إسطنبول.. كيف تحول حلم الخلافة للسلطان المزعوم إلى الكابوس الذى يطارده؟.. أردوغان يخسر رهانه على "آيا صوفيا" لتغيير هوية المدينة.. ومواطنوها ينتصرون كونها مركز تركيا الاقتصادى وليست عاصمتها الدينية

الخميس، 11 أبريل 2019 09:34 ص
إسطنبول.. كيف تحول حلم الخلافة للسلطان المزعوم إلى الكابوس الذى يطارده؟.. أردوغان يخسر رهانه على "آيا صوفيا" لتغيير هوية المدينة.. ومواطنوها ينتصرون كونها مركز تركيا الاقتصادى وليست عاصمتها الدينية اردوغان
تحليل يكتبه - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن إسطنبول قد تحولت من المدينة التى أغدق عليها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بالوعود البراقة قبل الانتخابات المحلية، التى شهدتها تركيا فى الأسبوع الماضى، إلى الكابوس الذى يطارده بعد النتائج المخيبة التى لحقت بمرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، بن على يلدريم على منصب عمدة المدينة، فى الانتخابات المحلية التى عقدت الأسبوع الماضى، لصالح مرشح حزب الشعب الجمهورى المعارض أكرم إمام أوغلو، ليس فقط لأنها إحدى المدن الكبرى، ذات الثقل الكبير، باعتبارها العاصمة الاقتصادية للبلاد، لكن أيضا لاختلاف رؤية النظام التركى لتلك المدينة دون غيرها، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى مكانتها التاريخية باعتبارها كانت يوما ما تمثل عاصمة الخلافة العثمانية.

الموقف المرتبك من قبل الحزب التركى الحاكم تجاه إسطنبول مختلف إذا ما قورن بموقفهم من المدن الأخرى التى خسروها، والتى لا تقل فى أهميتها عن اسطنبول بل ربما تزيد، كما هو الحال فى أنقرة، باعتبارها العاصمة الرسمية البلاد، ومركز الحكم، والتى خسرها الحزب الحاكم لصالح مرشح نفس الحزب المعارض (حزب الشعب الجمهورى) منصور يافاس، حيث إنهم لا يقبلون خسارة مقعد الحكم فى إسطنبول ويرونها بمثابة الصفعة الأكبر التى تلقاها أردوغان منذ بداية حقبته، وبالتالى يسعون بكل الطرق إلى اقتناص المدينة من براثن المعارضة إلى الحد الذى طالبوا فيه بإعادة فرز الأصوات بالكامل، وإلغاء نتائج الانتخابات، وهى المطالب التى رفضتها اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات.

 

خصوصية إسطنبول.. "آيا صوفيا" ويلدريم أوراق أردوغان الخاسرة

ولعل الأهمية الخاصة التى تحظى بها إسطنبول لدى أردوغان، قد تجلت بوضوح سواء قبل الانتخابات أو بعد ذلك، حيث خصها بوعود خاصة بعيدا عن الوعود الأخرى التى شملت جميع المدن التركية، وأبرزها تحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد، وهو الأمر الذى يمثل مغازلة صريحة لقطاع عريض من سكان المدينة، والذين طالبوا بهذه الخطوة منذ سنوات طويلة، حيث احتشد ألاف الأتراك فى الأعوام الماضية، للصلاة داخل المتحف عدة مرات، فى مطالبة ضمنية بتحويله إلى مسجد.

آيا صوفيا
آيا صوفيا

إلا أن الرئيس التركى آثر ألا يستجيب لهذا المطلب مباشرة، ربما للاستعانة بورقة "آيا صوفيا" لاستخدامها فى وقت الحاجة، وهو ما حدث بالفعل خلال الانتخابات الأخيرة، والتى شهدت انحسارا كبيرا فى شعبيته جراء الخسائر المتتالية التى تكبدتها بلاده على كل الأصعدة، وعلى رأسها الصعيد الاقتصادى، حيث شهد الاقتصاد التركى صفعات متتالية بسبب الانهيار الحاد فى العملة المحلية (الليرة) خلال الأشهر الماضية، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية التى أصبحت تحيط بأنقرة من كل الاتجاهات على خلفية دورها الذى تلعبه لزعزعة استقرار دول المنطقة، عبر دعمها للجماعات الإرهابية، من أجل تحقيق المزيد من النفوذ، على حساب القوى الرئيسة فى المنطقة.

ولم تتوقف أهمية المدينة فى أجندة أردوغان على الوعود الانتخابية، وإنما امتدت إلى اختيار المرشح الذى تقدم للحصول على منصب "عمدة" المدينة، حيث قدم حزب العدالة والتنمية بن على يلدريم، والذى يعد أحد أبرز قياداته بالإضافة إلى كونه من أصحاب الخبرات السياسية العميقة، حيث أنه قد شغل منصب رئيس الوزراء فى أنقرة لسنوات طويلة، قبل التعديلات الدستورية الأخيرة، والتى ألغت المنصب ونقلت صلاحياته لتكون بيد الرئيس وحده.

 

حلم الخلافة.. كيف تحول إلى كابوس؟

إلا أن استخدام ورقة "آيا صوفيا" كانت بمثابة محاولة صريحة من قبل أردوغان، ليس فقط لمغازلة القطاع المتدين من المدينة، وهو النهج الذى اعتاده النظام التركى، وربما يمثل أحد الثوابت الاستراتيجية لكل الأنظمة اليمينية المتطرفة حول العالم، وإنما امتد إلى رغبته الملحة فى إحياء حلم "الخلافة" المزعومة عبر فرض الصبغة الدينية على المدينة على حساب هويتها العلمانية التى تسيطر عليها منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك، خاصة أن المدينة التركية تحظى برمزيتها على اعتبار أنها كانت العاصمة إبان "الخلافة العثمانية"، وبالتالى فإن ابتعادها على قبضة الرئيس هو بمثابة صفعة قوية، تفوق فى تداعياتها خسارة العاصمة الحالية للبلاد، وبالتالى تقويض طموحاته الكبيرة فى قيادة العالم الإسلامى تحت مظلة "الخلافة المزعومة".

أردوغان يصوت فى الانتخابات المحلية بتركيا
أردوغان يصوت فى الانتخابات المحلية بتركيا

الخصوصية التى تحظى بها اسطنبول، فى أجندة أردوغان، تعكس أن صراعا أخر كان يدور خلف كواليس المشهد الانتخابى بالمدينة، ليس فقط حول هويتها التى سعى أردوغان لفرض الصبغة الدينية عليها، عبر تحويل أحد أبرز متاحفها إلى مسجد، وإنما كذلك حول ما إذا كانت المدينة سوف تبقى المركز الاقتصادى لتركيا، أم أنها سوف تتحول إلى عاصمتها المركزية فى إطار مساعى النظام الحاكم فى أنقرة إلى إستعادة الخلافة، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى اختيار شخصية بارزة على غرار رئيس الوزراء التركى الأخير فى أنقرة، والذى يعد بمثابة الرجل الثانى فى الحزب الحاكم ليتولى منصب "عمدة" المدينة.

 

انتخابات أم استفتاء.. إسطنبول تنتصر للاقتصاد

يبدو أن الانتخابات المحلية فى إسطنبول تحولت إلى ما يشبه الاستفتاء، على رؤية أردوغان، حيث كانت النتائج انتصارا صريحا للطبيعة الاقتصادية للمدينة، وترجنة فعلية لحالة الفشل الذريع للنظام فى إدارة الشئون الاقتصادية بالبلاد، وما ترتب على ذلك من انهيار  فى العملة المحلية (الليرة)، بالإضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من البلاد جراء السياسات الاقتصادية الفاشلة، وهو الأمر الذى ترك تداعيات سلبية على حياة المواطنين الأتراك بشكل عام، وعلى رأسهم سكان إسطنبول.

الليرة التركية
الليرة التركية

وهنا يمكننا تفسير حالة الصدمة التى انتابت أردوغان، جراء النتيجة التى آلت إليها إسطنبول، حيث إن خسارة المدينة تمثل اقتراب النهاية، ليس فقط للحلم الذى يسعى إلى تحقيقه منذ وصوله إلى سدة السلطة فى بلاده، وإنما ربما لنظامه بأكمله، حيث إنها تمثل انعكاسا صريحا لحالة من التمرد الشعبى لتردى الأوضاع الاقتصادية، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى نتائج المدن الأخرى، وعلى رأسها أنقرة، وأنطاليا، وغيرها.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة