أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد أحمد طنطاوى

هل نحتاج 43 كلية ومعهد لدراسة الإعلام؟!

الخميس، 11 نوفمبر 2021 11:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منشور صغير على صفحة الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، أثار انتباهي وشجوني في الوقت ذاته، وفتح قضية كبيرة تدور حول جدوى تأسيس وإنشاء كليات أو أقسام جديدة في تخصصات الإعلام، بعد أن صار العدد في القاهرة والجيزة وحدها 13 كلية، وخمسة معاهد عليا، بالإضافة إلى حوالي 30 كلية وقسم ومعهد خاص خارج القاهرة، حسب ما ذكره أستاذنا الكبير الدكتور علم الدين، ومع كل هذا العدد يوافق المجلس الأعلى للجامعات على إنشاء كلية للإعلام الرقمي في جامعة عين شمس!

حتى نعرف كيف كانت القصة، سأعود بالذاكرة لعشرين سنة أو يزيد، حين كنت طالباً في كلية الإعلام جامعة القاهرة، ولم يكن هناك سواها على مستوى الجمهورية، فقط مجموعة من أقسام الإعلام في كليات الآداب بعدد من الجامعات الحكومية، وكانت الدفعة كاملة حوالي 600 طالب في أقسام الصحافة والإذاعة والعلاقات العامة، وكان رفقاء الدفعة في قسم الصحافة لا يزيد عددهم على 120 طالب وطالبة على أقصى تقدير، ومع ذلك من عملوا بمهنة الصحافة والإعلام في هذه الدفعة لم يتجاوز 10% من الخريجين، والأغلب إما ارتبطوا بوظائف ليس لها علاقة بتخصصاتهم، أو انضموا لطوابير البطالة، أو زميلات فاضلات تزوجن وانتهت علاقتهن بالدراسة والعمل وهذا للأسف النموذج الأكبر!

لم تكن الحياة العملية سهلة وميسرة لنعمل، ولم تكن أبواب الصحف ووسائل الإعلام مفتوحة على مصراعيها لتستقبلنا حتى نمارس ما تعلمنا، لكن كانت عملية البحث عن سُلم أصعب من الصعود في ذاته، وقد كانت خطواتنا الأولى ثقيلة وصعبة واستغرقت سنوات وسنوات، وقد جاءت رحلة الالتحاق بنقابة الصحفيين بعد سنوات من الشقاء والعناء في بلاط صاحبة الجلالة، وشخصيا لم ألتحق بالنقابة إلا بعد مرور حوالي 5 سنوات كاملة من تخرجى.

السؤال الذي يجب أن نطرحه على المجلس الأعلى للجامعات الحكومية والخاصة، يتعلق بجدوى كليات الإعلام التي يتم تأسيسها يوماً بعد الآخر، حتى صار من يخرجون منها سنوياً قد يصل عددهم إلى 10 آلاف، فى حوالي 43 كلية ومعهد، في حين أن عدد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التي تأسست عام 1941، أي منذ 80 عاماً 9915 صحفياً فقط!

سوق العمل في مجال الإعلام تحت أي مسمى وأى تخصص لا يحتمل كل هذه الأعداد الكبيرة، خاصة أنه مكدس بالفعل ويعاني تحديات كبيرة مرتبطة بالصراع مع السوشيال ميديا، والوسائل غير التقليدية التي جعلت الجمهور العادي يمارس دور الإعلامي المحترف، لذلك يجب أن نفهم الدوافع نحو إنشاء عشرات الكليات المتخصصة في الإعلام بفروعه المختلفة، والفرص الحقيقية التي يمكن توفيرها للخريج، ومدى حاجة سوق العمل الفعلية لعناصر جديدة تعمل في المهن المرتبطة بصناعة الإعلام.

الإعلام صناعة مهمة وكبيرة، لكنها أيضاً مكلفة وعوائدها ليست مربحة كما يتصور البعض، فالصحف ووكالات الأنباء والقنوات الإخبارية ما هى إلا مؤسسات رأى عام، هدفها الأساسى إخبار وإعلام الجماهير وليس الربح، لذلك أتصور أن سوق العمل الإعلامي لا يتحمل أبداً 100 ألف خريج خلال السنوات العشر المقبلة.

العالم يتوسع في اقتصاد المعرفة والجامعات التكنولوجية، والكليات التي تهتم بالذكاء الاصطناعي، والمجالات العلمية التي لها عوائد مباشرة على اقتصاديات الدول، مثل تخصصات، النانو تكنولوجي، الميكاترونيكس، علوم البيانات، الهندسة الطبية، القياسات الحيوية، تكنولوجيا الزراعة، وغيرها من التخصصات التي تخلق آلاف فرص العمل، وتعتبر فرصة عمل مناسبة ومجال حقيقي للمنافسة والتميز.

يمكن أن يتصور البعض أن الإعلام أحد التخصصات البراقة، التي تجد زبونها بين الطلاب، وهذا أحد أسرار توسع الجامعات الخاصة فيه، ترويجاً لفكرة كيف تصبح صحفياً لامعاً أو محاوراً مميزاً، في حين أن جزء كبير من العاملين في المجال الإعلامي لم يدرسوا الإعلام، بل مارسوه من باب الهواية أولاً، ثم الاحتراف وهذا ليس عيباً بالمناسبة، ويحدث في كل دول العالم، إلا أن الحقيقة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا أن الفرص محدودة، وليست بالسهولة التي نتصورها.

أخيراً النقاش في قضية سوق العمل والخريجين من كليات الإعلام لا يتوقف عند كل ما ذكرته في السطور السابقة، لكنه يرتبط أيضاً بحجم الدراسات العليا ورسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الترقية والأوراق البحثية، التي يتم نشرها في هذا المجال، حتى باتت بعض كليات الإعلام تناقش رسالة ربما أكثر يومياً، وهذا كلام لا يمكن قبوله، خاصة أن أغلب ما يتم عرضه وإجازته مكرر أو ضعيف أو خارج سياق الواقع الإعلامي، لذلك أتمنى ألا تتحول فكرة الدراسات العليا في مجال الإعلام إلى مجرد تمضية وقت فراغ، أو سعى للحصول على ألقاب ومسميات فقدت الكثير من بريقها بفعل فاعل.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة