أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد أحمد طنطاوى

عويجة أفندى و نظرية "الشنكل"

الخميس، 14 نوفمبر 2019 10:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أتصور أن مشهد "الشنكل" فى فيلم أرض النفاق، واحد من أهم المشاهد الواقعية التى صورتها السينما المصرية على مدار المئة عام الماضية، فقد كانت عظمة القصة التى كتبها الأديب الكبير يوسف السباعى، والسيناريو والحوار العبقرى لـ  سعد الدين وهبة، علامة على نضج الفن وأهدافه الراقية لإلقاء الضوء على واقع المجتمع ومشكلاته، وقد برع الفنان الراحل حسن مصطفى، فى تأدية دور "عويجة أفندى" الموظف البيروقراطي الروتينى، و فؤاد المهندس الذى جسد فى هذا المشهد دور المدير الجديد والعقلية الناجحة التى تقدر كل خطوة قبل الاتجاه نحوها.

العنوان العريض الذى اعتمد عليه مشهد الشنكل كان " أموال كانت هتضيع على الشركة وصرفت بدون وجه حق" وهى عبارة عن 44 مليما ثمن شنكل لم يتم تركيبه من 18 سنة فى الشركة، وبعبقرية حسن مصطفى، وإجادته هيئة الموظف الروتينى " الحدق" بدأ رحلة البحث عن ثمن الشنكل، فيرسل خطابات " مسجلة مستعجلة بعلم الوصول"، ثم يشكل لجنة واللجنة تشكل لجنة فرعية أخرى، واللجنة الفرعية تشكل لجنة داخلية ثالثة، حتى يتبينوا إن كانت " الخروم" الموجودة فى الحائط جاءت نتيجة "الشنكل" أم أنها بسبب "حرامى الحلة" أو "خربشة القطة".

عويجة أفندى خلال رحلة بحثه عن الشنكل قدم حوالى 1000 مكاتبه من الشركة، كل واحدة موقعة من 6 موظفين، كل خطاب استغرق 3 ساعات عمل، كانت النتيجة حوالى إضاعة 500 يوم على الشركة دون فائدة، بالإضافة إلى رفع قضية تم تأجيلها 14 مرة دون أن تنتهى لأى شىء، تحت ادعاء : " أموال الشركة يافندم دى أمانة فى عنقي اللوائح كده..  القانون بيقول كده"، فكان الرد العبقرى من فؤاد المهندس عندما قال " القانون اللى يقول تصرف 400 جنيه من أموال الشركة عشان تجيب 44 مليم يبقى قانون حمار"، وكان القرار أن يتم وضع اسم كل من شارك فى هذه التقارير لخصم 200 جنيه من إجمالى رواتبهم و200 جنيه من راتب عويجة أفندى.

 المشهد العبقرى لم ينته عند الخصم من مرتب عويجة أفندى، إلا أنه كان يحمل دوسيه صغير به مجموعة أوراق فقال له فؤاد المهندس " ايه ده.. شنكل صغير" وكان عبارة عن طلب لصرف مبلغ 294 ألف جنيه و582 جنيه و2 مليم خامات وردها أحد العملاء للشركة دون أن يكون له أى ملاحظة عليها، فبادر فؤاد المهندس بطرده من المكتب بعدما اتهمه بالفساد والسرقة.

أحكى مشاهد وتفاصيل كل هذا المشهد العبقرى لأذكر للقارئ العزيز أن هناك مليون عويجة أفندى فى كل مكان، يضيعون أوقات العمل ويهدرون أموال الدولة، ولا يراعون ضمائرهم أو يقدرون الناس ومشكلاتهم، ويزيدون على دورة العمل الطبيعية ألف دورة ودورة، حتى بات موظف الدولة عنوان للروتين، لا يتخذ قرارا بل يحيل لمن بجواره، وهكذا حتى نصل إلى اللا شىء ، لجنة تشكل لجنة، ومكاتبه وخطاب ورسالة ومحضر وقضية دون فائدة، وأذكر فى ذلك عقار الدقى المائل الذى صدر له قرار إزالة من 1997، لم تنفذ إلا فى 2019، فالكل لا يتحمل مسئولية ما يقدم، وتحت عبارات واهية وكلمات فى غير محلها مثل " القانون لازم يأخد مجراه " وهذه المادة تقول وتلك المادة تنفى، ليضيعوا كل المكاسب التشريعية العظيمة التى وضعها المشرع المصرى العادل، الذى أتاح المرونة فى النصوص، حتى نستفد منها لا لنستخدمها فى الإضرار بمصالح الناس وإثبات الشيئ ونقيضه.

 الدولة المصرية التى تتحسس طريقها نحو 2020 بتنمية شاملة ومشروعات عملاقة وإرادة سياسية صلبة، ومؤسسات وطنية مخلصة يجب ألا تسمح أن يكون بيننا "عويجة أفندى"، حتى نستطيع أن نواصل السير للأمام وننجح فى تحقيق طموحات وأحلام الأجيال الجديدة، دون أن نترك لها أعباء ومصاعب كما فعل السابقون، وأتمنى أن نكون على قدر المسئولية، وأن نتجاوز الروتين وأشياء أخرى.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة