طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (5).. فوبيا فى محطة الأوبرا

الأحد، 15 ديسمبر 2019 02:00 م
طارق الحريرى يكتب: يوميات المترو (5).. فوبيا فى محطة الأوبرا مترو الأنفاق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

محطة مترو الأوبرا من الخط الثانى منتهى الفخامة، منتهى الشياكة، تتزين بصور غاية فى الإبداع والجمال من فنون الحضارة المصرية القديمة، وما أجملها صورة العازفات، التى أعيد رسمها على جدران المحطة من الداخل، هذه المحطة هى الأكثر عمقا بين كل محطات المترو فى خط شبرا المنيب، لأنها تقع فى المسافة بين فرعى النيل، يتطلب الوصول إلى الرصيف نزول أربعة طوابق تحت الأرض، والمحطة دائما نظيفة وهادئة، عدا فى الأيام التى يفتح فيها الملعب لجمهور النادى الأهلى ذا الشعبية الطاغية عند تدريب فريق كرة القدم.

الأوبرا ملاصقة لهذه المحطة لذلك جمهورها فى الغالب نخبوى، وتمتلتئ الساحة الخلفية للأوبرا بالكافيهات، لوجود المجلس الأعلى للثقافة ومسرح الهناجر ومركز الإبداع، وأكثر روادها من الشباب وأكثرهم يستقلون المترو الأقرب والأسهل والأرخص.

تأهبت لمغادرة مقهى المجلس الأعلى للثقافة الأرخص بين كافيهات المنطقة فى رحلة العودة بالمترو، كنت قد جلست لاحتساء القهوة للراحة وتجديد النشاط، بعد جولة لشراء كتب من إصدارات المركز القومى للترجمة والمجلس الأعلى للثقافة، وتصادف أن نهض فتى وفتاة تحركا فى اتجاه المترو معى، كنت أسير على مهل بسبب شيلة الكتب، وهما يسبقانى بمسافة صغيرة، لايحثان الخطى كعادة العشاق، يتحدثان فى تناغم وصوت خفيض والفتاة تتأبط ذراعه.

سبقانى فى الحصول على التذكرة، لاحظت بعد انصرافى من شباك التذاكر أن الفتاة تقف متشبثة ملتصقة به أمام السلم المتحرك، تقدمت ببطئ حتى لا أحرجهما ظنا منى أنهما فى أحدى لحظات الغرام، مع اقترابى أكثر اكتشفت أن الفتاة فى حالة رعب خائفة من النزول على السلم، الشاب يحايلها حتى تتغلب على خوفها وهو يطمئنها مؤكدا لها أنه سوف يسندها يديه إذا اختل توازنها على السلم، ومرة والتانية حاتنزل فيهم معاه بعد كده حيبقى الموضوع عادى جدا، لكنها صرخت وتشنج جسمها وهو يحاول جذبها نحو السلم

- لو دبحتنى يامصطفى أنا مش حنزل على السلم ده

- طب إسمعى إيه رأيك أشيلك زى العروسة فى ليلة الدخلة وانزل بيكى السلم.

- مستحيل.

- مستحيل ليه.

- خايفة.. خايفة.. مش فاهم يعنى إيه خايفة.

- اسمعى على أسوأ تقدير لو وقعتى مش حتموتى.

- لكن ممكن إتكسر.

- يابنتى أنا جنبك وحخلى بالى جدا عشان ماتقعيش.

- أبدا.. لو ما سبتنيش أنزل على السلم العادى حاسيبك واخرج من المحطة أروح فى تاكسى لوحدى.

- كده برضه.. عايزة تطلعينى عيل قدام أهلك.. يقولوا ساب خطيبته.. وهما موصينى عليكى وقاللوى خلى بالك عليها دى بتلوص من أقل حاجة.

تنبه الشاب لوجودى خلفهما.. كلمنى بنبرة اعتذار مفسحا لى لأتمكن من النزول، وسحبها بعصبية للنزول على السلم العادى، كانت كمن ردت فيها الروح، وهى تقفز هبوطا على درجات السلم العادى، كانا متوقفين عن الكلام واستمرا هكذا حتى وصولهما إلى الرصيف، المحطة شبه خالية، وعندما جلسا على مقربة منى صامتين، بدأ بالكلام منفعلا:

- اسمعى يا بنت الناس الدنيا كده صعب.

- إيه اللى صعبها بس.

- هو اللى بتعمليه ده قليل.

- ياسيدى ابقى انت انزل واطلع على سلم الكهربا وانا أنزل واطلع على السلم العادى.

- ياريتها جت على سلم المترو بس.

- انت بتعايرنى عشان انا خوافه شوية.

- الشويه بتوعك بيلخبطوا الدنيا آخر لخبطة.

- إزاى يعنى؟ هو تلكيك يامصطفى.

- ( بعصبية) مش تلكيك يامايسه.. انتى عندك فوبيا من السلم المتحرك والأسانسير و

- (قاطعته) تانى الأسانسير.

- أعمل أيه ما انا شقتى فى الدور الحداشر.. لو انتى حامل حتطلعى وتنزلى ازاى.. ولو لا قدر الله عيانه حاتروحى للدكتور إزاى؟

- ما انا قولتلك بيعها ودور على شقة فى دور أول ولا تانى.

- بلاش الأسانسير.. إحنا روحنا الملاهى خفتى تركبى المراجيح.. دا إنتى أترعبتى من أتفه مرجيحه بتاعت عيال صغيره.

- دا انت معبى بقى.

- لا مش معبى.. بس انتى فكرتينى كمان بفوبيا القطط والكلاب.

- دا عشان انت غاوى كلاب.

- ليه.. وهو احنا لما رحنا اسكندرية مش خفتى تنزلى الميه حتى فى حته ضحله بيلعب فيها الأطفال.. نروح الهرم تخافى تركبى الجمل أو الحصان.. كل مشوار ليكى فيه فوبيا

(صمت طويلا)

- إيه هو أنا حاتجوز ميس فوبيا.. والله دا حرام.. صعب صعب صعب.. صعب بجد.

- يعنى كنت بتمثل عليا الحب أيام الجامعة.

- ما كنتش اكتشفت الفوبيا المتفشية اللى عندك.

- مش قلتلك انت بتتلكك.

- اعتبرى الكلام زى ما إنتى عايزة تعتبريه.. أنا زهقت من الأوضاع دى.

- وإيه اللى يزهقك.. عليك من دا بإيه..

- انتى بتقولى فيها هو ده الصح.

- دا انت جاى ناويها بقى.

- ليه هو انا كنت بنجم عشان اعرف أن عندك كمان فوبيا من السلالم المتحركة.. دا إيه الغلب ده.

تركته منفعلة مهرولة مع دخول المترو إلى المحطة، أصابنى الرعب أن تلقى بنفسها تحت عجلاته، لكنها فى حقيقة الأمر كانت متجهة إلى إحدى عربتى السيدات، بينما صعد مصطفى مقطبا أمامى فى إحدى العربات الأخرى.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة