أكرم القصاص

مئوية ثورة 1919 بالجامعة البريطانية.. الاستقلال والوعى فى تقاطعات التاريخ وحلقاته

الأربعاء، 03 أبريل 2019 07:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
-عندما منع الاحتلال الإنجليزى ذكر اسم سعد زغلول زعيم ثورة 1919، ظهر اسمه فى الأغانى، وعندما كانت كلمة فلاح تعتبر شتيمة كانت الفلاحة المصرية بطلة تمثال مختار «نهضة مصر»، لقد كانت الثورة ترجمة لأشواق وأحلام المصريين فى الاستقلال والتقدم والتعليم، وكانت تأثيراتها الاجتماعية والثقافية قادرة على تغيير وعى المصريين على مدى عقود، وطرح المفكرون والكتاب أكثر القضايا جرأة وطرحوا أسئلة ماتزال مطروحة بعد مرور القرن. الأمر الذى يجعل هناك حاجة لاستعادة أفكار التنوير، بل أن كتابات المفكرين الكبار كانت إحدى خطوات مواجهة موجات التطرف والإرهاب فى التسعينيات من القرن العشرين. 
خلال الأسابيع الماضية، شهدت مصر أكثر من احتفالية بمئوية ثورة 1919، وهى الثورة الأم لكل التحولات التى شهدتها مصر خلال القرن العشرين، وما تزال تأثيراتها مستمرة، ليس فقط على مستوى السياسة ودستور ظل أبو الدساتير المصرية، لكن على المستوى الاجتماعى والثقافى والاقتصادى، والتعليم وتكافؤ الفرص وظهور نخبة من أبناء الشعب نالت حظها من الثقافة والتعليم منذ طه حسين ولطفى السيد وسلامة موسى، إلى الأجيال التالية التى قادت عملية التحديث فى المجتمع.
 
لم تكن ثورة 1919 سياسية تطالب بالاستقلال وجلاء الاحتلال البريطانى، لكنها كانت كاشفة عن طموحات المصريين فى تغيير شامل اجتماعيًا واقتصاديًا. وقد شارك فى الثورة خلف سعد زغلول ووفده المصريين من كل الفئات، الطلبة والعمال وحتى الفلاحين والأعيان، وترجمت فى دستور 1923 وهو أبو الدساتير المصرية،  والذى عكس توازن القوى فى المجتمع وقتها.
 
الأهم هو ظهور التطلعات المصرية فى التعليم وتكافؤ الفرص، وهى أمور لم تتحقق وقتها لكنها ظهرت فى كتابات وأحلام المفكرين والكتاب مثل عميد الأدب العربى طه حسين، الذى حمل رسالة مجانية التعليم، وتعليم المرأة وحقوقها السياسية وتوفيق الحكيم وسلامة موسى وعلى عبد الرازق والعقاد وأحمد لطفى السيد. فضلًا عن دعوات مواجهة الفقر والبؤس والتفرقة بين الطبقات فى المجتمع. وكان تحققها بتدرج ومن خلال صراع سياسى واجتماعى استمر طوال كل هذه العقود. 
 
فى بداية الأسبوع نظمت الجامعة البريطانية بالقاهرة، احتفالية بمئوية ثورة 1919 وتم خلالها عرض أفلام وثائقية قصيرة تحكى قصة الثورة وزعيمها سعد زغلول، كما تم تخصيص جلسات مركزة استعرض فيها المتحدثون تأثيرات «أم الثورات»، حسب وصف الدكتور أحمد حمد رئيس الجامعة البريطانية الذى أشار إلى أن تاريخ مصر ملىء بالثورات العظيمة التى نادت بالاستقلال من ثورتى القاهرة الأولى، ثم الثانية فى 1800 ضد الاحتلال الفرنسى، وعرابى ومصطفى كامل أول من نادى بإنشاء جامعة مصرية، وأول نقابة للعمال فى 1909 وكانت  ثورة  1919 تتويجًا لها، وبعدها  ثورة 1952 وحتى ثورة 25 يناير و30 يونيو. وقال «حمد»، «إن ثورة 1919 جاءت انعكاسا للنضح السياسى والثقافى».
 
وقد أشارت الكاتبة الكبيرة أمينة شفيق، فى كلمتها، إلى أن مشاركة النساء فى ثورة 1919 كانت بمبادرات من السيدات، وأشارت إلى أن ماحصلت عليه المرأة المصرية من حقوق التعليم والحقوق السياسية كانت بقرارات من زعماء الوفد والرؤساء، وحتى التعليم الجامعى للمرأة بدا بشكل عرفى، حيث طالبت الفتيات بدخول الجامعة المصرية وذهبن إلى أحمد لطفى السيد، فقال لهن: ليس لدى قرار، لكن يمكن أن أسمح بحضور المحاضرات، وفى نهاية العام طلبن دخول الامتحان، وأشارت أمينة شفيق إلى أن المرأة حصلت بعد ثورة 1919 على حق التعليم العالى، لكن تأخر حصولهن على الحقوق السياسية حتى منتصف الخمسينيات بقرار من الرئيس عبد الناصر. ثم حصلت على نسبة فى مقاعد مجلس النواب فى عهد الرئيس السيسى. فيما يعنى أن الحقوق التى حصلت عليها المرأة كانت بقرارات نتيجة لوعى الحاكم، وليس بناء على رغبة المجتمع.
 
واعتبر الدكتور هانى سرى الدين، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن زعامة سعد باشا زغلول كانت تتويجًا لنضاله.. وقال الدكتور أحمد عبد الرحيم، رئيس أكاديمية الشروق، «إن سيرة سعد باشا تظل باقية». 
 
وأعلن محمد فريد خميس، رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية، خلال كلمته، أن ثورة 19 هى البداية الحقيقية لنهضة مصر، حيث قال سعد زعلول، أفضل أن أكون خادما فى وطن مستقل على أن أكون سلطانًا فى بلد محتل للإنجليز. وتصور البريطانيون أن نفى سعد زغلول ينهى الثورة، لكنه كان شرارة الثورة.
وقال علاء ثابت، رئيس تحرير الأهرام، كانت ثورة اجتماعية وثقافية وعندما أشارت الدكتورة درية شرف الدين، إلى ضرورة الاهتمام بتراث سعد زغلول، خاصة منزله بمسقط رأسه بقرية إبيانة بمركز مطوبس، بمحافظة كفر الشيخ، أعلن محمد فريد خميس، تكفله بترميم وتجديد منزل الزعيم.
وكانت لفتة مهمة أن تكرم الجامعة البريطانية فى احتفال مئوية ثورة 1919 الدكتور عثمان القاياتى، حفيد الشيخ مصطفى القاياتى، من علماء الأزهر الشريف، وأحد قادة الثورة، والدكتور إدوارد سرجيوس، حفيد القمص سرجيوس، خطيب الثورة، والدكتور علاء الشوالى، حفيد الزعيم سعد زغلول. 
واستعرض الكاتب والسيناريست محمد السيد عيد، التأثير الثقافى والفنى للثورة المصرية، حيث شهدت الصحافة والثقافة ثورة أخرى، تمثلت فى كتابات طه حسين وأفكار على عبد الرازق وسلامة موسى، وموسيقى وأغانى سيد درويش ونهضة تشكيلية على يد محمود مختار الفلاح الذى أسس نهضة النحت، واستعاد فنون الأجداد فى النحت. وهى تأثيرات عكستها مسرحيات توفيق الحكيم، خاصة عودة الروح التى اعترف جمال عبد الناصر أنها أثرت فى وعى جيله بالثورة.
وماتزال ثورة 1919 قادرة على تأكيد أن الثورات تواصل تأثيراتها لعقود، وأن أهم  ما تقدمه هو تغيير الوعى، فضلًا عن كون التاريخ يظل حلقات متقاطعة ومتصلة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة