أكرم القصاص - علا الشافعي

حازم حسين

آخر ضِباع الأناضول (4/ 1)

الثلاثاء، 07 مايو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«مساجدُنا ثكناتُنا/ قِبابُنا خوذاتُنا/ مآذننا حِرابُنا/ والمُصلّون جنودنا/ هذا الجيش المُقدَّس يحرس ديننا».. بهذا المقطع الشعرى افتتح رجب طيب أردوغان أحد المؤتمرات الجماهيرية خلال العام 1998، إبان توليه رئاسة بلدية إسطنبول، وبسببه عُزل من منصبه، وقضى عدّة شهور فى السجن، ومن تلك المحطة بدأت رحلة المناورة.
 
فتىً فقير وُلد فى إسطنبول شتاء العام 1954، يحكى لاحقًا عن نفسه أنه اضطُرَّ لبيع البطيخ و«السميد»، لمساعدة والده، لا أحد يعرف مدى صدقه، لكنَّ مهنة أبيه كجندىٍّ فى خفر السواحل، وحياته بين محافظتى «ريزة» وإسطنبول بمستواهما الاقتصادى المرتفع، ولعبَه كُرة القدم بشكل شبه احترافىّ لصالح نادى «قاسم باشا»، وتخرُّجه فى جامعة مرمرة، ثم انخراطه فى العمل السياسى بشكل مُبكِّر، كُلّها أمور قد تدحض رواية المعاناة المُبكِّرة، وربما لا تختلف عن مسار الدراما المُرتبكة لدى «أردوغان»، والمُتراوحة دائمًا بين الشىء ونقيضه.
 
هكذا يمضى الرئيس التركى ويُناور طوال الوقت، بخطاب يتلمَّس شعارات المدنية والتحضُّر، فى الوقت الذى يفخر فيه بتاريخ الدولة العثمانية المرسوم بالدَّم والجماجم، ويُناضل فى سبيل إنكار مذابح الباب العالى فى مصر والعراق والشام وأرمينيا وشبه الجزيرة العربية. يدّعى أنه يقود نظامًا علمانيًّا ينخرط فى مُعادلة دولية قائمة على احترام القانون والأُطر الشرعية، بينما يتدفَّق بكامل طاقته وإمكاناته فى شرايين اليمين الدينى وتيارات العُنف المُسلَّح، مُخلصًا للمقطع الشعرى الذى ردّده فى مفتتح ترقِّيه السياسى، أكثر من إخلاصه لتركيا وشعبها!
 
مُنذ اللحظة الأولى لدخوله عالم السياسية، أفصح الشاب «أردوغان» عن ميل إسلامى واضح، فى بلد يعتمد العلمانية قيمة فوق دستورية حاكمة للمجال العام، منذ أسَّس مصطفى كمال أتاتورك تركيا الحديثة بثورته الإصلاحية بدءا من نوفمبر 1922، وغسل وجه البلد العجوز من أوحال الدولة العثمانية وما جنته على نفسها والعالم بالشعارات الدينية، لهذا كان طبيعيًّا أن يرتمى السياسى الناشئ فى أحضان «أربكان». 
 
مسار طويل قطعه الإسلاميون منذ عشرينيات القرن الماضى، لاختراق جدران الأتاتوركيّة المُخلصة للعلمانيّة، لكن نجم الدين أربكان أول من نجح فى هذا الاختراق، أسَّس حزب «الخلاص الوطنى» وانضمّ له أردوغان، وسرعان ما استعاد الجيش التركى دفّة الأمر بانقلاب كنعان إيفرين وتجميد الحياة السياسية فى 1980. ثلاث سنوات وعادت الحياة للأحزاب، فعاد «أربكان» مرة ثانية بحزب «الرفاه الإسلامى»، ومن خلاله وصل أردوغان لمنصب عُمدة إسطنبول فى العام 1994، قبل أن يُعزل منه بعد أربع سنوات بتهمة التحريض على الكراهية الدينية.
 
مأزق «أردوغان» المُبكِّر كان درسًا قاسيًا، وربما كان حافزًا لتنشيط طاقات المناورة لدى السياسى البراجماتى، الذى أخفى تلك البراجماتية خلف وجه إسلامى مُحافظ، سيتَّضح لاحقًا أنه لم يكن أكثر من خطوة على طريق المناورة الشخصية، لتأسيس قاعدة سياسية يُمكن توظيفها لاحقًا كرافعة لطموحات الرجل وتطلُّعاته.
 
كعادة تجارب «أربكان» المصطدمة بالدولة العلمانية، تعرّض حزب «الرفاه» للتجميد، فانتقل برجاله وتابعيه إلى حزب «الفضيلة»، الذى تعرض بدوره للتجميد فى وقت لاحق، فانشقّ «أردوغان» ومعه عبدالله جول، وخرجا ساحِبَين خلفهما مئات من تلاميذ أربكان وكوادره، أسَّس المُنشقّون حزب «العدالة والتنمية» فى العام 2001، وأسَّس «أربكان» بمن تبقّوا من الكوادر المُخلصة له، أو المُتشكِّكة فى أردوغان وصديقه، حزب «السعادة»، الإسلامى أيضًا.
 
فى أول ظهور للوجه البراجماتى. قال «أردوغان» إن حزبه الوليد سيُحافظ على أُسس النظام الجمهورى، ولن يدخل فى مُماحكات مع الجيش التركى، وحاول أن يكون أكثر طمأنة لحُرَّاس العلمانية الأتاتوركيَّة، فقال وقتها: «سنتبع سياسة واضحة ونشطة، من أجل الوصول إلى الهدف الذى رسمه كمال أتاتورك، لإقامة المجتمع المُتحضِّر والمعاصر».. ترشَّح «العدالة والتنمية» وفاز بـ363 مقعدًا فى انتخابات 2003، وكان صعبًا على «أردوغان» تشكيل الحكومة بسبب تبعات الحكم القضائى ضدّه، فترك المنصب لصديقه المُقرَّب عبدالله جول عدّة شهور، ومع سقوط الحكم تولَّى رئاسة الحكومة، وبقى فيها 11 سنة وخمسة شهور، قبل أن يلعب لعبة التبديل مع «جول» مرّة ثانية، ويقفز مكانه على كرسىّ الرئاسة.








الموضوعات المتعلقة

آخر ضِباع الأناضول (4 /4)

الجمعة، 10 مايو 2019 03:00 م

آخر ضِباع الأناضول (4/ 3)

الخميس، 09 مايو 2019 03:00 م

آخر ضِباع الأناضول (4/ 2)

الأربعاء، 08 مايو 2019 06:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة