طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (7).. وسط البلد

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019 02:00 م
طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (7).. وسط البلد مترو الأنفاق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

غالبا ما يكون الإقبال على محطات المترو فى منطقة وسط البلد أقل مساء يوم الأحد، لأن نسبة كبيرة من المحال والورش والتجار يتخذون من هذا اليوم إجازتهم الإسبوعية، يخف الزحام، وهذا يساعد الركاب الذين يصلون إلى الرصيف متأخرا عند وقوف القطار وهو يطلق جرس تحذير من المروق للداخل قبل الإغلاق، فى الخط الثالث تطلق القطارات إشارتى تحذير فقط قبل إغلاق إلابواب، أما فى الخطين الأول والثانى عدد هذه الإشارات الصوتية غير محدد، ويمكن أن يصل عشر مرات، وطوال إطلاق هذه الإشارات يسرع الركاب الذين يصلون إلى الرصيف فى التو جريا ويقفزون فى أقرب باب أمامهم.

فى أحد أيام الأحد كان المترو واقفا يطلق جرس الأبواب ويبدو أن السائق تركه يرن حتى تضيئ الإِشارة الخضراء التى تؤذن باستمرار تحرك القطار، كل من يصل إلى الرصيف يجرى مسرعا ليعبر الأبواب قبل الإغلاق، فى مثل هذه الأحوال يندفع كثير ممن ينزلون إلى الرصيف تلقائيا، فيما يشبه سيكولوجية الجموع، وهذا ما انطبق على سيدة كانت تجر ثلاثة أطفال، جرت بأطفالها وسط من مثل الذين يجرون، رفعت طفليها الصغيرين وأدخلتهم العربة وبدأت هى فى الركوب فأغلق الباب وقد احتك بجسمها قبل إغلاقه تماما بينما الطفلة الثالثة مازالت على الرصيف.

أخذت تولول وهى تشاور لطفلتها التى بقت وحيدة على الرصيف الخالى كى تبقى فى مكانها، بنتى حاتضيع منى، بيخطفوا العيال الصغيرة فى الشوارع، كانت هذه الأم التى بدا عليها أنها قليلة الحيلة فى حالة انهيار، اقتربت منها لإهدأ من روعها، مثلها فى حاجة لمن يساعدها، فى هذه الظروف التصرف الهادئ السليم يساعد على إنقاذ الموقف، اسمعى ياست أنا حانزل معاكى المحطة الجاية وخلاص المترو أهو قرب منها، حنروح مكتب الناظر يكلم المحطة اللى فاتت يخلوا بالهم من البنت لغاية ماترجعيلها، ياريت ياخويا ربنا مايوقعك فى ضيقه، قالتها كغريق ألقى له بطوق نجاة.

ما أن وقف المترو نزلت معى تحمل عيل على كتف وتجر الآخر، أخذته منها وشيلته على كتفى وجريا أخذتها إلى مصعد الرصيف، ومنه إلى مكتب الناظر، وبدأت تصرخ بنتى حاتضيع إلحقنى ياخويا، أسكتها الرجل الذى لم يفهم شيئا من لهوجتها، وبدأت أنا فى شرح الموقف للناظرالذى تساءل البنت إسمها إيه ولابسه إيه وعندها كام سنه.. لم تركز الأم مع الأسئلة وهى فى حالتها الصعبة، فبدات أنا فى إعادة الأسئلة عليها ببطء.

- بنتك إسمها إيه؟

- سماح

- لابسة إيه؟

- تى شيرت أخضر مرسوم عليها دبدوب وبنطلون جنز

- عندها كام سنة

- أربع سنين وشهرين

ضحك الناظر وشهرين كمان، كان الناظر قد حقق اتصال بالمحطة السابقة محدثا زميله على الجانب الآخر ياريس فيه طفلة عندكم على رصيف المرج أسمها سماح عندها أربع سنين لابسه تى شيرت أخضر وبنطلون جنز مالحقتشى تركب القطار 26 مع أمها برجاء العثور عليها لحين عودة الأم إلى المحطة، بدأ الناظر فى المحطة الأخرى يتحدث فى الإذاعة الداخلية وصوته مسموع فى الاسبيكر المفتوح، إلى جندى الشرطة على رصيف المرج يرجى البحث عن طفلة صغيرة اسمها سماح ترتدى تى شيرت أخضر والإبلاغ فورا عند العثور عليها من تليفون الرصيف، شكرا ياريس قالها ناظر المحطة الذى نقف معه، فرد الطرف الآخر عموما أنا رايح الكنترول أتابع من الكاميرات.

شكرت الرجل فمد يده يصافحنى متسائلا.

- هو حضرتك تقرب لها إيه؟

- أبدا أنا لقيتها مرتبكة ومنهارة كان لازم حد يقف جنبها يساعدها.

- الدنيا لسه بخير.

- أسمع وفر الوقت لإن شباك التذاكر زحمة وخلى الموظف اللى واقف امام الماكينات يعديك من الباب الحر وقله الناظر باعتنى بأمارة إنك كنت ناسى توقع فى دفتر الحضور.

- ألف شكر ياريس.

ما أن وصلنا الرصيف جلجل صوت الناظر الست أم سماح اطمئنى بنتك تم العثور عليها، بنتك فى الحفظ والصون.

ركبنا فى الاتجاه العكسى أى اتجاه حلوان لنعود إلى المحطة السابقة، ما أن هبطنا الرصيف جرت السيدة تتلهف مشغوفة بحثا عن إبنتها وهى تصرخ العسكرى فين، وكادت أن تصعق عندما لمحته بدون ابنتها، أمسكت به من سترته تهزه وهى فى حالة صراخ هستيرى بنتى بنتى بنتى فين، بنتى فين، أنزل يديها برفق، بنتك فوق سلمتها للظابط روحى استلميها منه.

فى مكتب الشرطة كانت البنت جالسة تبكى صامتة، بدت كمن ردت لها الروح عندما رأت أمها، واندفعت تتعلق فى رقبة أمها، وبعد أن هدأ الموقف طلب الضابط من السيدة بطاقها الشخصية وبطاقتى، واضح إنك مش أبوها لأن إسم الزوج فى بطاقة الأم مختلف عن إسمك، مافيش بينى وبينهم قرابة، وإيه علاقتك بيهم، فشرحت له ماحدث، تصرف شهم، سأل الطفلة باباك أسمه أيه ياسماح؟ بابا اسمه عطية، انتحى بالأم وتحدثا همسا، ثم عاد للطفلة، بابا بيشتغل إيه يا سماح، عنده تاكسى، تكلم محدثا نفسه كده إحنا تمام.

جلس الضابط على مكتبه واستخرج دفتر بدأ يسجل فيه الأسماء ورقم البطاقتين ثم نظر إلى معلش سيادتك شاهد على الواقعه ولازم نسجل كل التفاصيل، حنعطلك شويه وأخذ أقوال الأم وأقوالى ووقعنا، وكان واضح أن الأم يدوب بتفك الخط.

وبينما نحن نخرج من المكتب نادى الضابط:

- يا مرزوقة

- (ردت الأم مخضوضة) نعم ياباشا.

- أنا رأفة بحالك مرضيتش أعملك غرامة عشان انتى ركبتى المترو بعد الباب ما زمر بعد كده يا أم العيال لما الباب يزمر إوعى تقربى منه وتحاولى تركبى، فاهمة

- فاهمة ياباشا.

- يا فاعل خير.

- (التفت اليه ضاحكا) مش حا أركب المترو لما الباب يزمر.

- عايز أفكر سيادتك بطاقة الرقم القومى حا تنتهى الشهرده.

- أشكرك، حا أجددها فورا.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة