلمت الدنيا فى وجهي، ولا أرى لما أنا فيه من نعمة سابغة أى معنى ما دمت عاجزًا عن الحصول على رضاء أبي.
- إنها مسألة بسيطة.. فدع عنك التفكير فيها.
بعد أيام من حوار المطرب والخديوي، فوجئ الشيخ الحامولى والد مطربنا بدعوة عاجلة لمقابلة مدير مديرية روضة البحرين، وهو الاسم الذى كان يطلق على الغربية والمنوفية مجتمعين، ومديرها هو وزير محافظ.. ذهب الأب للقاء المدير وهو قلق ومتخوف، فلم يحدث أن قابل فى حياته مديرًا أو مسئولًا، وعندما دخل مكتب المدير، وجده فى اجتماع مع باشاوات وأعيان المديرية، وعن يمين المدير جلس ابنه عبده الحامولي.. لم تصدق عيناه هذه المكانة التى وصل إليها ابنه، ووقف فى ذهول، فدعاه المدير إلى الاقتراب..
-إن ولى النعم قد أمرنى بأن أدعوك إلى هذه القاعة لكى ترى بعينيك مكانة ولدك بين أعيان المديرية، وهى مكانة تجعله يتقدم عليهم فى الحفلات والاجتماعات.
- نعم هذا ما أراه يا سعادة الباشا
-أليس يحق لك أن تفخر بولدك، وقد رأيت أية منزلة يتمتع بها؟
- لم أكن أعرف أن له هذه المكانة.
-أما وقد عرفت.. فخذ مكانك إلى جانبه، وعانقه حتى يعرف أنك لم تعد تسيء الظن به.
استشعر الخديوى حرص مطربه على علاقته بأبيه، واحتياجه لعودته إلى جذوره، فأعد هذه الخطة حتى يزيل الحزن عن قلبه، ويعود لسابق عهده فى الغناء..
  
كما كان مطربًا للخديوي، وصديقًا للأعيان، ونجم حفلات علية القوم.. لم ينس أن للمصريين حقوقًا عليه، فهم جمهوره الحقيقي، وصانعو شهرته، ومريدوه الأوائل، ولهم عليه فضل لم ينكره.. يغنى لهم، فيطربهم شجنًا، ويطربوه دعمًا وتشجيعًا.. لذلك له معهم العديد من النوادر والطرائف التى تظهر مدى امتنانه لهم..
زاره رجل بسيط فى منزله، فاستقبله ببشاشة وجهه المعروفة عنه، ودعاه إلى الجلوس، وبعد فترة توتر وقلق بدت على وجه الرجل البسيط تشجع..
وقال للحامولي: يا سى عبده أنا من خدامين رجال تختك - فرقتك الموسيقية - أحملهم أفرادًا على حمارى عقب كل سهرة إلى دورهم، وقد كبر ولدى ووحيدي، فأردت أن أزوجه وأفرح به، وكنت فى القهوة، فدعوت بعض إخوانى الحمارين لمشاركتى فى الفرح، فقال أحدهم متهكمًا “يعنى حتجيب الحامولى يغني!!” فحلفت بالطلاق على غير وعى منى بأننى سأفعل، وقد جئت إليك راجيًا أن تمن على فتحضر لتقول يا ليل وتنصرف.. لأنه لا يرضيك أن أعمر دار ولدى وأخرب داري.
وقف الرجل فى خجل شديد، وتقدم من الحامولي، ومد يده بدينارين.. ابتسم الحامولى فى لطف، ورد المبلغ ليد الرجل، وسأله عن موعد الزفاف، وعنوان بيته..
بعد انصراف الرجل.. دعا الحامولى مساعديه، وأمرهم بكسوة الأسرة كاملة، وإرسال ملابس الزفاف للعريس وعروسه، وطلاء المنزل بالكامل، وتزيينه بالأعلام، والاستعانة بأكبر "فراش" فى البلد لإقامة سرادق كبير للفرح، وتجهيز عشاء فخم للمعازيم.. كل هذا كان يتم والرجل البسيط فى حالة ذهول غير مصدق لما يحدث..
فى الليلة الموعودة حضرت العوالم للغناء للسيدات، وحضر الحامولى بتخته للغناء داخل السرادق.. قيل عن هذا الحدث إن الحامولى غنى فى الحفل كما لم يغن لا من قبل ولا من بعد.
 
اعتاد كل من الحامولى والخلعى وسيد درويش الاستماع إلى الغناء الارتجالى للباعة فى الأسواق والشوارع، والاستعانة بهذا الغناء المعجون بروح المصريين لتطوير الأغنية، وتمصيرها بعيدًا عن آمان يا لاللي..
أثناء ممارسة الحامولى لهذا الطقس بعد عودته من سهرة صباحى فى بيت أحد الباشاوات.. شاهد بائعة فجل عجوز تبكي، وتنعى حظها السيئ.. اقترب منها يستفسر عن حزنها، فعرف أنها لم تبع من الفجل شيئًا لعدم قدرتها على تسويقه بالغناء، وأن جارتها الصبية الصغيرة تبيع أفضل منها، وأنها مكبلة بمسئولية بيت كامل فيه أسرتها الفقيرة..

أمسك الحامولى الفجل، وغنى للناس "ريان يا فجل".

.
غناها وأبدع بالبياتى والصبا وراحة الأرواح والنهاوند والحجاز، وغيرها من المقامات الموسيقية.. فى هذه الفترة كان الغناء يعتمد على الصوت أكثر من الكلمات، وكان المطرب بكلمات غاية فى البساطة يغنى مستعرضًا كل إمكانياته الغنائية..
تجمع الناس حوله، وتزاحموا عليه.. ينشدون طربه، ويشترون فجل العجوز، فباع لهم حزمة الفجل بطريقة المزاد.. ها.. مين يزود؟
انتشر الخبر فى دقائق، وحضر لموقع الحدث باشاوات كانوا عائدين من سهرتهم، وشاركوا الناس هذه الاحتفالية الغريبة، واشتروا الفجل بجنيهات ذهبية محبة فى الحامولى وعشقًا فى صوته.. ما باعه الحامولى وأعطاه للسيدة يفوق فى مجموعه سعر بيت من بابه..
تحاكى الناس عن هذا الموقف، وتناقلوه فى سهراتهم، وقيل وقتها "الحامولي.. فريد عصره ولو غنى ريان يا فجل"، وجرت المقولة بين الناس مجرى الحكم والأمثال.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة