فاكر مذابح البوسنة والهرسك .. ماذا تعرف عن إبادة الكتب هناك

الأربعاء، 20 يناير 2021 08:00 م
فاكر مذابح البوسنة والهرسك .. ماذا تعرف عن إبادة الكتب هناك مقابر البوسنة
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهدت تسعينيات القرن العشرين كارثة كبرى حلت على البوسنة، حيث قام الصرب بارتكاب أفظع الجرائم وصلت لحد المذابح الجماعية والإبادة الإنسانية، ولكن ماذا تعرف عن إبادة الكتب.
 
تقول "ربيكا نوث" فى كتابها "إبادة الكتب.. تدمير الكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية فى القرن العشرين"، الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، التابعة للمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، فى الكويت، تحت عنوان "إبادة الكتب فى البوسنة":
 
ابادة الكتب
ابادة الكتب
 
على مدى فترات الحكم العثمانى والهنجارى النمساوى ظلت البوسنة كيانًا سياسيًا مستقلًا، ونمت فيها ثقافة قومية، وعزَّز تيتو شرعيتها بتصنيفها جمهورية من مكونات الدولة، على الرغم من المطالب الصربية والكرواتية بأجزاء مختلفة.
 
وعندما أعلنت سلوفينيا وكرواتيا استقلالهما، أصبحت البوسنة فى وضع حرج للغاية، كان بإمكانها إما أن تبقى داخل "يوغوسلافيا" التى يهيمن عليها الصرب وتتجلَّى فيها قومية عنصرية أشد كل يوم (كما تدلّ على ذلك معاملتهم للمسلمين فى كوسوفو)، وإما أن تعلن استقلالها وتواجه انهيارًا أكيدًا على يد صربيا وكرواتيا اللتين من المرجح أنهما ستنضمان إلى البوسنيين الذين يختارون تحديد هويتهم إثنيًّا، بوصفهم صربًا أو كرواتًا، بدلًا من تحديدها قوميًا بوصفهم بوسنيين، عندئذ قد تُقسَّم البوسنة متعددة الثقافات إلى مناطق إثنية حصرية.
 
وفى مارس 1991 صوَّت 68 فى المائة من البوسنيين لمصلحة الاستقلال فى استفتاء شعبى مدعوم دوليًا، وأحجم الصرب، الذين يمثلون ثلث السكان، عن التصويت، وبمجرد إعلان الاستقلال اجتاح الجيش اليوغوسلافى الذى يسيطر عليه الصرب وقوات صربية شبه عسكرية، مدعومين بالمتطوعين من صرب البوسنة، شرق البلاد.
 
البوسنة
 
كانت الحرب فى البوسنة، من عدة جوانب، تصعيدًا لما حدث فى كرواتيا، ومع ذلك فقد كانت حربًا مختلفة من الناحية النوعية، بحلول نهاية الثمانينيات وصلت العنصرية المناهضة للمسلمين فى صربيا إلى مستوىً شديد التطرف، مع شيوع قصص بأن المسلمين يضطهدون الصرب، ويتأهبون لإعلان الجهاد، أو الحرب المقدسة. 
 
وهيَّجت الدعاية الموجّهة التى تتماس مع العنصرية المتجذرة فى الثقافة الصربية، والتى أطلقها مفكرون صرب ووسائل إعلام صربية، مشاعر العداوة والبغضاء، إذ استشهدت ملاحم شعبيّة صربية (وهى قراءة إلزامية فى الصفوف الدراسية) بتاريخ من المظالم والشكايا، ودعت إلى ذبح المسلمين وتدمير الثقافة الإسلامية، وقد هدفت الجهود المتضافرة للجيش اليوغوسلافى والقوات شبه العسكرية وصرب البوسنة إلى إزالة أمة وُصفت بأنها دون البشر من أراضيها، ربما بسبب هذه التوجهات الرامية إلى نزع الصفة الإنسانية عن مسلمى البوسنة جاءت حملة التطهير ضدهم وحشية إلى أبعد الحدود، وقُتل 10 فى المائة من السكان المسلمين .
 
وأُبعد 750 ألف شخص عن 70 فى المائة من الأراضى البوسنية التى استولى عليها الصرب، واعتبِر توظيف أقصى مستويات الرعب عملًا أساسيًا، فمن وراء الفوضى الأساسية كانت هناك خطة لمحو الثقافة الإسلامية على مستويات عديدة، بيولوجية ونفسية ورمزية. 
وهكذا صار الخط الفاصل بين الإبادة الإثنية، أى تدمير ثقافة شعب ماء والإبادة الجماعية، أى تدمير الجماعة ذاتها، مبهمًا وعصيًا على التحديد، واتَّبع الصرب طريقة استهداف أثرى الأثرياء، والأعلى تعليمًا، والقيادات السياسية والدينية، على سبيل المثال، سُجن أكثر من 50 شخصًا فى بريجيدور، بمن فيهم قضاة ورجال أعمال ومعلمون وجراحون وموظفون حكوميون، فى معسكرات اعتقال. و«اختفى» عدد كبير من المعتقلين.
ويمكن استنباط قدر من حجم الدمار الذى لحق بالكتب والمكتبات إذا نظرنا إلى خسائر بلدة واحدة فقط، هى ستولاتش، لقد ضاعت مخطوطات نادرة يرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادى، ووثائق تاريخية، ومواد مكتوبة بخطوط مزخرفة بالذهب والألوان فى أثناء إحراق مكتبة مجلس الجالية الإسلامية ومكتبة مسجد الإمبراطور .
 
كما دُمِّرت المكتبات (كثير منها يضم مخطوطات ووثائق)، وأوراق أقدم العائلات فى البلدة ومنازلها، وفى جانجا Janja أحرقت المكتبة الشخصية القيّمة ثقافيًا التى كان يملكها على صديقوفيتش بما تحويه من 100 مخطوطة باللغات التركية العثمانية والبوسنية والعربيّة والفارسية، بالإضافة إلى المبنى التاريخى الذى يضمها، كما دُمرّت مقبرة عائلة صديقوفيتش.
 
وكما علَّق روبرت فيسك يستغرق الأمر بضع لحظات حتى يُدرك المرء ماذا يعنى هذا. إنهم يقتلون الموتى كما يقتلون الأحياء، كان التدمير المتعمد للكتب والمكتبات مماثلًا أيضًا لقتل الموتى.
 
 وأشار أحد الصحفيين إلى أن ليلة الزجاج المحطم بالنسبة إلى مسلمى البوسنة لم تكن مجرد ليلة أو ليلتين، كما كان الأمر بالنسبة إلى يهود ألمانيا فى نوفمبر 1938، بل على مدى شهور عديدة.
 
 ودمَّر الصرب، بقصفهم المعهد الشرقى فى سراييفو فى العام 1992، أكبر مجموعة مخطوطات إسلامية ويهودية ووثائق عثمانية فى جنوب شرق أوروبا، أى المصادر الرئيسة التى توثق خمسة قرون من تاريخ البوسنة.
 
وضمَّت الخسائر أيضًا مجموعة المخطوطات التركية التى تحوى أكثر من 7 آلاف وثيقة يرجع تاريخها إلى الفترة من القرن الـ 17 إلى القرن الـ19، ووثائق قضائية وصكوك ملكية من جميع مناطق البوسنة تقريبًا فى القرن التاسع عشركان المعهد يضم أكثر من 5 آلاف مخطوطة شرقية، يرجع تاريخ أقدمها إلى القرن الـ 11 الميلادي. 
 
ومن بين جميع الضربات التى استهدفت تاريخ البوسنة وثقافتها المتفردين، كان القصف الذى جرى فى أغسطس من العام 1992 للمكتبة الوطنية للبوسنة والهرسك فى سراييفو وإحراقها هو الأكثر رمزية. 
 
فقد قطع الصرب المياه عن المنطقة المحيطة بها، واستهدفت قوات المدفعية المكتبة الوطنية باستخدام «نيران شيطانية متواصلة من الرشاشات ومدافع الهاون» لإبعاد المواطنين عن إنقاذ الكتب من ألسنة اللهب، وتعطيل رجال الإطفاء.
 
وبذل أهل سراييفو الذين صعقتهم الصدمة كل ما فى وسعهم لإنقاذ الكتب، شكل القائمون على المكتبات والمتطوعون سلسلة بشريّة لتمرير الكتب من أجل إنقاذها، على الرغم من استمرار نيران القناصة. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة