ياسر بركات يكتب: شرارة التحدى ونقطة التحول‎

الأحد، 10 مارس 2019 04:00 م
ياسر بركات يكتب: شرارة التحدى ونقطة التحول‎ صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقطة التحول هى عبارة عن حدث عظيم مر عليك فى حياتك أو موقفاً مؤثراً استفز فيك شرارة التحدى وأصبحت بعده مختلفاً تماماً عما قبله، عندما سافر غاندى إلى جنوب أفريقيا للعمل محامياً وقطع تذكرة سفر درجة أولى فى قطار، أبلغ الكمسرى غاندى أنه يتوجب عليه الانتقال إلى إحدى عربات الدرجة الثالثة للجلوس فيه، لأنه لم يكن مسموحاً للملونين فى جنوب أفريقيا الركوب فى عربات الدرجة الأولى، رفض غاندى تنفيذ هذا الأمر العنصرى فما كان من موظفى القطار إلا أن أنزلوه بالقوة فى المحطة التالية فى منتصف الليل من دون أن يمتلك معطفاً يقيه من برد الشتاء القارس، جلس غاندى ما تبقى من الليل وهو يتأمل فى المظالم المذلة التى يتعرض لها شعبا الهند وجنوب أفريقيا اللذان يعيشان تحت حكم الاستعمار البريطانى، وتسببت هذه التجربة القاسية والمؤلمة التى تعرض لها غاندى الذى كان وقتها مجرد محامى صغير لا يتمتع بالجرأة والشجاعة فى تغيير كبير فى شخصيته كان من شأنه إحداث فرق عظيم فى حياة أمة بأسرها بل فى العالم، حيث استطاعت الهند على يديه الحصول على استقلالها وألهمت فلسفته التى تقوم على العصيان المدنى والمقاومة السلمية وعدم استخدام العنف بشكل كامل، ألهمت العديد من حركات التحرر الوطنى فى جميع أنحاء العالم.

لكن ليس بالضرورة أن تكون نقطة التحول بالحدث الكبير دائماً، فربما حادثة تبدو لأعين الآخرين تافهة لا تستحق الوقوف عندها فإذا هى عندك نقطة تحول فى طريق حياتك بأسرها لما كان لها فى نفسك من أثار عميقة، فنقطة التحول قد تكون موقفاً مؤثرا استفز فيك شرارة التحدى أو كلمة سمعتها فوقعت من نفسك موقعاً أعمق مما بدأ للآخرين، المفكر الكبير الدكتور زكى نجيب محمود سمع ذات يوم كلمة تقال عنه وهو فى نحو الرابعة عشر من عمره تنصح أبيه بأن يكف عن تعليمه بسبب ضعف بصره الذى حتماً سيحول بينه وبين التعيين فى وظائف الحكومة ومن ثم فلا داعى إلى التعليم ونفقاته، كانت هذه الكلمة هى إحدى نقاط التحول الرئيسية فى مجرى حياته،إذ هى بدلاً من أن تكون عنده عامل يأسِ  وإحباط كانت حافزاً على مضاعفة القراءة ليثير الغيظ فى نفس قائلها وما أن ضوعفت القراءة منذ تلك اللحظة حتى أصبحت من حياته بمثابة الروح من الجسد، وواصل الدكتور زكى نجيب محمود تعليمه والحصول على الشهادات العليا من داخل مصر وخارجها حتى أصبح من أكبر المفكرين فى عالمنا العربى.

فى حياة كل منا لحظات قدرية مثل تلك غيرت مجرى حياته لا أحد يعلم كيف كانت ستكون حياته إذا لم تكن هذه اللحظة ؟ ونقطة التحول فى حياتنا قد تكون بغير تخطيط منا كما حصل لغاندى فى محطة القطار، وقد تكون بتخطيط ودراية كما فعل الدكتور زكى نجيب محمود بعد أن سمع ما سمع، فكلا الحالين قد يحدث لنا فى معترك الحياة والفائز من يتعامل مع نقطة تحوله بجدية وفاعلية ليحصد ثمار هذا التغيير وتلك الرؤية الجديدة للحياة، والخاسر من تمر عليه وكأن شيئاً لم يحدث فتبقى مسيرة حياته كما هى دون تغيير.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة