أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

ليبرالية غربية بـ"نكهة" شعبوية

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020 08:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من الارتباك تبدو مهيمنة على الساحة السياسية الدولية في الآونة الأخيرة جراء العديد من المستجدات التي طغت بصورة كبيرة على السياسة أو المجتمعات، في الغرب، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، فالتيارات اليمينية، والمعروفة بشعبويتها، وجدت لنفسها مقاعد متقدمة في السلطة على حساب الليبراليين الذين سيطروا على مقاليد الأمور لعقود طويلة، بينما جاء فيروس كورونا، والذى أثار هلعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ليضفى أبعادا جديدة للخطاب السياسى الراهن، في ظل حالة الاستقطاب التي شهدتها المجتمعات تجاه السياسات التي تبنتها الدول، والتي اعتمدت الإغلاق باعتباره وسيلة الحد من تفشى الوباء، وسط حالة من الاستياء من جانب قطاع كبير من المواطنين بسبب انقطاع مصادر أرزاقهم.
الارتباك بين أنصار الليبرالية والشعبوية تجلى في أبهى صوره في الخطاب الذى تبنته العديد من الدول حول العالم، تجاه العديد من القضايا التي كانت في الأمس القريب من المسلمات، فالحديث عن التصدي للمهاجرين، والذى كان جديدا إلى حد كبير في الأوساط السياسية الغربية بعد بزوغ نجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصبح بعدا مهما، وإن كان على استحياء، في الخطاب الليبرالى، وهو ما يبدو في إجراءات مكافحة كورونا، وهو ما قد يفتح الباب أمام قيود أوسع في المستقبل القريب أمام دخول القادمين من الخارج، في العديد من دول أوروبا الغربية.
 
ولعل المخاوف التي ارتبطت بتفشى الفيروس القاتل كانت بمثابة مدخلا مهما لتغير الخطاب الليبرالى وتوجيهه نحو المزيد من الشعبوية، ولو مرحليا، في إطار المعركة القائمة في الوقت الراهن مع اليمين المتطرف، والذى تتزايد شعبيته بصورة أكبر، إلا أنها تجاوزت في الكثير من الأحيان، الظرف الصحى الطارئ، لتمتد إلى مناطق أخرى، كانت محظورة في السنوات الماضية، على غرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وامتدت إلى السياسات الخارجية التي تتبناها الدول، في إطار مغازلة شعوب الدول الأخرى، بعيدا عن القنوات الرسمية والدبلوماسية المتعارف عليها.
 
فلو نظرنا إلى النموذج الفرنسي، نجد أن خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون، والمعروف بتوجهه الليبرالى، في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، سواء في الداخل الفرنسي، أو الخارج، قد طغى عليه نهجا شعبويا، ربما بدا واضحا في التعامل مع أزمة لبنان الأخيرة، من منظور "شعبوى" أكثر منه دبلوماسي، والتي بلغت ذروتها بانفجار مرفأ بيروت، في أغسطس الماضى، عبر التواصل مباشرة مع المواطنين الغاضبين في العاصمة، إبان زيارته الأولى، ثم توسيع دائرة التواصل، بعيدا عن السياسة، في زيارته الثانية، عبر عقد اللقاءات مع الفنانين، والمثقفين، في بلاد "الأرز"، وعلى رأسهم لقائه بالسيدة فيروز في منزلها، في مشهد يبدو جديدا على الطبيعة الدبلوماسية في العلاقات الدولية.
 
وحتى التوجه الأوروبى لماكرون، لا يخلو من جانبا شعبويا، وهو ما يبدو في محاولة الحصول على قيادة التكتل القارى، خلفا لألمانيا، وهو ما يحمل في طياته رغبة في الصعود بالدور الفرنسي، والعودة إلى سابق العهد كقوى دولية وقارية، يمكنها المزاحمة على قمة المشهد الدولى، بعد سنوات من التراجع، مما يعكس رغبة القيادة الفرنسية بالعودة ببلادها إلى مكانتها الأصلية.
 
وفى هذا الإطار، لا يبدو الخطاب الداخلى بعيدا عن التوجه الفرنسي الجديد، الذي بات يحمل مزيجا بين الليبرالية الغربية، والخطابات الشعبوية، وهو ما يبدو في دعوته لما يمكننا تسميته بـ"تنقيح" المهاجرين، بحيث تقوم السلطات باستبعاد من أسماهم بـ"المهاجرين السريين"، بينما يبقى قبول القادمين إلى الأراضى الفرنسية مرهونا بالاندماج مع المجتمع من خلال تأهيلهم، وهو ما يساهم جزئيا في الحد من الظاهرة، بالإضافة إلى تهدئة مخاوف الفرنسيين من التهديدات، سواء اقتصاديا أو أمنيا، والتي قد تفرضها سياسة "الحدود المفتوحة"، والتي طالما تبناها الغرب الأوروبى لعقود بذرائع حقوقية تطغى عليها الاعتبارات السياسية.
 
وهنا يمكننا القول بأن التيارات الليبرالية تسعى في الآونة الأخيرة إلى تغيير لهجتها، حيث تسعى إلى إضفاء "نكهة" شعبوية، على الخطاب الذى تتبناه من أجل تحقيق المزيد من القبول، ومجابهة صعود اليمين، الذى تتصاعد شعبيته يوما بعد يوم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة