أحمد النجمى

نحو مشروع ثقافي للجمهورية الجديدة (2)

الثلاثاء، 02 نوفمبر 2021 06:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أول مايتبادر إلى ذهن المرء حين يتناول الشأن الثقافي هو الكتاب. .والحق انه برغم تعدد الوسائط الإلكترونية التي غيرت الشكل المعتاد للكتاب فإنه لايزال بصورته التقليدية غالبا ومطلوبا ومتفوقا ولاغنى عنه ..من حيث كونه لايزال الإدارة الرئيسية لنشر الثقافة.

 

زخم نشر الكتاب يراوح مكانه.. في الستينيات شهدت مصر حركة نشر مهولة للكتب سواء كتب التراث العربي وأمهات الكتب أو الكتب الجديدة التي عرفتنا باجيال جديدة من الكتاب صاروا اعلاما في أبواب الكتابة بعد ذلك أو الكتب المترجمة ..وجميع ما أنتجته منظومة الكتاب في مصر -الستينيات لايزال يمثل النواة الأساسية لأية مكتبة في بيوتنا حتى الآن..كان هذا في زمن تولى فيه الراحل العظيم ثروت عكاشة الحقيبة الثقافية ...ومرت عقود شهدت ركودا وتراجعا وخفوتا حين بدا المجتمع -إلا قليلا- منصرفا عن الثقافة راغبا في الاستهلاك .. وفي التسعينيات -وحين كان فاروق حسني وزيرا للثقافة -شهد الكتاب انتعاشا جديدا ربما ليس بنفس الحجم ولا بنفس القيمة لكنه حرك في المجتمع قوى إيجابية كامنة ..فسلسلة من سلاسل وزارة الثقافة كانت تصدر كتيبات عن التنوير تحمل عناوين مهمة في تاريخ الكتاب المصري والعربي والاجنبي المترجم ..سلسلة كهذه صدرت في التسعينيات حمت كثيرا من أبناء جيلنا -جيل التسعينيات الذي يقترب عمره الآن من 50 عاما- من السقوط في الفكر المتطرف. .كما أن إصدارات بالغة الأهمية حملت عنوان (القراءة للجميع)استمر صدورها عشرين عاما وزيادة شملت كل فروع المعرفة وبيعت بأسعار زهيدة مثلت أيضا ركنا مهما للمكتبة المصرية حمت اسرا كاملة من التطرف. .!

فإن كنا بصدد استشراف ملامح مشروع ثقافي متكامل لجمهوريتنا الجديدة فإن أول ركن في هذا المشروع هو الكتاب. وهنا نبدأ القول بأن وزارة الثقافة المصرية بها عدة مؤسسات تقوم بالنشر ..من هيئة الكتاب إلى قصور الثقافة وغيرهما ..لكن هذه الكتب تبدو للمتابع وكأنها لا تصدر ..وهناك مئات المواهب في الريف -بحري وقبلي- لا تجد فرصة للنشر برغم عظمة هذه المواهب. .وهناك طوابير طويلة من العناوين في الرواية والقصة القصيرة وكتب النقد والأعمال المترجمة والكتب المتنوعة في الاقتصاد والفلسفة والعلوم ..طوابير لا تجد منفذا للنشر وتنتظر طويلا حتى يسعدها زمانها وتنشر أعمالها. إننا ونحن نتصور مشروعا ثقافيا لهذا الوطن في جمهوريته الجديدة لا يمكننا أن نتصالح مع مشهد من هذا النوع ..ونقترح أن يتم توحيد نشاط النشر في وزارة الثقافة كلها في (لجنة عليا للنشر) لها فرع في عاصمة كل محافظة ..لا تتشكل من الموظفين ولا يتم تصعيد أعضائها بالأقدمية وإنما بالكفاءة والقدرة على معرفة المواهب الشابة في كل محافظة ..وات يكون أعضاء كل لجنة في المحافظات من أبناء المحافظة ومن القاطنين بها لنضمن جدية قدرتهم على التواصل مع المواهب والاقلام في كافة التخصصات. .ولهذه اللجنة يتم تحويل كافة ميزانيات النشر في وزارة الثقافة بتكوينها الراهن .. وتكون هناك لجنة مركزية ترأس جميع هذه اللجان مقرها القاهرة. هذا التشكيل الجديد سيفكك أزمة النشر من جهة وسيتيح الفرصة لألاف الأقلام في المحافظات لكي تظهر .

كذلك يمكننا أن نعيد تجربة القراءة للجميع مرة أخرى. .لماذا لا نعود إلى فكرة إصدار كتاب كل 24ساعة وهي الفكرة التي شكلت ركنا أساسيا في الإصدارات خلال الستينيات؟ القراءة للجميع يمكن أن تلعب هذا الدور ..وتتكون لها لجنة مختصة تديرها بعيدا عن لجان النشر التي سبق أن ذكرناها. .تعمل وفق معايير واضحة وميزانية شفافة وتضم في عضويتها كبار المثقفين في كل الاختصاصات.

هناك خطوة أخرى يمكن أن تنهض بالكتاب في الأقاليم ..فإن كنا اليوم نشهد مشروعا جبارا أعلنه ويقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي في الريف المصري يعيد تشكيل واقع هذا الريف بصورة تصلح للجمهورية الجديدة. .فإن ركنا بالغ الأهمية فيه هو المكتبات العامة ..4600 مكتبة في 4600 قرية تكون رئة حقيقية لكل المصريين بكافة اجيالهم لكي يتثقفوا .. كل مصري يدخل إلى هذه المكتبات هو ناج بالضرورة من التطرف الديني الذي يمهد لصناعة الإرهاب ..كتب في كافة التخصصات وتناسب كافة الأعمار .. رسم دخول هذه المكتبات ينبغي له أن يكون رمزيا لكي نحقق الهدف الأسمى من إنشائها. .وإذا كانت الدولة المصرية تستهدف القضاء على الإرهاب بكل السبل فإن هذه المكتبات ستكون سلاحا خطيرا في سبيل تحقيق هذا الهدف.

وليس من الضروري أن تكون هذه المكتبات تابعة لوزارة الثقافة ومن الممكن أن تكون تابعة للمحليات بالتنسيق مع وزارة الثقافة.

كذلك يمكن أن نعود إلى إصدار أمهات الكتب التراثية العربية والعالمية والموسوعات الكبرى في كافة التخصصات عبر سلاسل متخصصة يعهد بها إلى الهيئة العامة للكتاب على أن يراعى في أسعارها أن تكون في متناول الجميع.

وبعد فهذه أفكار مطروحة للنقاش تختص بجانب واحد من جوانب العمل الثقافي وهو الكتاب..وللمنظومة التي نستهدفها جوانب متعددة نستعرضها تباعا في المقالات القادمة.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة