أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد ثروت

حاكموا الآباء المفرطين قبل أن تحاكموا أبناءهم المراهقين

الأربعاء، 02 سبتمبر 2020 04:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
القضية الشهيرة المتهم فيها شباب مراهقون من الجنسين، بممارسة أفعال غير أخلاقية، غريبة ووافدة على مجتمعاتنا الشرقية المحافظة وخصوصا المجتمع المصرى، مهد التدين في المنطقة منذ الحضارة المصرية القديمة، لا يجب أن يتحمل مسئوليتها الشباب فقط، بل الآباء والأمهات الذين فرطوا فى تربيتهم والجلوس معهم والاقتراب منهم، ولو ساعة واحدة يوميا للاستماع لمشاكلهم وهمومهم واهتماماتهم. 
 
لم يفكر هؤلاء الآباء والأمهات فى التحديات الجديدة فى عصر عولمة كل شىء وتسليع كل شيء، فى أن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم وبناتهم، فالأب المشغول بجمع الأموال بأي طريقة وبأقصر مدة، في سبيل تحقيق سعادة وهمية لأبنائه، ومكانة اجتماعية وسط أقرانهم، تتمثل من وجهة نظره، في أحدث سيارة وملابس واردة من الخارج، وكارت ائتماني مفتوح بكل العملات، وعضوية أرقى النوادي، هي أهم من تثقيف وتربية وتنشئة المراهقين، وتعريفهم بالخطأ والصواب والحق والباطل والحقيقة والوهم. لم يعلم هؤلاء الآباء أبناءهم قيمة العمل والكفاح لاكتساب الرزق، ما دام المال يأتي سهلا في جيب مراهق/ مراهقة، إذا سيتم إنفاقه بشكل أسرع وفي أي شيء، طالما سيتوفر غيره. 
 
أذكر أن ناشرا كبيرا رفض أن يعمل ابنه الشاب المهندس مديرا فور تخرجه وصمم أن يبدأ عاملا فى المطبعة، وصاحب سلسلة فنادق عالمية قام بتعيين ابنته فى وظيفة مساعد طباخ ونادلة، لتبدأ من الصفر، وتتعلم قيمة العمل وأن المال يأتى بصعوبة وبعد سعى وجهد، لا كسل وخمول. 
 
أما هؤلاء الشباب الذين ليس لديهم قدوة، فكل طلباتهم مجابة لا ترفض أبدا، ولديهم أوقات فراغ كبيرة، وصداقات فى نفس مستواهم ونفس اهتماماتهم، ونفس عقلية الآباء والأمهات، فالأم كذلك مهتمة بالشكل الاجتماعي أكثر من حكمة الزواج وبناء الأسرة، وهي تفضل الجلوس مع صديقتها المقربة أكثر من ابنتها، ولم يعد الأب والأم يجلسون مع أبنائهم حول مائدة طعام واحدة أو يشاهدون معا عملا دراميا أو مباراة في التليفزيون، ولو صادف وتجمعوا حول مائدة واحدة، فكل واحد مشغول بتليفونه المحمول، والدردشة مع أصدقائه الحقيقيين والافتراضيين على وسائل التواصل الاجتماعي.  
 
لم تعلم الأم ابنتها حقوقها وواجباتها كامرأة وكأم في المستقبل، وتركتها لرفيقات ورفقاء السوء، وشلة المدرسة والجامعة والنادي ولم تراقب المواقع الأجنبية التي تدخل عليها في شبكة عنكبوتية مخيفة ومليئة بالغث والسمين، ولم تتعرف على صديقاتها أو أصدقائها، ولم تسألها أين تذهب وكيف تقضي فراغها، فالأم مشغولة والأب مشغول أيضا، والمتابعة غائبة والتربية متروكة لوسائل التواصل الاجتماعي، وكل الاهتمام يتركز على سيارة ابني/ ابنتي أحدث من سيارة ابن/ ابنة فلان، وحذاء الابن مثل حذاء ميسي، والقميص من لندن، وحقيبة الابنة من باريس... وهكذا لا مكان إطلاقا لقيمة جديدة تعلمها الأبناء والبنات في حياتهم،  والأجازة ليست فرصة للجلوس مع العائلة او السفر معهم ، بل لقضاء الوقت مع الرفاق في الأندية الليلية، حيث يغيب الوعي وتمرض الروح وتنفد الطاقة مع المخدرات والمشروبات الكحولية والموسيقى الصاخبة بلا معنى أو حس أو مشاعر والرقصات والحركات العنيفة،  ليذهب الوقت سدى ويضيع اليوم التالي هدرا في نوم وخمول وهكذا، يصبح لدينا جيل مشتت الانتباه، فاقد الوعي، مقلد للغرب في كل تصرفاته بدعوى التحضر والتمدن والارستقراطية، وليته أخذ من الغرب التقدم والتحديث الصناعي والفكري وبناء الدول والإنسان وإدراك قيمة الوقت وأهمية العمل. 
 
إن هؤلاء الآباء والأمهات يستحقون المحاكمة اجتماعيا والمساءلة عن تركهم شبابا في عمر الزهور يسقطون في الوحل، الذي هو في نظرهم سعادة وحب ممتع وتجريب لكل شيء غريب واكتشافا للحياة، أي حياة وأية سعادة، إنه فناء وذبول وقطف للورد قبل أوانه وللثمار قبل نضجها، ذلك هو الفناء بعينه.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة