أكرم القصاص - علا الشافعي

إيهاب البشبيشى: قصيدة الفصحى بخير ومبشرة و"العامية" ليست منافسا لها.. حوار

الأحد، 29 نوفمبر 2020 10:19 ص
إيهاب البشبيشى: قصيدة الفصحى بخير ومبشرة و"العامية" ليست منافسا لها.. حوار الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى
حواره: محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

واحد ممن اختاروا العزلة، والهدوء، شاعر يمتلك لغة خاصة وكتابة مميزة تجمع بين توظيف التراث العربى والمعاصرة التى لحقت بالقصيدة، إنه الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى.

 
ينتمى الشاعر إيهاب البشبيشى، إلى جيل الثمانينيات، ويملك عددا من الدواوين منها، "منزل الروح، لغة تعرف أُلَّافَها، نداهة الشعر، كم الوقت"، ويرى أن كتابة الشعر محاولة للنظر إلى العالم بروح الطفل، لأن الطفل يتعامل ببراءة وليست لديه أجندات أو ضغائن، وبروح الطفل الذى تحدث عنها البشبيشى، يخرج إلينا بقصائد وأعمال صادقة تحمل صورا ومشاعر إنسانية فائقة الجمال والروعة فى نفوس متذوقى الشعر والأدب.
 
الشاعر إيهاب البشبيشى
الشاعر إيهاب البشبيشى
 
"اليوم السابع" تواصل مع الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى، للحديث عن تجربته الإبداعية، وأعماله الشعرية الجديدة، وكان لنا هذا الحوار:

س/ لديك موقف بالانحياز لقصديتى التفعيلة والعمودية، هل هذا انحياز جمالى أم موقف فكرى؟

ج: انحياز جمالى فى المقام الأول، لكن الناظر إلى من يقفون منهما موقفا يصل عند البعض للقطيعة والنفى وبتأمل دوافعهم المعلنة لا يملك إلا تعزيز الموقف الجمالى بما يؤكده من أسس فكرية.

الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى فى إحدى الأمسيات مع الدكتور يوسف زيدان
الشاعر إيهاب البشبيشى فى إحدى الأمسيات مع الدكتور يوسف زيدان

س/ حدثنا عن تعاملك مع الموسيقى، إذ تكون دائما عنصرًا أساسيا فى منجزك الشعري؟

ج: الموسيقى مفهوم واسع يبدأ من السطح العروضى مارا للأعماق الإيقاعية الغائرة فى الأبنية النحوية والصرفية والصوتية منتهيا بالموجات النفسية وما يصاحبها من تقلبات إيقاعية، والتمسك بموسيقى الشعر هو تمسك بمخزون سمعى يمتد حتى التخوم الشعرية منذ عصر الشفاهة وما تلاه، هذا المخزون يصنع ما يشبه صندوق الرنين عند الفيزيائيين، وهو ما يعنى أن أى عربى متسق مع ذاته لا يملك إلا أن يتصادى مع هذا النغم الغائر فى ذائقته وذاكرته.

ولا يعنى هذا نفيا لما سواه إنما يعنى عدم القدرة على تفادى الموسيقى للشاعر الحقيقى حتى لو أراد ذلك، والمسألة ليست إنشاء ولكن هناك أسباب موضوعية منها أن البنى الصرفية والنحوية العربية متسقة تماما مع البنى العروضية وتتعاضد معها بغير معاضلة، ولا تنافر، ومنها أن الأذن العربية لم تستطع الاحتفاظ إلا بالنمإذج الموسيقية رقم وجود أنماط أخرى، ومنها أيضا أنى شخصيا أشعر أن الموسيقى جزء من تكوينى اللسانى بل جزء من اللغة ذاتها.
 

س/ لديك اهتمام خاص بالأرشفة للإنسان والروح والطبيعة المصرية فى قصيدتك، مثلا "منزل الروح" و"ذاكرة الغرابيل"، هل يمكن أن نحسب هذا "تمصيرا" للقصيدة العربية؟

ج: معك حق تماما، وفى تقديرى أن القصيدة لا يمكن أن تكون ذاتية طول الوقت بل يجب أن تكون بنت منشأها حاملة كل أمشاج بيئتها وكل جينات المكان الحضارية كما يجب أيضا أن تتحدث بلسان أهلها وتلبس زيهم وتحمل تاريخهم وأساطيرهم كما تحمل حاضرهم وحقائقهم وآمالهم، وملاحظتك عن قصيدتى منزل الروح وذاكرة الغرابيل أيضا صحيحة تماما لأن الأولى تتحدث عن عودة الروح المصرية المنفصلة عن جسدها التى تريد أن تتلبسه متماسة فى ذلك مع ألفلكلور المصرى من حومان أرواح المتوفين حول أجسادها رغبة فى تلبسها مرة أخرى.

أما ذاكرو الغرابيل فهى استقراء فى متاهة العقل العربى عامة والمصرى خاصة وبالتإلى فهى مثقلة بالحمولة الحضارية التى تفضلت بذكرها فى السؤال.
الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى
الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى

س/ لعملك وتخصصك فى الهندسة أثر واضح فى شعرك، يظهر من أن لنصوصك رسما هندسيا ومعمارا، ووجودا للعقل والترتيب المنطقى والقياس، هذه العناصر ألا تمس من خروج الشعر على كل منطق وترتيب وبناء؟

ج: هذا السؤال يتكرر كثيرًا والإجابة لا ليس هناك أى تعارض بين الشعر والهندسة، بل إن يكمل كل منهما الآخر، أما عن المنطقية والسببية، والقياس وحضور العقل فكل ذلك مع القصيدة وليس عكسها فنحن مثلا نطالع لوحة سريالية تتمرد على المنطق والسببية وقد يبدو أن لا عقل واعيا وراءها، جميل لكن مع ذلك فإن الرسام ساعة رسمه لها التزم بكل المحددات الفيزيائية من مساحة وأبعاد وكتل فراغية وحدود وخصائص كيميائية للألوان وغير ذلك كله من شروط علمية وطبيعية.

مثال آخر الطائرة تصنع لتتغلب على الجاذبية وتعمل ضد القوى الطبيعية ولكنها مع ذلك صممت تبعا للعقل والمنطق وطبقا للقواعد العلمية والقوانين الطبيعة وقواها التى صنعت لتعمل ضدها، كذلك فإن القصيدة عمل هندسى يبنى.. كذلك فإن القصيدة عمل هندسى يبنى مستجيبا لكل شروط البناء العقلية والمنطقية بما يتيح فضاء جماليا متسقا وبما لا يعارض قوى التمرد الكامنة فى الشعر.
 
فمثلا حين نقول لم يلعب الطفل فإن الجملة تدل على أن الطفل ليس فاعلا لأنه لم يفعل فعل اللعب لكن البناء النحوى يخبرنا أن الطفل موقعه فى الجملة فاعل لذلك وجب رفعه وهكذا نرى أن الالتزام بالقانون النحوى لم يتعارض مع دلالة النفى التى تفيد عكس المعنى النحوي، وهكذا فإن إعمال العقل والمنطق فى بناء النص لا ينفى إمكانية التمرد الدلالي؛ كما أنه ليس هناك بناء بلا أساس فساعة أن يستغنى الشاعر عن أداة من أدوات البناء عليه أن يستعيض عنها بغيرها ؛ فإذا استغنى عن المنطق فهو مطالب بمنطق فنى خاص يصل بالنص إلى غايته وهكذا.

س/ الحداثة، بمعناها المتداول، قرأت أن لك موقفا منها، بأن لها أضرارًا أصابت الشعرية العربية؟

ج: الحداثة كما أفهمها نشأت فى بيئتها متمردة على ظرفها التاريخى ومستجيبة للحظتها التاريخية الحاضرة، وهى تنحو إلى تغليب العقل ونقد المنقول بالمعقول لكنها فى نسختها العربية عند لدى البعض مبدعين ونقادا القطيعة المعرفية مع التراث وموت الآباء ونفى الجمإلى المتسق مع ذاته والدونية والتطلع للآخر كنموذج حضارى يجب تغيير الجلد للتحول إلى مسخ يشبهه وهدم كل مقدس (كسر التابو) اصطناع صراع حدى بين العقل والنقل والأصالة والمعاصرة والمصرية والقومية وغيرها من الثنائيان الحدية التى أدخلنا إليها فهم هؤلاء الحداثيين للحداثة، وفعلا أنا ضد هذا الفهم للحداثة لكننى لست ضد التحديث ولا التطور شريطة الحفاظ على الهوية بكل مفرداتها الحضارية الإيجابية التراثية واللسانية والدينية.

س/ ماذا عن مستقبل القصيدة الفصحى فى مصر، فى ضوء طغيان لقصيدة عامية باتت الأكثر تداولا واهتماما، بحيث تطغى على المشهد؟

ج: القصيدة الفصحى فى مصر بخير وتكسب مساحات جديدة كل يوم نعرف ذلك من كم الشعراء الجدد المتزايد يوما بعد والمبشر أن هؤلاء الشباب يكتبون الشعر بثقة عالية وبنبرات جمالية خاصة بهم وأيضا بقدرة تنافسية كبيرة بدليل الجوائز التى يحصدونها كل يوم.

أما عن القصيدة العامية فهى ليست ضد الفصحى والصراع بينهما مزعوم وغير حقيقى فالعامية بنت الفصحى وأختها وربما كانت هى نفسها بعد أن خلعت زيها الرسمى وعافية القصيدة العامية هى عافية للفصيحة وربما كان بهو العامية ألفاره مدخلا مناسبا يفضى بمحبيها  لفضاء الفصحى الفسيح.

 
74355915_2533969296669264_8433451104997474304_n

س/ الجوائز العربية، ما موقفك منها بين من يرى أنها تدعم الشاعر ماليا وبيت من فى نظرى، وجهت الشعر العربى لجهة خطيرة، وهناك نص واحد بات متدأولا ليرضى الذائقة التحكيمية؟

ج: موقفى إيجابى جدا تجاه جوائز الشعر العربية ولن أحصى لك الخدمات التى قدمتها إلى الشعر، لكن حسبك أن نظرة الناس لأهمية الشعر تغيرت للأفضل بسبب هذه الجوائز، كما أن عدد الشعراء وعدد القصائد يزدادان طرديا مع عدد الجوائز وقيمتها؛ فهناك جائزة عربية على سبيل المثال مخصصة لقصائد المدح فى الرسول صلى الله عليه وسلم يتقدم لها سنويا آلاف الشعراء؛ أتصور أنه لولا هذه الجائزة ما كتبوا؛ فضلا عما يعود على الشعراء من تقدير مادي.

لكن مأخذك على هذه الجوائز فى محله تماما فهى بالفعل تعمل على تعزيز ذائقة وحيدة وإشاعتها على أنها النموذج الأمثل للشعر وهذا خطر حقيقى وإن كان من الممكن تفاديه خصوصا أن التجربة لا تزال فى سنواتها الأولى ولابد أن تصيب وتخطئ، لكننى معها بشدة.

س/ الشعر العربى، لم يعد حديث النقاد وأولويتهم كما كان، أين النقد من الشعر الآن، هل سبق أحدهما الآخر، أم تأخر عنه.. ويدفعنا هذا السؤال إلى الحديث عن رؤيتكم بشأن حركة النقد فى مصر والوطن العربي؟ 

ج: الشعر دائما سابق للنقد زمنا لكنهما يجب أم يكونا متحاذيين فى جدل مستمر وتكامل، لكن الشعر الآن لم يعد بؤرة اهتمام النقاد، بالطبع هناك أسباب تتعلق بمزاحمة ضروب إبداعية أخرى للشعر كالرواية القصة والمسرح فضلا عن ألفنون البصرية كالتشكيل والسينما.

وهناك أسباب تتعلق بارتباط المجتمع بالشعر ومدى وعيه بضرورة الشعر وقدرة الشعر على التأثير والنفاذ، لكن هناك أيضا أسباب تتعلق باستسهال النقاد نقد غير الشعر، واستصعابهم نقد الشعر سواء عن كسل أو عن ضعف وعجز عن التصدر للشعر، كما أن هناك البعض يصنع ذلك عن عمد وقصد لتهوين شأن الشعر ولصنع القطيعة مع التراث أخص أبناءه وهو الشعر، أضف إلى ذلك كله فراغ ألفضاء ألفكرى العربى من نظريات نقدية خاصة به توفر للنقاد الأفضية اللازمة لرؤاهم ومجاليهم جدلياتهم.
 
وكان قصارى جهدهم النقل عن الآخر وتقديم مسوخ نظرية مقلدين تقليدا أعمى عكس ما يزعمون من نعرات الحداثة، ويكفينا لنطل على المشهد أن نتذكر جملة لناقد لا أذكر اسمه يتحدث فيها عن كسر رقبة البلاغة العربية القديمة كأن بينه وبينها ثأرا.

س/ ما الجديد لديكم؟

ج: الجديد هو أنى أعكف على إعداد ديوانين جديدين للأطفال، وفى انتظار الوارد كما ينتظر المشتاق البريد والصوفى الفيض.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة