"البلاغات الكاذبة" أداة تشويه سمعة "ولاد الناس" بفعل فاعل.. أقسام الشرطة تبذل جهودا مضنية لفحص الآلاف منها.. تمثل "قنابل موقوتة" على مكاتب جهات التحقيق تنتظر الإحالة أو الحفظ.. ومطالب بتشديد العقوبات ضد مقدميها

الخميس، 07 يناير 2021 02:30 ص
"البلاغات الكاذبة" أداة تشويه سمعة "ولاد الناس" بفعل فاعل.. أقسام الشرطة تبذل جهودا مضنية لفحص الآلاف منها.. تمثل "قنابل موقوتة" على مكاتب جهات التحقيق تنتظر الإحالة أو الحفظ.. ومطالب بتشديد العقوبات ضد مقدميها البلاغات الكاذبة أداة تشويه سمعة ولاد الناس
كتب علاء رضوان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"البلاغ كاذب وكيدية الاتهام".. جملة ترددت على الأسماع والأذهان خلال الفترة الماضية في العديد من القضايا حيث يحمل – البلاغ الكاذب - وراءه العديد من الأسئلة حول الأسباب التي تدفع البعض لارتكابه خاصة أنه يعتبر جريمة تستنزف من حولها وفق القانون، وأهم الآثار المترتبة على هذا السلوك السيئ والخاطئ الذي يثير القلق والرهبة في نفوس الناس بعد تحرك الجهات المختصة لموقع البلاغ.

وفى الحقيقة لا تخلو أي واقعة من اتهام الأشخاص بعضهم البعض لمجرد نفى التهمة عنهم، وتعاني الأجهزة الأمنية في المنطقة العربية أشد المعاناة من القضايا المعروفة بقضايا "البلاغ الكاذب" أو ما تُعرف في بعض البلدان العربية بجريمة "الافتراء"، وذلك لما تبذله الأجهزة الأمنية من جهد شاق في تحقيق القضايا والبلاغات والتحري عنها ثم تكتشف بعد ذلك أن البلاغ ما هو إلا بلاغ كاذب، حيث تمثل تلك الجريمة اعتداء على الفرد والمجتمع وتدخل أحياناَ في القذف والاعتداء على الشرف والسب. 

40887-11111111111111

البلاغات الكاذبة وتشويه سمعة الآخرين بفعل فاعل

وفي الآونة الأخيرة، انتشرت جريمة "البلاغ الكاذب" سواء كانت لأهداف مادية للحصول على المكافأة المالية التي قررتها الدولة أو الأشخاص، ما يؤدى معه إلى الإضرار بالأشخاص وتشويه سمعتهم، وأيضاَ تمثل هذه الجريمة إزعاج للسلطات العامة من خلال بلاغات لا أساس لها من الصحة حيث أن السلطات كما ذكرنا تقوم بالتحري وتضيع وقتها على وقائع لم تحدث.

 

التقرير التالي يلقى فيه "اليوم السابع" الضوء على أزمة البلاغات الكاذبة، ودور الأجهزة الأمنية في التحقق منها وفحصها ومدى المشقة التي تبذلها الجهات المعنية في التأكد والتثبت منها أو مدى كذبها وكيديتها حيث تنتشر بوضوح في المجتمع المصري وقائع – البلاغات الكاذبة تتمثل في كثرة البلاغات "الكيدية" التي يقدمها أشخاص بهدف التنكيل والتشهير بأشخاص آخرين أو الانتقام منهم، وفى بعض الأحيان تتسبب تلك البلاغات في الزج بأبرياء خلف القضبان، أو وضع آخرين في مواضع الشبهات بعد التحقيق معهم، واحتجازهم في أقسام الشرطة لأيام أو ربما لشهور، وما من يوم يمر علينا إلا طالعتنا الصحف والجرائد ببلاغ لفلان ضد فلان.

129396-22399bf462

جهود أمنية مضنية لفحص آلاف البلاغات يوميا

في البداية -  يقول الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق أمجد الشافعى – أن رجال الشرطة يتلقون يوميا آلاف البلاغات والشكاوى على مستوى أقسام ومراكز الجمهورية، ويجرون التحريات حول آلاف أخرى ما بين قتل واغتصاب وسرقة وتجارة مخدرات وبلطجة ومشاجرات ونصب وتزوير وغيرها، ولكل بلاغ طبيعة وظروف خاصة عن غيره من البلاغات، وقطعا في ظل تلك الظروف وهذه الأعداد الضخمة، يصعب التمييز بين البلاغ الكيدى والبلاغ الصحيح، ولكن في كثير من الأحيان يكتشف رجال المباحث كيدية البلاغ خلال التحريات، وذلك بعد بذل جهود مضنية، وفى أحيان أخرى لا يكتشفون ذلك ومن ثم يمكن أن يضار مواطن برىء.

 

وبحسب "الشافعى" في تصريح لـ"اليوم السابع" - أجهزة البحث الجنائى حريصة كل الحرص على إجراء التحريات بدقة شديدة، وجمع المعلومات من أكثر من مصدر للتأكد من صحة المعلومات الواردة في البلاغات قبل اتخاذ أي إجراء قانونى قبل المتهمين، وفى حالات كثيرة تجرى تحريات تكميلية للوقوف على الحقائق كاملة، وكثيرا ما تصدت الأجهزة الأمنية للبلاغات الكيدية، واتخذت الإجراءات القانونية قبل مقدميها، حيث أن قطاع الأمن العام يحرص على فحص البلاغات جيدا رغم كثرتها للتأكد من جديتها قبل إحالتها إلى النيابة.

149779-111

عقوبة البلاغ الكاذب

 

أما عن الناحية القانونية بشأن "البلاغ الكاذب" – يؤكد الخبير القانوني والمحامى هانى صبري – أن القانون المصرى جرم البلاغ الكاذب وفقاً لما تنص عليه المادة 305 من قانون العقوبات: "وأما عن من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكورة ولم تقم دعوى بما أخبر به"، حيث أن عقوبة البلاغ الكاذب هي المنصوص عليها في المادة 303 عقوبات وهي: "يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه، فإذا وقع البلاغ الكاذب في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة كانت العقوبة الحبس مع الشغل مدة لا تقل عن سنة وغرامة .."، وتقيد جنحة بالمادتين "303 ، 305" من قانون العقوبات.

 

ويُضيف "صبرى" في تصريح خاص أن علة التجريم في البلاغ الكاذب، هي عقاب من تسول له نفسه استغلال حق الإبلاغ للسلطات العامة وإساءة استخدامه على نحو يجعله من ناحية التعرض للأفراد بالطعن في شرفهم واعتبارهم، ومن ناحية أخرى حماية السلطات الإدارية والقضائية من إقحامها في بلاغات كيدية وتعطيل سير العدالة، تعتبر جريمة البلاغ الكاذب تعمد إخبار إحدى السلطات العامة كذبا، ما يتضمن إسناد فعل معاقب عليه إلى شخص معين بنية الإضرار به، وأيضا هي أخبار بواقعة غير صحيحة تستوجب عقاب من تسند إليه، ويستفاد مـن ذلك أن جريمة الـبلاغ الكاذب جريمة عمدية لها ركنان مادي معنوي والـركن الـمعنوي وهـو الـقصد الجنائي يشـتمل علي قصد عام وآخر خاص وذلك علي النحو التالي:

 

الركن المادي:

وهـو الفعل ويتمـثل في الإبلاغ بأمر كاذب أو بواقعه يعاقب عليها القانون ضد شخص ما.

 

 الركن المعنوي:

ويـلزم لـهذه الـجريمة توافر قصد عام وخاص فالقصد الـعام هـو عـلم الجاني بأن واقـعة أو الخـبر كاذب ولا أسـاس له من الصحة والقصد الخاص هو انصراف قصده إلي النيل من المجني عليه للإضرار به.  

676080-mag-276-90

كيف تتوافر أركان جريمة البلاغ الكاذب؟

 

فإذا تعمد المبلغ القيام بالإبـلاغ كـذبا ضـد المبلغ ضده بوقائع يعـاقب عليها قانـون العقوبات وأن هذه الوقائع قد ثـبت عدم صحتها وكذبها وأنها لا أساس لها من الصحة، ومن ثم فأن هذه الوقائع ليس لها وجود في الواقع وأن ذلك الإبـلاغ قد تم بسـوء قـصد من المبلغ بهدف النيل من المجني عليه والإضرار به وبسمعته وشرفه وبذلك تتوافر وتتكامل في حقه أركـان جـريمة الـبلاغ الكاذب المعاقب عـليها فـي الـمادتين "303، 305" من قانـون الـعـقـوبات.

 

ولما كان المقرر قانونا أن للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع دعوى البلاغ الكاذب إلى محكمة الجنح بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها عملا بالحق المخول له بموجب المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية ذلك أنه يجوز تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر دون انتظار تصرف النيابة العامة فى البلاغ المقدم من المدعى بالحقوق المدنية لان البحث فى كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك إنما هو أمر موكول إلى المحكمة تفصل فيه حسبما يؤدى إليه اقتناعها. 

 

وإذ أبلغ الجاني كذبا مع سوء القصد بأن المجني عليه قد ارتكب فعل يعاقب عليه القانون وإذ ثبت يقينا كذب هذا البلاغ فأن الجاني يكون قد ارتكب الجريمة المعاقب عليها بالمادة 305 من قانون العقوبات – الكلام لـ"صبرى".

 

ومن ثم يحق للمضرور من الفعل الغير مشروع الذي اقترفه المبلغ الرجوع عليه بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به، مع حفظ كافة حقوقه الآخري، إلا أنه يجب علي المدعي بالحق المدني إثبات كذب المبلغ وسوء قصده، ويكون الاثبات الجنائي بكافة طرق الاثبات، ولا يشترط في ثبوت كذب البلاغ ضرورة صدور حكم بالبراءة أو أمر بالحفظ في موضوعه، بل للمحكمة أن تقول بكذب البلاغ المرفوعة به الدعوى أمامها بناء على ما تستخلصه من التحقيقات المطروحة عليها أو التي تجريها، وبناء عليه نناشد المشرع بتغليظ عقوبة جريمة البلاغ الكاذب لحماية المواطنين من إساءة استعمال حق التقاضي من البعض، ولمنع من تسول له نفسه الإضرار بالغير – هكذا يقول "صبرى". 

165956-محكمة_41

 

مدى تأثير البلاغات الكيدية في سلطة التحقيق

 

أما عن الجانب القضائى – يقول المستشار أحمد عبدالرحمن الصادق – رئيس المحكمة السابق والمحامى، إن ظاهرة البلاغات الكيدية أصبحت تؤرق سلطات التحقيق، لتسببها في تكدس البلاغات، وتعطيل فحص قضايا أكثر أهمية وبطء التقاضي وصعوبة تحقيق العدالة الناجزة، خصوصا وأن بعض مقدمى تلك البلاغات يقدمون نسخا منها لأكثر من جهة تحقيق ومنها ما يكون من أجل الشهرة والتشهير بالآخرين، ومن ثم أصبح من الضرورى التصدى لتلك الظاهرة، وتغليظ عقوبة مقدمى البلاغات التي لا سند قانونى لها، والتي تقدم غالبا بغرض تصفية الحسابات.

 

ويؤكد "الصادق" في تصريحات خاصة - أبرز الإجراءات المطلوبة للحد من تلك البلاغات، هو إعطاء النيابة العامة الحق في تحريك الدعوى الجنائية ضد مقدميها، وتقديمهم للمحاكمة العاجلة، وفى ذات الوقت سن تشريعات جديدة من شأنها تغليظ عقوبة البلاغ الكيدي، وذلك في حالة التأكد من ثبوت التعمد بإضرار المشكو في حقه، ومن الممكن كذلك إلزام مقدمى البلاغات بكتابة إقرارات بعدم تقديم ذات البلاغ في أكثر من جهة، والأهم من ذلك هو وضع برامج "توعية مجتمعية" توضح للمواطنين حجم الأعباء الملقاة على جهات التحقيق في فحص واستقبال الشكاوى في ظل ما تموج به البلاد، ومن ثم دعوتهم إلى عدم إرهاق جهات التحقيق والشرطة في خصومات شخصية أو التشهير بالآخرين، وإظهار خطورة الأمر من الناحية الدينية.

546

 هل حكم البراءة ضد المتهم يعنى أن البلاغ كاذب؟

 

ويُضيف رئيس المحكمة السابق - إن من يتقدم بشكوى ضد شخص يجب أن تكون حدثت بالفعل، أما إذا أبلغ عن أحد معين أو واقعة بعينها لم تحدث، وكان يقصد به سوء النية والإساءة إلى المبلغ ضده، هنا تتحقق جريمة البلاغ "الكيدى"، حيث أن العقاب في البلاغ الكيدى يكون بالحبس والغرامة، أو هاتين العقوبتين، ولكن يجب أن نميز بين المقصود بالبلاغ الكاذب بهذا المعنى، والمقصود بكون الواقعة قد حدثت، وأن المبلغ ضده قد حصل على البراءة، مشيرا إلى أنه ليس كل براءة بناء على شكوى تفيد أن هذه الشكوى ناجمة عن بلاغ كاذب، لأن البلاغ الكاذب يعنى أن الواقعة لم تحدث أصلا.

 

وأشار "الصادق" إلى أن قانون العقوبات في المادة 303 لم يحدد عقوبة معينة على البلاغ الكاذب، واكتفى أن يكون العقاب في "عقوبة القذف" ونص على أن من: "يعاقب على القذف بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تزيد على 10 آلاف و500 جنيه، أو إحدى العقوبتين"، موضحا بأن القانون حدد أركان وتعريف للبلاغ الكاذب في المادة 305 وهو من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد يستحق العقوبة، ولو لم يسبب شائعة والعلة من تجريم هذه الجريمة، هو تحقيق مصلحة مزدوجة الأولى خاصة بالأفراد، وحماية شرفهم في مواجهة البلاغات الكاذبة، والثانية حماية للسلطات الإدارية والقضائية من شر التضليل بالبلاغات، التي تعطل وظيفتها وتشوه قصدها.

images

طلب إحاطة لتشديد العقوبة حول البلاغات الكاذبة

 

يشار إلى أن النائب تادرس قلدس – سبق له وأن تقدم بطلب إحاطة في مجلس النواب المنصرم إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، حول ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية، وتشديد العقوبة على مرتكبي البلاغات الكيدية لما تسببه من ارتباك في أجهزة الشرطة والقضاء، وأوضح أن المحاكم وأقسام الشرطة باتت تعج يوميا بالعديد من تلك البلاغات والقضايا، التي لا أساس لها من الصحة، وبرغم أن مقدم البلاغ يعلم يقينا أن ما قدمه ليس له أساس من الصحة، إلا أنه يهدف من تلك الخطوة للتشهير بسمعة آخرين.

 

وأكد النائب أن الردع العام ما زال يحتاج لتغليظ العقوبة لأكثر من سنة، ليكون الجزاء من نفس العمل، فالتشهير بالأبرياء أصبح سمة غالبة والسب والقذف نهج يرتكبه البعض في حق الآخرين، وتحول إلى غاية وسيلتها هي القضاء والشرطة، مشيرا إلى أن إقامة أي شخص لدعوى أمام القضاء هو حق من حقوقه، إلا أن هناك قيودا على هذا الحق حتى لا يضار الآخرون.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة