أكرم القصاص - علا الشافعي

حازم صلاح الدين

ثنائيات الكرة والسينما (1).. صالح سليم فى ملعب الأبيض وأسود

الأربعاء، 06 نوفمبر 2019 02:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الفنان العالمى الراحل عمر الشريف حين كانوا يسألونه: "ليه إنت أهلاوي"، كان يجيب بصراحته المعهودة :"عشان صالح سليم.. اللي حببني في الأهلي والكورة هو صالح سليم"، فعلها الشريف وأفصح أكثر من مرة عن "أهلاويته"، على الرغم من أن النجوم على الأغلب يخفون إنتماءهم الكروي حتى لا يخسرون جزء من جماهيريتهم، كما فعل عبد الحليم حافظ في فيلم "معبودة الجماهير" (1967) إخراج حلمي رفلة، حين سأله أطفال وصبيان حارته: إنت أهلاوي ولا زملكاوي؟ فأجابهم بتمهل ومكر: "زمهلاوي"، محاولاً أن يمسك العصا من المنتصف.
 
كلام الشريف يوضح مدى الموهبة التى كان يتمتع بها "المايسترو" الراحل صالح سليم رئيس النادى الأهلى الأسبق، الذى أصبح وقتها النموذج الأمثل في الملاعب والحياة، نظرة رومانسية نبعت من خواصه كأيقونة مرموقة، طنانة ومرهفة في ذات الوقت، فكان واثق الخطوة يمشي على درب واسع، تواضعه لا يخلع عنه شموخه، مما جعله فتى أحلام للجميع، وخطفته نداهة السينما.
 
بكل تأكيد أن نجومية وشعبية "المايسترو"، لم تكن سلاحه لدخول عالم الفن، عبر قيامه ببطولات سينمائية حينما كان فى ريعان شبابه، فهو لم يكن بحاجة إلى نجومية جديدة أو أموال جراء قدومه على تلك الخطوة، فجاءت هذه التجربة بعد أن تم ترشيحه للعمل فى فيلم «السبع بنات» من إنتاج عام 1961 وبطولة نادية لطفى وحسين رياض وسعاد حسنى وإخراج عاطف سالم.
 
بداية العرض جاءت من جانب المنتج حلمى رفلة الذى أقنع عاطف سالم بالاستعانة بصالح سليم للاستفادة من نجوميته فى زيادة الإقبال الجماهيرى، لكن المايسترو نفسه رفض فى البداية هذا العرض، مما جعل حلمى رفلة يلجأ إلى الثنائى أحمد رمزى وعمر الشريف- اللذين كانا يرتبطان بعلاقة صداقة وطيدة مع صالح سليم- من أجل التحدث معه لقبول العرض، وبالفعل لعب دورًا كبيرا فى إقناعه بالتراجع عن قراره والمشاركة فى بطولة الفيلم.
 
أصبح هذا الفيلم بوابة صالح سليم للعبور إلى الميدان السينمائي، حيث حصل على دور "نبيل" لاعب الشيش والمبارزة بالسيف، خطيب الابنة الكبرى أحلام ابنة منصور أفندي الموظف المغلوب على أمره، المكافح، المسئول عن بناته السبع بعد وفاة والدتهم في الفيلم الاجتماعي "السبع بنات" (1961) إخراج عاطف سالم، حيث ظهر كضيف شرف وتم إبراز اسمه على أفيش الفيلم وتيتره مع أبطاله، كُتب مسبوقاً بصفته "لاعب الكرة صالح سليم" رابع اسم، دلالة صريحة على استثمار شهرته كنجم كروي له شعبيته الجارفة، دوره الصغير جاء كتفصيلة تمهيدية لحدث أكبر في سيناريو نيروز عبد الملك ونسق عاطف سالم المميز في الإخراج، والذى يهتم بتفاصيل قد يلتفت إليها أحد، نبيل هنا مثال جليّ للحبيب اللطيف، الحنون، المسؤول عن حبه لخطيبته وشقيقه العاجز، يطل في مشاهد قليلة معبرة قبل أن يغيب نهائياً بموته في سقوط طائرة استقلها ليشارك في بطولة رياضية خارج البلاد، غيابه ينقل الحكاية إلى منحى آخر.
 
لم تتوقف أدوار المايسترو السينمائية عند هذا الحد، حيث وقع اختيار المخرج الراحل عز الدين ذو الفقار عليه لبطولة فيلم «الشموع السوداء» أمام نجاة الصغيرة بدلا من صديقه عمر الشريف الذى اعتذر لارتباطه بعدة أفلام أخرى، والفيلم من إنتاج عام 1962، قصة وسيناريو وحوار وإخراج عز الدين ذو الفقار، وشارك فى البطولة الفنانة الكبيرة أمينة رزق، وفؤاد المهندس،وقتها استغرب العديد من هذا الاختيار، لاسيما أن تجربة صالح سليم السينمائية لم تلق النجاح المطلوب وتعرض للانتقاد من النقاد الفنيين، إلا أن المخرج عز الدين ذو الفقار كان يرى أنه يستحق البطولة لو تعلم الإلقاء وأصول التمثيل، ومن المعروف أن عز الدين ذو الفقار كان أهلاويا حتى النخاع ومن المتعصبين لصالح سليم كموهبة كروية فذة، وتولى تدريب «المايسترو» ثلاثة شهور على التمثيل والإلقاء.
 
مشهد صالح سليم حين كان يتجول في النادي الأهلى، هي ذاتها تفصيلياً على الشاشة كما لو كان يعرف أنها تخطف أبصار محبيه وتحبس أنفاسهم، فيقوم بها بعناية وإتقان أوسع من مدارك الجسد ومن نية التمثيل أساساً، صحيح أنه لم تكن لديه شطارة أداء الممثلين المحترفين وتعاطيه مع عناصر الفيلم الأخرى، لكن كان لدى مايسترو الملاعب الكروية من الرقة والليونة والحضور الأخاذ ما يكفي لقبوله جماهيرياً بمجرد إطلالته، لأن جمهوره ببساطة لم تعنِه كثيراً فكرة تقمصه للشخصيات الدرامية ومحاولة محاكاتها واقعياً وتقديمها وفق أبعادها المتباينة، بل اكترثوا فقط بظهور نجمهم الكروي المحبب يتحرك في فضاء الخيال الرغد، كصدى لوجوده على أرض الملاعب، فهو هنا لا يقف في خانة التمثيل وإنما يتحرك بذروة نجوميته الكروية، والفارق بين الاثنين شاسعاً؛ إنه الفارق بين الموهبة والبريق، مع ذلك فإن صالح سليم لم يكن الممثل الخائب أو المتعثر لدرجة الفشل التام، فقد سار وفق خطة السكريبت بطريقة المبتدئين في توصيل روح الدور والتعبير عن الانفعالات سواء بسيطة أو مركبة بدون جهد، إنه لم يتدرب بالشكل الكافي الذي يؤكد تعريف أرسطو للتمثيل"فن تقليد الطبيعة، حيث فن التمثيل ما هو إلّا تقليد للصور والأحداث والحالات المختارة من الحياة نفسها توضع مجسدةً على المسرح من قبل الممثلين، وما يحيط بهم من مناظر وملابس وألادوات"، أو يحقق خطوات إعداد الممثل حسب الروسي قنسطنطين ستانيسلافسكي Constantin Stanislavski، إلا أن إنجازه البسيط أقنع مشاهديه أنّ ما يحدث أمامهم حقيقيًا، نبرة صوته، تعبيرات وجهه، حركة جسده، وحتى الانطباع النفسي الذي تركه لديهم عند مشاهدة أفلامه القليلة، كشخص مرموق  يقف على الخيط الرفيع بين النجومية والموهبة.. للحديث بقية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة