أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد إبراهيم الشريف

ماكيت القاهرة .. اندهش أنت فى عالم طارق إمام

السبت، 04 ديسمبر 2021 09:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما أقول إننى "أحب كتابات طارق إمام"، فذلك ليس مجرد شعور أقوله والسلام، إنه وعى تام بحالة ثقافية تأخذ بيدى إلى دهشة خاصة وعالم مكتمل ودنيا لم تخطر على منطقى أبدًا، وها نحن على موعد مع رواية "ماكيت القاهرة" الصادرة عن منشورات المتوسط، حيث كل شىء دائرى، بداية من الزمن وانتهاء بالمكان، وبينهما الإنسان ذلك المحطم تقريبا لكنه فى الوقت نفسه المقاوم بطريقته، لدينا القاهرة بعالمها الذى نعرفه وعالمها المجهول أيضا، ولدينا شخصيات "نود وبلياردو وأريجا، وفى النهاية تظهر مانجا" ضحايا أكثر من كونهم أبطالا، ولدينا "المسز" من وراء كل ذلك تديره وتتحكم فيه، كأنها  عقل العالم، ومن وراء الجميع ذلك المجهول "منسى عجرم" بكتابه الغريب الذى يكتب أقدار الجميع، هى ليست أسماء إنها ألقاب تقريبا، لا نعرف أسماءهم الحقيقية هم يعرفونها ويضطرون أحيانا لاستخدامها لكنهم لا يخبرونا بها.
 

سحر البدايات 

ليس هناك أبدع من المفتتح الجميل فى أى عمل فني، لأنه يظل عالقا فى ذهنك، حتى بعدما تنتهى من العمل، تخيلوا معى أن أول ما تقرأه فى رواية ماكيت القاهرة جملة "يتذكر أوريجا أنه كان طفلا حين قتل أباه بهذه الطريقة: ألصق إصبعا بجبهته متخيلا أنه مسدس وأطلق دويا من فمه: بوم".

بهذا المفتتح يضعنا طارق إمام مرة واحدة فى قلب الخيال، لأن الصدمة الأولى تجعلنا ننتبه لما هو آتٍ، كما أن هذا المفتتح معانيه ودلالته منتشرة حتى نهاية الرواية، سنجده قدر "أوريجا" كما يشير إليه كتاب "منسى عجرم" الغريب، كمانجد القتل بصورة أو أخرى واقع يقوم به الجميع.

ليست مجرد حكاية

لدى طارق إمام مفهوم عن الرواية، وعن الواقع والمتخيل، وعن الهامش والمتن، لذا فإن أعماله ليست مجرد "حكايات" بمعنى أن هذه الرواية التى بين أيدينا لا يمكن "حكيها" لقد حاولت أن أختبر نفسى فى ذلك فتلعثمت وشعرت بالظلم ولم أقتنع بما قلته: "إنها تحكى عن القاهرة وعن أسرة غرائبية وعن مدينة عظيمة ومشروع لصنع ماكيت لها"، وعندما حاولت أن أختصر حياة "نود" مثلا فشلت، فكل جملة كتبت عنها فى العمل لها دورها، حواراتها مع "المسز" وأفكارها التى دارت فى باطن عقلها، واللغة التى استخدمتها مهمة أيضا، وهكذا كل شخصيات العمل، لا يمكن اختصار حكاياتهم.

الخيال البكر 

قد يظن البعض أن خيال طارق إمام غريب، ويذهب آخرون إلى أنه متأثر بمدارس الكتابة الغربية، وإنى لأعجب من ذلك، فكلما قرأت لطارق إمام أجده الأكثر ارتباطا بمفهوم الخيال الفنى كما عرفه العرب وكما أحبوه، وتكفى الإشارة إلى ألف ليلة وليلة وكتاب كليلة ودمنة وغيرها من متون السردية العربية، لنتأكد من ذلك.

وفى "ماكيت القاهرة" نجد خيالا بكرا فكلما شعرت أنك وصلت إلى النهاية يفاجئك بما هو أكثر، حينها تفتح روحك على آخرها لتلقى الخيال والتعامل معه، فلكل شيء فى الرواية منطق، لكنه منطق خيالى، فإن تصبح "نود" عملاقة بالنسبة لبلياردو فى لحظة ما، فحسب الرواية لا ترى ذلك غريبا، وأن يجد بلياردو عينا بشرية ضخمة فى الطريق فبعد أن تنتهى من الرواية تعرف أن ذلك أمر طبيعى تماما، فقط كل ما عليك بعدما تستمتع بقراءة "ماكيت القاهرة" أن تذهب فى جولة فى شوارع القاهرة، وأنت تتذكر شعار "ابتسم.. أنت فى القاهرة".
 
إن رواية ماكيت القاهرة حكاية عن عوالم متوازية فى نفس الإنسان قبل أن تكون خارجه، وحكاية عن تضخم وتقزم واختفاء الأبنية والأحلام، وعن التنظيم والعبث، وقوانين يضعها المسئولون وقوانين تضعها الحياة وأخرى يضعها الناس بأنفسهم مثلما فعل "الكابو" فى مقهى "عينى" الذى لا يدخله إلا فاقدو أعينهم ولا يسمعون إلا أغنيات حميد الشاعرى، كما أن الرواية بها نفس ملحمى، وبها نفس ممتد من أعمال طارق إمام السابقة مثل "مدينة الحوائط اللانهائية" ذكرتنى بها مثلا قصة المانيكان الجبس.
 
والمهم أن رواية ماكيت القاهرة ستدخلها بحال وتخرج منها بحال، وهذا ما يفعله الفن دائما.








الموضوعات المتعلقة

شمس الدين الإنبابى

الأربعاء، 01 ديسمبر 2021 11:54 ص

سعيد باشا.. هل كان انتماؤه مصريا؟

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021 12:53 م

عباس محمود العقاد

الأحد، 28 نوفمبر 2021 10:47 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة