طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (10).. تسع زوجات

الجمعة، 20 ديسمبر 2019 02:00 م
طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (10).. تسع زوجات مترو الأنفاق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كان من المعتاد أن يصعد بعض مجهولى الهوية يدعون إلى أتباع صحيح الدين، أو يحضون على عدم ترك الصلاة، ويذكرون بالواجبات المفروضة على المسلم، وكثيرا ماكنت أشفق عليهم لأنهم كانوا يختارون أوقات الذرة فى المترو، ظنا منهم أن دعواهم سوف تصل إلى عدد كبير من الناس، بينما الركاب فى حقيقة الأمر لا يحتملون أنفسهم فى زحام لا يطاق، وبالمثل هناك داعيات يصعدن فى عربات السيدات، هدفهم الأساسى التحذير من عدم خلع الحجاب، بعد أن بدأت بعض النساء بالتخلى عنه، ولاسيما الشابات والتنويه على أن من تفعل ذلك ترتكب ذنب لا يغتفر.

دون سبب واضح بدأت هذه الظاهرة تقل بدرجة كبيرة ومنذ فترة قريبة صعد أحد هؤلاء الدعاة المتطوعين أو الهواة.. كالمعتاد بدأ رسالته بالمقدمة التى يكررها ويفتتح بها الجميع.. ثم أما بعد يا أخى المسلم ويا أختى المسلمة الصلاة عماد الدين على كل بالغ عاقل أن يحافظ فروضها الخمسة ولا يتهاون أو يغويه الشيطان ويتكاسل عنها وبالذات صلاة الفجر.

كان يجلس جانبى شابان صغيران أظهر حديثهما قبل صعود هذا الداعية أنهما فى كلية الآداب جامعة القاهرة.. أحدهما بجوارى مباشرة تفيض منه حيوية وخفة دم ملفتة وشقاوة.. بعد أن بدأ هذا الداعية حديثه قال لزميله بصوت منخفض

- هما الجماعة دول ماشيين على كتالوج واحد مابيغيروش

- كتالوج إيه يابنى.

- هو انت مش ملاحظ أن بداية الكلام هى هى مافيش تغيير فيها زى كل اللى بيطلعوا يوعظوا.

- معاك حق

- يعنى الله ينور شغالين كوبى بيست.

- ياعم كويس إنهم بدأوا يقلوا وما بقوش بيظهروا.. دول ساعات بيتكلموا ويفتوا غلط.

- أيوه ياعم ما انت حافظ أكتر من نص القرآن.

- وانت حافظ أيه يا احمد.

- حافظ الفاتحة وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الناس.

- لا.. دا إنت الله ينور.. وبعدين ماسماهش قل هو الله أحد أسمها سورة الإخلاص.. وماسمهاش قل أعوذ برب الناس اسمها سورة الناس.. والله عيب عليك يا أحمد.. دا إنت حتى مش حافظ الجزء التلاتين اللى فيه قصار السور.

- ياعم محمود انت بتقدر تحفظ أنا ما باعرفش أحفظ.

كان الداعية أثناء حديثهما مستمر فى القاء عظته، وأخذ صوته يرتفع مع مرور الوقت، ولومه للناس يتزايد بسبب تقصريهم فى أداء الفروض، وعدم التزامهم بصحيح الدين وارتكابهم المعاصى، وأحيانا كان سياق الكلام "يتلخبط" أثناء تحدثه، منه ثم بدأ فى تلاوة آيات القرآن التى تزجر المخالفين، وتعد بما سوف يقع عليهم من عقاب وعذاب فى الآخرة.

فجأة هب الشاب الحافظ للقرآن يعترض على الرجل الذى يلقى العظة مناديا عليه.. إنت ياشيخ ولا ياحاج خلى بالك وانت بتذكر الآيات عشان ماتغلطش فى تلاوتها.. علق أحمد الذى يجلس بجانبى.. دا باين عليه شيخ من منازلهم.. لم يعلق الشيخ على الملاحظة التى نبهه إليها محمود.. استمر يخطب كأنه جهاز تسجيل لا يتوقف.. لكن محمود وقف مرة ثانية وكان أكثر انفعالا ياحج بطل تستشهد بالقرآن انت بتغلط فى الآيات حرام عليك.. لم يسكت له الواعظ هذه المرة.. اسكت انت يا بتاع بابا وماما خليك فى دروسك يابنى.. لم يجلس الفتى هذه المرة ومع أول آية غير صحيحة نطق بها هذا الرجل هاج محمود.. إنت ياحاج اللى عاوز يوعظ يحفظ القرآن الكريم صح إنت مش بتلعب عشره طاوله فى قهوة.. رد الرجل بعصبية بس يافسل.. خليك فى علم المدارس الفانى بتاعكم.. وكمان بتغلط فيا الله يسامحك ياراجل ياكبير.. مش حارد عليك عشان انت فى سن والدى.. جذبه أحمد وأجلسه.. ياعم متشغلش بالك بيه هو يعنى فيه حد بيسمعه.

انتقل الرجل الذى نصب نفسه داعيه إلى الفتاوى وألقى بقنبلة.. وأنا عايز أقول حاجه للرجالة ويسمعونى كويس الشرع قالك فى الزواج مثنى وثلاث ورباع.. يعنى إيه.. يعنى من حقك تتجوز تسعة من النساء.. لأنك لو جمعت اتنين زائد تلاتة زائد أربعة حا يساوا تسعه.. وده كتير من المشايخ مابيخدوش بالهم منه.. ضجت العربة بالضحك والتفت أحمد إلى محمود قائلا يا بو حميد الراجل ده بيهفلط هفلطة السنين.. دى رايحه منه خالص ياعم.. وبدأت فى العربة موجة من التعليق والقافية

- والأوبشن ده جبته منين يامولانا

- بتقول أيه.

- يعنى الرأى ده جبته منين ياشيخ.

- اجتهاد يابنى.

- هو احنا قادرين على واحدة.

- والتسعة دول نعمل لهم طابور كل يوم الصبح.

- واللى ما تجمعش نطلقها ونجيب غيرها.

- والله انت شيخ زى السكر.

- أين تلقيت العلم يامولانا؟

- والله سماعى يا ابنى من أفواه شيوخ أجلاء.. ومع مرور الوقت رسخ العلم وبدأت فى الاجتهاد.

وعايز أقول لكم رجاله ونسوان أمر آخر لابد.. لم يجعله محمود يكمل كلامه ونهض مستشيطا.. إنت يارجل يامخرف انت أسكت ولا آجى أرميك برة القطر.. انت ياولد يافسل تقوللى أنا كده.. عليك لعنة الله تتجرأ على العلماء هكذا.. حقا لقد اقترب يوم القيامة.. فى أثناء هذا الحوار قطع أحمد ورقه من كشكوله وطبقها وتوجه بها إلى هذا الرجل.. صافحه وقبل يده وهمس فى أذنه وأعطاه الورقة فاطبق الرجل عليها وصاح مرتبكا.. سوف أترككم لأمر طارئ وأكمل درسى معكم قريبا بإذن الله وما أن وصل القطار المحطة غادره فورا.

لم أطق صبرا.. سألت أحمد وقد عاد إلى مقعده بجوارى يصطنع الجدية والوقار.. إنت عملت ايه للراجل زى ماتكون سحرته.. إديته ورق فاضية من الكشكول ووشوشته وقلت له أن ملاك ماتشفوش العين جانى.. دس الورقه دى فى إيدى وهمس فى ودنى وقاللى إديها للشيخ الطيب ده.. خليه ينزل المحطة الجاية على طول.. عشان فيه جن كافر فى العربية عايز يؤذيه والورقة دى فيها حرز يحميه يبدأ تأثيره بعد ساعة.

- إنت واد عفريت.

- شفت أنا مكشوف عنى الحجاب ازاى.

- والله أنقذتنا من كلامه العجيب.

- وأنقذت محمود من خناقه.. دا كان عايز يروح يمسك فيه.. واحنا عندنا امتحان النهارده فى ماده رخمه.. مش ناقصة توتر وشد أعصاب.. (انصرف عنى وخبط كتف زميله) هى إيه فسل اللى كانن بيقولهالك وانتوا بتتخانقوا يا محمود.

- فسل مذكر فسيلة وهى الزرعة الصغيرة.

- يعنى الجاهل اللى رايحة منه كان بيتفهك ويستعيلك.

فى ذلك اليوم كنت مثار استغراب كل من قابلتهم، عندما كانت تنتابنى نوبة من الضحك، كلما تذكرت ما فعله هذا الشاب سريع البديهة مفرط خفة الدم والشقاوة.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة